"الفجر" تحاور البطل الحقيقي لفيلم "الطريق إلى إيلات"
أرادت القيادة السياسية والقيادة العامة للقوات المسلحة بعد حرب 1967 أن تلقن العدو الإسرائيلي درسًا قاسيًا في عقر داره، ومن هنا جاء الفكرة أن تكون الضفادع البحرية أول من ينفذ عمليات نوعية في عمق إسرائيل وبالتحديد في ميناء إيلات، وكان لأثر تلك العمليات التي نفذتها القوات الخاصة البحرية أثرًا بالغًا في رفع الروح المعنوية للجيش المصري وكسر صورة الجيش الذي لا يقهر التي صدرتها إسرائيل، ومن بين هؤلاء الأبطال الذين نفذوا علميات داخل ميناء إيلات كان اللواء بحري نبيل عبد الوهاب أحد الأبطال الحقيقيين لفيلم "الطريق إلي إيلات" وإلى نص الحوار..
س: في البداية لماذا فضلت دخول الكلية البحرية في ذلك الوقت؟
كان أخي طلعت ضابط بالقوات البحرية استشهد سنة 1956 في عملية بطولة وكنت أسمع وقتها قصة بطولته مما فجر العديد من المشاعر القوية أدت في النهاية إلى الالتحاق بالكلية البحرية.
س: ما هي العملية الأولى التي شاركت في تنفيذها؟
أول عملية كانت العملية الأولى لإيلات وأود أن أوضح أن فيلم "الطريق إلى إيلات" دمج 3 عمليات في يوم واحد، ولكن الواقع والحقيقة أنهم 3 عمليات بين كل عملية، وأخرى نحو 3 أشهر، اشتركت أنا في الأولى التي كانت في يوم 15و16 نوفمبر 69، والثانية كانت في 5 فبراير 70 والثالثة في مايو 1970 اشتركت فيها أيضا، وكانت عملية إيلات الأولى هي أول عملية اشترك فيها في حرب الاستنزاف.
س: كيف كان استعدادكم للعملية الأولى؟
عملية إيلات الأولى تم فيها تدمير مدمرتين الأولى داليا والثانية هيدروما يوم 15و16 نوفمبر 67، وكنا في فترة ما قبل العملية في حالة تدريب دائم وقاس، وكنا جميعا نحاول أن نثبت أننا الأكفأ حتى يتم اختيارنا للعملية لذلك كنا نقتل أنفسنا في التدريب طبعا لم يكن عندنا علم بالعملية ولكنها مسالة استعداد حتى نكون جاهزين متى طلبنا.
أما تفاصيل العملية كانت القبطان عمر عزالدين والقبطان حسنين جاويش، وأنا ومعنا 3 صف ضابط وهم محمد العراقي، وعادل الطراوي، والشهيد محمد فوزي البرقوقي رحمه الله نوبتجية ليلية، ولم يكن ذلك طبيعيًا، ولكن تم تغير جدول النوبتجيات؛ ليتم تجميعنا معا في ذلك اليوم، وفجأة جاء عسكري مراسلة قائد اللواء يطلب حسنين جاويش، ويتأخر حسنين ولا يعود إلينا ثم يأتي نفس العسكري؛ ليطلب عمر عزالدين بنفس الطريقة إلى أن حان دوري.
وفي اليوم الثالث تم منح كل منا جواز وتذكرة سفر إلى عمان بأسماء جديدة ومهن جديدة، وكانت كل المعلومات التي عرفناها أننا متوجهون إلى عمان وليس أكثر، وكنا على ثقة أننا لسنا بمفردنا، وأن كل خطوة نخطوها هناك من يراقبها، ويعد للخطوة التي يليها كانت سمفونية رائعة اشتركت فيها جميع الأجهزة بنفس القدر دون نشاز واتجهنا إلى المطار كل بمفرده كأننا لايعرف أحدنا الآخر، وقد كان كتب لي في جواز السفر أنني طالب وذاهب إلى الأردن للسياحة، مما أثار شك ضابط الجوازات في المطار كنا وقتها في فترة امتحانات فكيف لطالب أن يسافر وقتها للسياحة في هذا الوقت، إضافة إلى أنه انتشرت آنذاك ما يسمى بتجارة الشنطة وكانت حقيبة سفري كبيرة وفارغة إلا من ملابس النوم.
