د. رشا سمير تكتب: الصين تحتل العالم..والتيك توك يحتل البيوت
على مدار السنين باتت العلاقات الصينية الأمريكية هي العلاقة الأكثر أهمية في العالم، بل وهي عنوان كل التطورات التي تحدث على مستوى العالم، بل وأقرب إلى علاقة القط بالفأر في أفلام الكرتون، تلك العلاقة هي التي دعت الشعب الصيني لإطلاق مسمى على أمريكا هو (فان دونج) أي الLand Lord بمعنى صاحب الشقة، فالشعب الصيني يقوم بتصنيع كل الماركات العالمية وتصديرها إلى أمريكا وبالتالي فهم أصحاب الشقة.
مع الوقت إنتقل الصراع من الساحة الإقتصادية إلى الساحة الإلكترونية، فالإحتلال الذي كان يوما إحتلال تقوم به الجيوش تحول مع الوقت إلى رقائق إلكترونية ومواقع للتواصل وحرب لإحتلال العقول وتدمير الأجيال الشابة التي هي وبكل بساطة مستقبل كل الشعوب.
السلاح الصيني القاتل:
مثل أي تطبيق على السوشيال ميديا، تبدأ الحكاية بإكتشاف هويته، ثم يتحول الأمر تدريجيا إلى مرحلة التعود، ثم ننزلق معه إلى مرحلة الإدمان، وهنا تكمن الخطورة التي ليست فقط مضيعة للوقت بل وللمجهود والتركيز.
الواقع يؤكد أن التيك توك بدأ بإجتذاب شريحة كبيرة من الشباب وخصوصا من هم في سن المراهقة، ممن يطلقون على أنفسهم الGen zees أو Generation Z الذين هم وبكل أسف أكبر فئة من الشباب في مصر ضاعت هويتها العربية في رحلة إقتفائهم لأثر الغرب باحثين عن الصورة الوهمية التي يتم تصديرها في الأفلام والمسلسلات.
التيك توك يبدو لهم وسيلة لطيفة لتقليد مقاطع من مسرحيات وافلام وأغاني، ومع الوقت وزيادة عدد المتابعين، يتحول الأمر إلى وسيلة للحصول على الهدايا والأموال!
الشباب يتحدثون على التيك توك بحرية كبيرة، وكأنها دنيا بلا رقيب، دنيا بعيدة عن رقابة وسيطرة الأهل، الذين هم إما غائبون عن الوعي أو غائبون عن الواقع أو كلاهما!.
حين إخترعت أمريكا مواقع الفيسبوك والتويتر وإنستاجرام لتصبح جزء لا يتجزأ من حياة البشر،
جاء رد الصين بإختراع البث المباشر أو لايف تيك توك أو TikTok Live ليقدم ميزة جديدة للباحثين عن المتابعين واللايكات والتقاليع التي لا تنتهي، بحيث يمكن للشباب التفاعل في الوقت الفعلي من خلال بث حي عن أي شيء وكل شئ، ثم تطورت الحالة إلى إرسال واستلام الهدايا عبر البث المباشر في تيك توك، ومن هنا زاد المتابعين، فحين يطرق الأمر باب الكسب والمال يتكالب عليه الجميع.
إلا أن الكثير من الأشخاص يواجهون مشكلة عند الحصول على هدايا بث تيك توك، لأنها تحتاج إلى ألف متابع على الأقل، وهذا يعتبر أمر صعب بالنسبة لهم.
ومن هنا ظهر للبيزنس بيزنس جديد للترويج له..ظهرت مواقع تبيع متابعين مقابل أتعاب مادية مثل موقع فولورز شيب، حيث تكلفة ١٠٠٠ متابع لفتح البث هو١،٦٩ دولار.
من خصائص التيك توك أيضا بأنه يسمح للمراهقين من عمر ١٣ عاما بإنشاء محتوى خاص بهم، ويتم عرض هذه المقاطع المصورة على جميع المستخدمين وليس فقط من يتابع الشخص كالتطبيقات الأخرى، وهذه بقدر ما تبدو ميزة للمستخدم لأنها تعني انتشار أكبر للمقاطع المصورة التي يتم عرضها على التطبيق، إلا أنها كارثة للبيوت، فالأطفال في البيوت أصبحت حياتهم على المشاع، يرقصون بخلاعة، يغنون أغاني خارجة، يروون قصص عن ذويهم من داخل البيوت، يشربون المخدرات ويحتسون الخمر بتباهي وسط الأصدقاء، بل ويسخرون من ذويهم في فيديوهات تحمل هاشتاج واحد،
كل هذا على مسمع ومرآى من أمة لا إله إلا الله!.. أي ميزة تلك؟ وأين الأهل من هذه المأساة؟!.
