أحمد ياسر يكتب: الذكرى الثلاثين الكئيبة لاتفاقات أوسلو
نحن جميعًا نحب قصة ذات نهاية سعيدة، ولكن من المؤسف أن اتفاقيات أوسلو ليست واحدة من هذه القصص.
وعد عظيم أدى إلى سلسلة من الفرص الضائعة للسلام والتعايش والمصالحة، على حساب الشعب الفلسطيني بشكل رئيسي، ومع ذلك، فإن التأسف على فشل الاتفاقيات في نهاية المطاف في إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من دون تحليل الأسباب وراء ذلك، في حين تجاهل بعض الاختراقات الملحوظة التي حققتها، سيكون ممارسة لا طائل من ورائها.
عندما تسنح الفرصة التالية للتوصل إلى اتفاق سلام في واحد من أطول الصراعات في التاريخ الحديث، فإن الدروس المستفادة من أوسلو، وما أعقبها، قد تكون مفيدة للغاية.
لا شك أن الظروف الحالية في إسرائيل وفلسطين والمجتمع الدولي لا تصلح لمبادرة سلام ـ ومن المرجح أن تسوء الأمور قبل أن تتحسن... فإن أولئك الذين يعتقدون أن الحروب والصراعات ليست حتمية وغير قابلة للحل وأن التاريخ قد أظهر أن جميع الصراعات تنتهي في نهاية المطاف لا ينبغي منعهم من التعلم من الماضي، وتقييم الحاضر، والتخطيط لمستقبل أفضل وخالي من الصراعات.
كما أن عدم وجود أي احتمال وشيك للتوصل إلى اتفاق سلام شامل، لا يعني أنه لا ينبغي اتخاذ خطوات لتخفيف التوترات وتحسين الظروف على الأرض وإرساء الأسس لمفاوضات السلام المستقبلية.
قيل حينها، إلى حد كبير، إن المفاوضات في أوسلو اختتمت باتفاق لأن كل النجوم كانت مصطفة... وفي إسرائيل، وعدت الحكومة الجديدة آنذاك برئاسة رئيس الوزراء إسحاق رابين ناخبيها بأنها ستحقق السلام مع الفلسطينيين، وكانت الانتفاضة الأولى بمثابة نداء صحوة لإسرائيل لكي تدرك أنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، بل حل سياسي فقط، وأن الفلسطينيين لن يتخلوا أبدًا عن تطلعاتهم إلى تقرير المصير.
وفي الوقت نفسه، كانت منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها الراحل ياسر عرفات، تمر بتغيرات إيديولوجية، معترفين بأن مايسمي إسرائيل هي حقيقة واقعة يتعين عليهم أن يتعلموا كيف يتعايشون معها ويعترفون بها؟... لكن حساباتهم الخاطئة في دعم غزو صدام حسين للكويت أزعجت معظم دول المنطقة، وخاصة دول الخليج، وكذلك الدول الغربية، وهو ما اضطر القيادة الفلسطينية إلى البحث عن سلم للخروج من الحفرة التي حفرتها لنفسها.
بالإضافة إلى ذلك، في أعقاب الحرب الباردة مباشرة، توقف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن الارتباط بالسياسة بين القوى العظمى، وبدلًا من ذلك، كان رئيس الولايات المتحدة الشاب بيل كلينتون، الذي تولى منصبه لمدة تقل عن عام، ولم يحقق أي إنجازات ملحوظة، وعاني من انخفاض معدلات قبوله، يائسًا من تحقيق بعض النجاح الدولي، ورغم أن الاتفاق لم يتم بوساطة واشنطن، إلا أن إدارة كلينتون حينها كانت سعيدة بمباركته واحتضانه، كما لو كانت القابلة.
وبعد مرور ثلاثة عقود، وبعد انتفاضة دموية أخرى وجولة تلو الأخرى من الاشتباكات العنيفة، أصبح البحث عن السلام أكثر تعقيدًا... وقد بُذل عدد من المحاولات لإحياء العملية، في حين تغيرت تضاريس الضفة الغربية وديموغرافياها بشكل كبير نتيجة لبناء الإسرائيليين مئات المستوطنات والبؤر الاستيطانية...في عام 1993، كانت القيادات مستعدة لتحمل المخاطر من أجل السلام، لكن هذا الاستعداد مفقود الآن تماما.
