سليمان: الألم.. من مظاهر رحمة الله بالإنسان
الألم الذي يشعر به الإنسان ويحسبه مِحنًة، هو من صميم منح الله تعالى ورحمته به.
والألم أحد مظاهر تقويم الله لبني البشر.. فهو اختبار للشخص، ومحرك له نحو صلاحه وإصلاحه.
وقد أراد الله تعالى أن يكون الألم صنو الحياة؛ فخلق للإنسان جهازا آية في الإعجاز، يستشعر من خلاله الألم والإحساس والشعور والحياة.. والعضو الميت لا يحسّ ألمًا؛ لذلك فإن أخطر الأمراض هي تلك تسري وتتطور دون ألم، وتعمل في خفاء وسكون إلى أن تصل إلى مرحلة خطرة يصعب علاجها، كبعض أمراض السرطان.. لذلك فإن الألم إنذار مبكر لدفع المريض دفعا على التداوي، أليس الألم عندئذ رحمة من الله؟!.
ولقد كان الألم سببا في تحريك القلم وشحذ الهمم وقيادة العقل البشري إلى نهضة فكرية لاكتشاف الألم أين هو؟ والبحث عن مسبباته ومسكناته وعلاجاته.. وتدوينها لإفادة البشر في كل مكان.
وكان الألم سببا في نشأة مدارس وكليات الطب والصيدلة والتمريض وغيرها..
وكان الألم أيضا سببا في إيجاد ملايين من فرص العمل للأطباء والباحثين والممرضين والعاملين في مجال التحاليل الطبية والأشعة وغيرهم ممن يعملون في رعاية مَن يتألمون..
وكان الألم رحمة من الله تعالى وسببا في زراعة ملايين الأفدنة من النباتات الطبية التي يعمل فيها ملايين البشر في كل مكان.
وكان الألم كذلك رحمة من الله وسببا في نشأة الآلاف من مراكز البحوث الطبية والصيدلية، والآلاف من مصانع وشركات الأدوية والتي يعمل فيها كثيرون من البشر حول العالم.
ومن عظيم رحمة الله تعالى ببني الإنسان أن جعل الآلام أنواعا شتى وصورا متباينة؛ لضبط حركة الإنسان، وحركة الحياة!!
• ألم يكن ألم الجسد عزيزي القارئ سببا في دفع الشخص نحو التداوي من أجل الشفاء واستعادة الصحة لإعمار الكون والحياة؟!.
• ألم يكن ألم النفس سببا في عدولها عن طريق الضلال، والاتجاه سلوك سبيل الله المستقيم؟!.
• ألم يكن ألم الضمير سببا في إحقاق الحق والبعد عن الظلم ورد المظالم إلى أصحابها؛ حتى يسكن الضمير من آلامه؟!.
• ألم يكن ألم الفقر سببا في سعي الفقير في مناكب الأرض والأكل من رزق الله، وإجادة العمل وزيادة الإنتاج، والبراعة فيه، وتحليه بقيم الشرف والحرية والاعتماد على النفس، ومن ثم البعد عن الاتكالية أو الأكل من عَرق الغير؟!.
• ألم يكن ألم الراسبين في الامتحانات سببا في تفجير طاقاتهم نحو بذل الجهد والجد والمثابرة؛ لتحقيق النجاح المنشود؟!.
• ألم يكن ألم الهزيمة في الحروب سببا في تعبئة الجهود والتدريب والتسليح والتخطيط لتحقيق النصر المبين؟!.
• ألم يكن ألم الظلم سببا في اللجوء إلى الله والتعلق بحباله وتحقيق الوصال الدائم مع الله؟!.
• ألم يكن ألم المرض سببا في جمع القلوب النافرة ودافعا للرحمة والتعاطف الاجتماعي، وسببا في تحقيق الصلح بين المتخاصمين؟!.
• ألم يكن ألم الجوع سببا في تفجير ينابيع الخير والعطاء والسخاء في قلوب الناس، وتحقيق التكافل والتراحم بين الناس؟!.
• ألم يكن ألم رؤية الحوادث والمصائب سببا في مزيد من الحيطة والحذر، والأخذ بالأسباب للسعي نحو النجاة؟!.
• ألم يكن ألم الصبر وانتظار مال أو زواج أو إنجاب.. إلخ سببا في زيادة الدعاء والتعلق بحبال الله، وعدم فتور علائقنا بالله، ومن ثم تحقيق خصيصة الصبر وخصيصة الرجاء وخصيصة الأمل، وزيادة رصيدنا في بنك الرحمن؟ّ.
وهكذا يتجلى لنا أن الألم مظهر من مظاهر رحمات الله تعالى لبني الإنسان.
أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية