البنوك المركزية تعزز احتياطياتها من الذهب.. ما السر؟
دفعت حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العالم والتوترات الجيوسياسية البنوك المركزية حول العالم لتعزيز احتياطياتها من الذهب، بهدف دعم الاقتصاد والعملة المحلية، لتتصاعد الأسئلة حول السر وراء زيادة البنوك المركزية من احتياطياتها من الذهب؟
في حدود المسموح
في هذا الصدد قال الخبير المصرفي، محمد عبد العال، في تصريحات لموقع "الفجر"، إن البنوك المركزية لا تستطيع زيادة حصتها من الذهب دون سقف، موضحاً أن مجالس إدارة تلك البنوك بالإضافة إلى اللجان المتخصصة لديها تضع حدوداً لكل المراكز النقدية التي تحتفظ بها، فلا يجوز تجاوزها من حزمة العملات الرئيسية أو بالمعادن الثمينة مثل الذهب.
وأضاف أن كل بنك يستطيع أن يتحرك خفضاً ورفعاً في حدود ما هو موضوع له، كما يمكن لمجالس الإدارات أن تغير في تلك الحدود وفقاً للظروف وتطورات الأحداث، فإن الاقتصاد ليس له ثوابت ويتطور بتطور الأحداث العالمية.
وأرجع الخبير المصرفي زيادة الاحتياطيات من الذهب لدى البنوك المركزية إلى عدة عوامل على رأسها صدمة جائحة كورونا والخروج منها وتداعياتها، والبحث عن ملاذات آمنة سواء من الدول والمؤسسات والبنوك التجارية والأفراد، وحدوث تقلبات شديدة في أسعار العملات عالمياً، إضافة إلى أن الدولار أيضاً يتغير وفقاً للمؤشرات الاقتصادية الموجودة وتوجه السياسة النقدية السعرية في الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى حالة الاستنفار العالمي بعد الحرب في أوكرانيا والتي يتوقع أن لا تنتهي خلال وقت قريب وأن تتفاقم خلال الفترة المقبلة.
وتوقع أن يحدث ارتفاعاً محدوداً بسعر الذهب خلال الفترة المقبلة، نتيجة تخفيض التصنيف الائتماني لبنوك أميركية ووضع أخرى تحت نطاق الفحص من قبل وكالة موديز، ما يشير إلى حدوث استثمارات مبنية على المخاوف من حدوث أزمة مصرفية في أميركا، والتي عادة ما تبدأ أميركية لتنتقل لتكون عالمية، ومن هنا يرتفع سعر والطلب عليه من قبل البنوك المركزية.
رؤية غير واضحة
خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، قالت في تصريحات خاصة لموقع "الفجر"، إن البنوك المركزية عادة ما تتخذ هذا التوجه حينما تكون الرؤية المالية غير واضحة فيما يتعلق بأسواق المال أو الاستثمارات الأكثر مخاطرة.
وأشارت إلى أنه حينما يتعرض القطاع المصرفي والعملة لأزمات يكون رد الفعل هو التوجه غالباً إلى وجهات استثمارية مختلفة، من بينها الذهب كمخزن قيمة.
ولفتت إلى تقرير مجلس الذهب العالمي الذي كان قد صدر بنهاية النصف الأول من العام الجاري 2023، والذي أظهر أن هناك عشرة دول تهتم بأن يكون لديها رصيد كبير من الذهب بينها عديد من الدول الأوروبية، مردفة: إن المثير في هذا التقرير هو مجيئ تركيا ضمن القائمة وفي المركز الحادي عشر، فحينما تكون الدول غير قادرة على الاستثمار أو مواكبة تغيير أسعار العملات فأنسب حل بالنسبة لها هو التحوط بملاذات آمنة مثل الذهب، لذلك التركيز خلال الفترة الحالية على زيادة الأرصدة من الذهب لأنه ملاذ آمن وله تقييم عالمي بأنه من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع الحصيلة الدولارية.
ملاذ آمن في ظل ارتفاع التضخم
من جانبه، أوضح خبير أسواق المال، الدكتور حسام الغايش، أن الذهب عادة ما يكون ملاذاً آمناً في حالة الاضطرابات وعدم وضوح الرؤية أو الاستقرار، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، ووجود أزمات جيوسياسية على رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يدفع البنوك المركزية إلى اللجوء لزيادة احتياطاتها.
وذكر في تصريحات خاصة لموقع "الفجر" أنه كنوع من التحوط لحفظ القيمة الزمنية للنقود يتم تحويلها إلى ملاذ آمن مثل الذهب، موضحًا أن هناك دافعاً آخر للبنوك المركزية وهو الحفاظ على قيمة العملة المتوفرة لديها سواء كانت عملة محلية أو دولية، مشيراً إلى أن حالة الاقتصاد الدولي الحالية من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على اقتصاديات الدول، وبالتبعية يكون هناك تأثير على أسعار العملات الخاصة بها وحتى على مستوى العملات الدولية.
وقال إن استمرار الحرب في أوكرانيا وحدوث بعض المناوشات في مناطق أخرى بين قوى كبرى، مؤشرات على استمرار حالة عدم اليقين، هذا بخلاف استمرار معدلات التضخم في الارتفاع خلال الأعوام الأخيرة بالإضافة إلى أزمة الدين العام على عدد كبير من الدول بينها الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما ظهر خلال تخفيض تصنيفها الائتماني، مشيراً إلى أن كلها أحداث غير مسبوقة تتزامن مع بعضها ولها تأثير كبير على القرارات الاقتصادية الخاصة بالبنوك المركزية.