ربيع جودة يكتب: الرهان
في الصف الأول الابتدائي.. كان الطريق إلى منزلنا طويل جدا.. وبينما انتظر اختي علي باب المدرسة.. تنشق الأرض عن ولد ضخم..يكبرني عاما أو عامين.. يأتي نحوي مهرولا.. احتميت بحقيبتي ارفعها إلى وجهي.. فإذا به يقترب نحوي يقصدني.. فهرولت منه هربًا.. وهو يجري خلفي لا يتوقف.. ويحدث أصواتا بفمه.. تزيد من رعبي وهلعي.. كان الطريق واسعا. لا مداخل فيه ولا حارات.. حقول عن اليمن والشمال. وترعه طويله تستمر بطول الطريق.. استمر يجري خلفي.. وكلما سكت الصوت.. وظننت أنه قد تعب.. انظر خلفي فإذا به يلاحقني.. فأهرول وأهرول.. حتي وصلت إلي مشارف قريتنا.. فاحتميت بالمارة والدواب وقد تركني أمضي.. لم احكي لأمي ما حدث.. واعتقدت أنه موقف وانتهي.. وفي اليوم التالي.. وقفت أترقب الطريق وقد انصرف التلاميذ كلهم وبقيت وحدي أنتظر اختي كالعادة.. وقد خلت الطريق من الناس.. فظننته لن يأتي وأنها كانت مرة.. وإذ بذاك الصوت يأتي من حيث لا أدري.. ولم تختلف المطارده عما كانت أمس.. تعجبت امي لماذا لا تأتي مع اختك.. فأخبرتها أنها تتأخر وأنها تسير مع البنات.. وأني لا احب ذلك.. ولم استطع اخبارها أبدا.. وفي كل يوم اعيش تلك المعاناة.. مع ذلك المعتوه.. حتي عندما سرت بين التلاميذ في صفي.. لم أسلم منه ولم يدفعه أحد عني.. وذات يوم كنت مريضًا. أشعر بإعياء شديد. ودعوت الله أن يتوقف عني ذاك الصوت اليوم.. لكن وقبل أن ينتهي رجائي.. وجدته يأتي من بعيد. يزف الأرض وكأنه قطار.. هرولت عشرة أمتار.. وسقطت مكاني والحقيبة في رقبتي.. ألاقي مصيري المحتوم معه.. أغمضت عيني.. وقد اصفر وجهي.. لا أفعل شئ غير اني احتضن الحقيبة.. فإذا به يتوقف عن الصوت.. ويمد يده إلى كتفي متسائلًا.. ايه ؟ قعدت ليه ؟ قوم ياعم نجري.. نظرت إليه بإحدي عيني مترقبا أن يضربني.. فإذا به يقف عند رأسي كالجبل الشاهق.. قوم يا عم نجري نفسي اسبقك في الجري يوم.. انتا ايه يعم طيارة؟ .. جلس بجواري علي الأرض وقال. انت وشك اصفر كده ليه انتا عيان ؟ فتح حقيبته.. وأخرج منها زجاجة مياه يعطيها لي.. اشرب وقوم طب اوصلك.. قمت انفض ثيابي ساخرًا من نفسي كيف يهزمني الخوف إلى تلك الدرجة.. نظرت إليه دون كلام.. وقد تحولت وحشيته إلى طيبة غير عادية.. ولم يحملني كبريائي علي إخباره اني كل هذه الأيام كنت اجري خائفًا منه.. وتحول هلعي إلى دفء يملأ جوانحي.. وسكنت من الرعب أركاني.. ولم يعد لخوفي وجود.. حتي إحساسي بالمرض لم يبق منه شيء.. ولم اصدق اني أسير مع هذا الوحش جنبًا إلى جنب.. فنظرت إليه قائلا.. تراهن وانا عيان كده.. اني بردو اسبقك.. قالي اراهنك يامعلم.. فهرولت ضاحكا.. أكاد اطير فرحًا.. ومن يومها كلما شعرت بالخوف.. نظرت إلى ما يخيفني ساخرًا متسائلًا.. تراهن إن سابقتني أسبقك..فيصبح ما يخيفني مهما بلغ..عونا لي في الطريق ورفيق .... ربيع جودة