س: كيف بدأتم في تنفيذ العملية؟
في الليلة التي سبقت انطلاقنا لنقطة الانزال جاءنا قائد اللواء ومعه شخص آخر قدم لنا نفسه على أنه سكرتير ثالث في السفارة وعرفنا فيما بعد أنه ضابط مخابرات مصري وأخبرونا بطبيعة المهمة وتلقينا الأوامر وبدأنا ندرس صور الميناء والمدمرات حتى نستطيع تحديد اتجاهاتنا ونحن تحت الماء وفي اليوم التالي 9 نوفمبر 69 استقللنا الطائرات واتجهنا إلى نقطة الانزال ومنها ركبنا القارب المطاطي، واتجهنا نحو ميناء إيلات وبعد 24 كيلو مترا في الزوديك حتى أصبحت إيلات على مرمى البصر وبكامل معداتنا لم نجد المدمرات الرأسية في الميناء مما يعني إلغاء العملية وتم التنسيق مع نقطة مراقبة مصرية على حدود العقبة إيلات بعلم السلطات الأردنية وكان فيها ضابط استطلاع وكانت هذه النقطة تستطيع أن ترى ميناء إيلات جيدا بما يرسو فيه من مدمرات وسفن جيدا. وتم الاتفاق على أن يتم التنفيذ بعد أسبوع عندما نتسلم منهم التقرير الذي يفيد برسو السفينتين داليا وهيدروما في الميناء رغم صعوبة عمليات الاتصال في هذه المناطق الجبلية.
س: ماذا حدث يوم 15 و16 نوفمبر؟
رجعنا إلى الأردن بنفس الطريقة ومنها إلى نقطة الانزال وفي انتظار الإشارة إلى أن سمعنا أغنية بين شطين وميه ولك أن تتخيلي مدى الفرح الشديد والسعادة التي شعرنا بها، وتم تقسيمنا إلى 3 مجموعات التي سبق أن قلت أسمائهم كل ضابط ومعه صف ضابط مربوطين مع بعض بحبل في يد كل منهما وكل منا يحمل لغم وزنه 50 كجم مملوء T N T واستقللنا الزوديك واتجهنا نحو المدمرتين داليا وهيدروما وتمت العملية بنجاح ولم يكن هناك أي خسائر غير شهادة البرقوقي.
س: كيف استشهد الرقيب البرقوقي؟
استشهد بما يسمى تسمم الأكسجين وهي حادثة شهيرة جدا ووارد حدوثها في أي وقت حتى أوقات التدريب كما أن حلها بسيط جدا وهو أن يصعد إلى السطح وياخذ نفسا عاديا جدا ولكنه رفض وأصر أن يكمل العملية إلى نهايتها، وبعد تركيب لغمه أشار لي تحت الماء بأنه يحتاج الصعود إلى السطح لأنه يشعر بالتعب وما أن وصلنا للسطح كان لفظ انفاسه الأخيرة ورغم أن التعليمات كانت تنص على أن أترك جثته إلا إنني خالفت التعليمات وعدت بالجثمان مسافة 14 كيلومتر سباحة حتى وصلت إلى الأردن وفكرت في الأمر في أقل من ثانية وجدت أن إسرائيل ماهرة جدا في المجال الإعلامي كانت ستصور الجثمان وتشهر به في وسائل الإعلام ووتتباهى بأنها قتلت واحد من الضفادع البشرية المصرية على حساب الشهيد، إضافة إلى أننى لم أستطع أن أتركه فقد كان قريبا من قلبي جدا وفي نفس عمري ولم يكن هناك ما يعرف بفروق الرتب لأني ضابط وهو صف ضابط كنا جميعا أخوة وأصدقاء نتدرب ونعمل معا في سلاح واحد وكنت أتمنى أن نعود جميعا سالمين لذلك لم أتردد لحظة أن أعود به حتى أدفنه في بلده، فقررت أن أرجع برفيقي إلى الشاطئ حتى لو كان الثمن أن أتاخر عن الزوديك وأكمل المسافة سباحة حتى أصل إلى الأردن وبالتحديد ميناء العقبة.
س: ماذا حدث عند وصولك للعقبة؟
القيادة قد أوصتنا أنه في حالة الوصول إلى العقبة أن نقول إننا ضباط الضفادع البشرية المصرية ألقتنا طائرة هيليكوبتر لتنفيذ العملية ولم تعد لتاخذنا وقيادتنا أوصتنا أن نسلم أنفسنا إليكم وصلت إلى العقبة وطبعا كانت الانفجارات تدوي في المكان وسلمت نفسي إلى حرس السواحل وأخبرتهم بما أمرتني به القيادة وتم احتجازنا في مبنى الاستخبارات الأردنية وقضينا هناك ليلة ثم أعادونا إلى مصر.
س: ماذا حدث عندما عدتم إلى مصر ؟
في فترة احتجازنا في مبنى الاستخبارات الأردنية أتوا لنا ببعض الملابس لأننا طبعا كنا ببدل الغطس فاتوا لي بقميص وبنطلون ولم يجدوا لي حذاء لأن مقاسي كان كبير واستبدلوه بشبشب من باب أي شيء يؤدي الغرض وعندما عدنا إلى مصر ووصلنا إلى مطار القاهرة أخبرونا أن الفريق فوزي هو وزير الحربية يريد أن يلتقي بنا وأخذونا إلى وزارة الحربية وهناك التقينا رئيس الأركان وكان هناك اجتماع لمجلس الوزراء في وزارة الحربية في نفس الوقت فاضطررنا أن ننتظر بعض الوقت إلى أن قام الفريق صادق وأخبر وزير الحربية بوجودنا وطبعا كانت الدنيا قائمة بسبب ما نشر في الجرائد عن العملية وما أحدثه ذلك من رفع الروح المعنوية وصدى عالي، المهم عندما علم الوزراء أننا موجودين طلبوا أن يلتقوا بنا عقب انتهاء اجتماعهم وحضرت هذا الاجتماع بالشبشب الزنوبة.