وفي حالة رابين، انتهى به الأمر إلى دفع حياته ثمنا لالتزامه بالسلام، عندما أدت التحريضات المتواصلة ضده من قِبَل اليمين المتطرف والمتدينين الدينيين إلى قيام متطرف يهودي بإطلاق النار عليه، بعض الذين قادوا التحريض ضد رابين وحكومته يجلسون الآن في قلب الحكومة الإسرائيلية الحالية.
ونتيجة لذلك، وفي ظل النظام السياسي الفلسطيني المرتبك، فإن أي بحث محتمل متجدد عن السلام سوف يتطلب إصلاحًا جذريًا لكلا النظامين السياسيين، وإبراز القيادات البراغماتية المنفتحة على الأفكار الجديدة.
أحد أخطاء أولئك الذين وقعوا على اتفاقات أوسلو، على الأقل في نظري، هو أنهم رفضوا أن يذكروا بوضوح أن أي اتفاق سلام دائم وحقيقي يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش إلى جانب إسرائيل، وعاصمتها القدس.
ومن خلال غموضها بشأن طبيعة الاتفاق النهائي، فقد تركت العديد من الفلسطينيين متشككين بشأن ما إذا كانوا سيرون رغبتهم في تقرير المصير تتحقق، ودفعت الإسرائيليين المعارضين لمثل هذه النتيجة إلى الاعتقاد بأنه لا يزال من الممكن تجنب قيام دولة فلسطينية.
من المؤكد أن التطورات الكارثية في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين على مدى العقود الثلاثة التي انقضت منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو في حديقة البيت الأبيض، خلفت ندوبًا وانعدام ثقة عميقًا في كلا المجتمعين، ويسلط انعدام الثقة هذا الضوء على أحد أوجه القصور الرئيسية في عملية أوسلو: وهو الفشل في بناء كتلة حرجة واستباقية من الدعم بين الشعبين لمقاومة الأقلية الصغيرة ولكن المصممة التي لها مصلحة في استمرار الصراع.... وسوف تكون إعادة ترسيخ مثل هذه الثقة أكثر صعوبة في ظل المناخ الحالي، حيث أصبحت العلاقات بين الجانبين سيئة كما كانت في أي وقت مضى.
ولكن عندما تستأنف مفاوضات السلام القابلة للحياة، ولو في تاريخ مستقبلي غير متوقع، فلا بد أن تستند هذه المفاوضات إلى المساواة في الحقوق بين الجميع على جانبي الخط الأخضر، فضلًا عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين المسجلين الذين يبلغ عددهم 5.7 مليون لاجئ... واليوم، لم يكن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين قد ولدوا عندما تم التوقيع على اتفاقيات أوسلو، وبالنسبة لهم فإن هذا الحدث هو التاريخ البعيد لمحاولة فشلت في إنهاء الصراع سلميًا.
إنهم لا يدركون أن فكرة حل الدولتين في حد ذاتها لم تكن خيارًا تمت مناقشته بجدية على الإطلاق، كما أنها لم تنتج أي وثائق مهمة حول حل قضية اللاجئين الفلسطينيين؛ القدس عاصمة لكلا البلدين؛ أو كيف نضمن أن المستوطنات لن تكون قادرة على عرقلة الطريق إلى السلام.
ومن ثم، يُترك لجيل جديد من القادة ونشطاء السلام والمجتمع المدني الاستباقي أن يأخذوا إيجابيات أوسلو، بما في ذلك الإيمان بوجود عقبات يجب التغلب عليها، وإيجاد طريق جديد للسلام.
ولا يمكن أن يحدث هذا إلا عندما تقوم أغلبية من الإسرائيليين والفلسطينيين، بقيادة سياسيين شجعان، بتهميش أولئك الذين يروجون لأهداف حزبية متطرفة وتعتنق فكرة أن جميع الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون نفس الحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية..... ثم يصبح الباقي مجرد تفاصيل.