صيد الدهرة في بورسعيد.. رزق بعد صبر ورضاء بالمقسوم
"هيلا هيلا.. يا الله" كلمات يبث من خلالها صيادو الدهرة في محافظة بورسعيد، الحماس في نفوسهم وتشجيع أنفسهم حتى يستطيعوا تحريك مركبهم إلى داخل البحر وبدء رحلة الصيد، التي يقومون بها يوميًا.
مع شروق شمس الصباح تبدأ مجموعات الصيد، التجمع على الشاطىء، استعدادًا لتجهيز معدات الصيد ومركبهم البسيط، فبعد التجمع ووصول ريس المركب، يبدأ تحريك المركب داخل البحر إلى أن ترسو على الشاطىء.
وبعدها يتجه كل فرد منهم للقيام بمهمته، فمنهم من يكون مسؤولًا عن فرد الشباك، ومنهم من يكون مسؤولًا عن تحريك المركب في البحر.
شكل السماء والسحب، حركة الرياح واتجاه موج البحر، كلها عوامل من خلالها يحدد ريس المركب والصيادون ما إذا كانوا سيقررون الصيد أم لا، إضافة إلى تحديد ما إذا كانوا سيعودون من رحلتهم بشباك مليئة بالخيرات والرزق، وفقًا لحديث الريس طارق، ريس أحد مراكب الصيد.
الصيد في بورسعيد
ترتبط مهنة الصيد بعمر محافظة بورسعيد التي تتميز طبيعتها الجغرافية بأن تحاوطها مياه البحر من أغلب جوانبها، تشق حدودها الجنوبية بحيرة المنزلة وحدودها الشرقية أهم مجرى ملاحظ في العالم قناة السويس بتفريعته الشرقية ويمتد بحدودها الشمالية لمسافة تتجاوز ٢٠ كم البحر الأبيض المتوسط، فيعمل أغلب أهل المحافظة على المهن المرتبطة بالبحر والصيد، وخاصة "صيد الدهرة".
"ربنا الرزاق.. ويوم بترزق وغيره شباكنا بتكون فاضية"، هكذا عبر الريس طارق، الرجل الستيني، الذي قال إن ما يقرب من أسبوع لم يعطيهم البحر أي رزق، نظرًا لارتفاع الموج، وشدة التيار، مستطردًا: "بنيجي ونرمي حمولنا على الله ونسعى على رزقنا.. والرزق ده مكتوب".
وتابع: "الصيادين أيام بيعملوا اللي عليهم وينزلوا البحر ويعملوا مجهود.. ولما الشباك بتطلع فاضية بيمشوا زعلانين"، مشيرًا إلى أن مثل تلك الأيام وخلال فصل الشتاء يطلقون عليها "الأيام الكبيسة" أو "العجاف" لنقص الأسماك.
وعلى النقيض في الأيام الماضية، كان البحر مليء بالخيرات، فكان الموج يلقي الأسماك على الشاطىء، وجميع الصيادين متحمسين للصيد ويعملون بروح كلها حماس، لأنهم يدخلون البحر وكلهم ثقة بأنهم سيخرجوا منه مجبورين.
وأوضح الريس طارق الذي بدأ مهنة صيد الدهرة منذ طفولته في السابعة من عمره، أن دوره على المركب هو توجيه الشباك التي يمسك بها عدد من الصيادين على الشاطىء، لافتًا إلى أن الشباك لا بد أن يكون لها اتجاه معين في البحر فإذا وضعت بشكل خاطىء تلتف حول نفسها وتخرج فارغة دون أسماك.
"الصيد بيحتاج شخص راضي عن قضاء الله وصفته الصبر"، هكذا قال الريس طارق، مضيفًا أن الصياد يواجه صعوبات كثيرة خلال رحلته التي تستغرق ساعات تبدأ منذ شروق الشمس وأحيانًا تنتهي مع غروبها.
وعادة ما يتجه الصيادون إلى عمق معين داخل البحر بمسافة 200 متر، وهي مسافة تحددها لهم تراخيص المزاولة، ليتركوا عند تلك المسافة شباكهم التي تلتف أطرافها على وسط مجموعة من الصيادين على الشاطىء، وعند انتهاء كل الترتيبات وتثبيت الشباك، تبدأ عملية سحب الشباك، وهو ما قد يستغرق ساعتين.
وفي أجواء تملؤها الفرحة يبدأ الصيادون إخراج شباكهم من البحر فرحين بتكليل جهودهم خلال عملية الصيد، ليقسموا الأسماك التي حصدوها فيما بينهم، ثم يبيعونها للمصطافين على البحر أو يتوجهون بها إلى الأسواق وبيعها للتجار.