س: ما تفاصيل عملية إيلات الثانية؟
عملية إيلات الثانية كانت في 5 فبراير 70 وكان الهدف منها تدمير ناقلة الدبابات بيت شيفع وناقلة الجنود بات يم وكانت بيت شيفع قد قامت بعملية غير شريفة عسكريا في الزعفرانة على سواحل البحر الأحمر حيث أنزلت الدبابات التي قامت بمهاجمة أناسا مدنيين كما هاجموا محافظ البحر الأحمر ودهسوه هو وسائقه داخل سيارته، فكانت حربا غير شريفة وقذرة جدا بالإضافة أنهم صوروا هذه العملية بكاميرات التليفزيون كنوع من البروباجندا والتباهي بالعملية فصدرت الأوامر بتدمير بيت شيفع وبات يم وقام بهذه العملية رامي عبد العزيز وعمرو البتانوني ومع كل منهم البدي الخاص به تحت قيادة رئيس الأركان القبطان مصطفى طاهر وبنفس الطريقة التي دمرنا بها داليا وهيدروما والحمد لله لم يحدث أي خسائر بالعكس قام رامي عبد العزيز فيها بعمل بطولي رائع لأن البدي الخاص به أحس بالتعب وعدم القدرة على المواصلة وكانت الأوامر تنص أن يرجع كلاهما إلا إنه رفض وأمر رفيقه بأن يرجع إلى الزوديك وحمل اللغمين بنفسه وقام بدور زميله إضافة إلى دوره.
س: كيف كان رد إسرائيل على العمليتين؟
بعد العملية الثانية فقد تم استجواب موشى ديان وزير الحرب الإسرائيلية لأن قيامنا بعمليتين ناجحتين في إيلات كان شيئا مقلقا جدا فهي أول عملية حربية تحدث داخل إسرائيل التي لم تكن معتادة أبدا أن تحارب على أراضيها فقد كانت تحارب مصر في سيناء وسوريا في الجولان ولبنان في جنوب لبنان ولا تقترب أبدا من إسرائيل 48 لتحقيق الأمن الداخلي.
س: ماذا فعلت إسرائيل لتأمين ميناء إيلات بعدما حدث؟
أخذت إسرائيل 3 إجراءات لتامين ميناء إيلات الأول الشباك التي نصبتها حول الميناء لمنع دخولنا تفتحها طول النهار وتغلقها ليلا، والإجراء الثاني تمثل في زيادة عدد العبوات المتفجرة التي كانت تلقيها في المياه فأصبحت كل دقيقتين بعد أن كانت على مدد متقاربة، أما الإجراء الثالث فهو لا تقضى السفن والمدمرات الليل في الميناء لأننا كضفادع بشرية نعمل ليلا فقط مما يصعب علينا الوصول إليهم نهارا.
س: ما تفاصيل العملية الثالثة تدمير الرصيف البحري لميناء إيلات؟
في مايو 70 فكرت القيادة في أن عدم وجود السفن ليلا ليس السبب الذي يمنعنا من تدميرها وتوصلت إلى أنه بتغيير لنوع اللغم بدلا من T N T وزن 50 كجم أصبحت اللغام أكبر بوزن 125 مملوءة بالأكسجين المضغوط ويتم تثبيتها في الرصيف بحيث تنفجر الألغام عند رسو السفن إلى جوار الرصيف وضبط التايمر على 12 ساعة بحيث يركب اللغم 12 صباحا وينفجر 12 ظهرا بحيث تكون السفن حينها في وقت ذروة العمل عليها على الرصيف ونتيجة لهذا التلغيم غير المباشر توقعنا نتيجتين لهذه العملية الأولى أن ينفجر اللغم ويدمر السفن وهذا ما كنا نطمح اليه، والنتيجة الثانية أن هذا الانفجار قد يحدث عطبا في هذه السفن بحيث لا تستطيع مغادرة الميناء ليلا وعندها نستطيع مهاجمتها ثانية ليلا، وهذا ما كان.
س: ما رأيك في فيلم الطريق إلى إيلات فور نزوله؟
سعيد للغاية بفيلم الطريق إلى إيلات لأن لولاه لما عرف أحد عنا وعن العملية شيئا فقد كان سببا في معرفه الناس بأحد أبطال مصر وهو الشهيد محمد فوزى البرقوقي والذي قام بدوره عبدالله محمود، إلا إنه ورغم سعادتى بالعمل إلا إن الدراما تدخلت وكان لها لمستها في العمل فلم يكن هناك أي عنصر نسائي في العملية ولم يتمكن الخوف من أحدنا قبل العملية بدقائق كما حدث في الفيلم، كما أن الفيلم دمج العمليات الثلاث في عملية واحدة في يوم واحد.