غياب القدوة:
قامت أحد المؤسسات بإختبار ما يسميه صُناع التيك توك بال "ميزة" وهو سرعة الإنتشار.
فقاموا بإنتاج فيديو لا يحمل أى معلومة عن أى شئ، وتم تصويره بهاتف محمول في أحد شوارع لندن، ورغم رداءة المقطع إلا أن أكثر من ١٤٠٠ شخص شاهده وتفاعل معه خلال ٢٤ ساعة. هذا الانتشار الكبير بالنسبة للمستخدمين الآخرين يترجم إلى دولارات، وبالنسبة للبيوت العربية يترجم إلى كارثة!.
يا سادة..إبنك أو إبنتك على الهواء في كل دقيقة، في محاولة لتقليد كل ما هو مستورد أو أجنبي، غير أبهين بخطورة ما يُلقى في طريقهم..من أصدقاء سوء ومن عادات خاطئة أو من قضايا خاسرة.
فمثلهم الأعلى أصبح مودة الأدهم نجمة مدينتي في التيك توك!..وقدوتهم أصبحت هرم مصر الرابع حنين حسام أو الأختين زينة ومنة فكهاني!.
يقول رامي عساف وهو باحث في الاقتصاد الرقمي في بريطانيا إن مستخدمي تيك توك من المراهقين تحولوا إلى نجوم لديهم متابعين وداعمين يحبون تقديم الأموال لهم، وتكتمل المأساة بفرحة الأهل ودعمهم لما يرونه نجومية وتألق وما يمنعش طبعا أنه يبقى بالمرة سبوبة!.
في الأسابيع الأخيرة، ظهرت تقارير تشير إلى أن تيك توك هو "برنامج تجسس صيني" وأن التطبيق يسرق البيانات من أجهزة المستخدمين ويرسلها إلى الصين، وقامت ولاية تكساس بمنع إستعمال التطبيق داخل الولاية.
وتبقى فكرة تشغيل محتوى الفيديو القصير بمجرد أن يفتح المستخدم التطبيق، فتنهال عليه مقاطع الفيديو واحدًا تلو الآخر ويضيع المشاهد في بحر مليء بالمرح والتسلية ومحتوى الفيديو الإدماني، ليُصبح العادي جدا الاستمرار في مشاهدة مقاطع الفيديو العشوائية لساعات، ولا أنكر أنني أنا شخصيا قد قمت بعمل تجربة لتقليد أغنية على هذا التطبيق مع أحد الفنانات الصديقات بغرض التعرف على هذا العالم العجيب ومعرفة أبعاده.
الأغرب أنه عندما تسافر إلى أي بلد أوروبي وتفتح هذا التطبيق تنهال عليك فيديوهات إقتصادية وسياسية وترفيهية لكنها دون شك لا تحمل هذا الكم الغير عادي من التفاهة التي تحملها الفيديوهات التي تخرج علينا عبر التطبيق، فهل نحن فقط المعنيين بهذا الهُراء؟ أم أن سوء إستخدام التطبيق هو ما أوصلنا إلى هذا المأزق؟
من التفاهة إلى التحديات القاتلة:
لا يقتصر التيك توك على تقليد الأغنيات ومقاطع الأفلام بل إنتقل التطبيق إلى ممارسة ما يسمى بالتحديات، وهي ببساطة دعوة للشباب لتجربة مجموعة من الألعاب التي تندرج تحت بند التحديات والشجاعة (المزيفة) طبعا!.
ظهرت "لعبة الاختناق" أو "لعبة الإغماء" التي كانت موجودة من قبل لكنها عادت للظهورعلى التيك توك بقوة، وهي التي أودت من قبل بحياة ٨٢ شخصًا بين عامي ١٩٩٥ و٢٠٠٧ في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
يوجه التحدي المستخدمين إلى قطع إمدادات الهواء عن طريق خنق أنفسهم حتى يفقدوا الوعي!. على سبيل المثال وليس الحصر، إختنقت فتاة تبلغ من العمر عشر سنوات في إيطاليا عن طريق الخطأ نفسها بربط حزام حول رقبتها وأعلن الأطباء أنها ماتت دماغيًا.
توفيت أيضا فتاة تبلغ من العمر ١٥ عامًا من أوكلاهوما في عام ٢٠٢٠ بعد تناول جرعة زائدة من حبوب البينادريل لتنتشي وتهلوس من أجل ما يسمى على التيك توك بتحدي بينادريل، كما تم نقل ثلاثة مراهقين في تكساس إلى المستشفى من أجل نفس الشيء.
من المستفيد من هذا الهُراء؟ وما الذي يجعل جهات بعينها تدعم المشاركين بالمال من أجل أن تودي بأرواح وحياة البشر؟
هناك أيضا ما يسمى بغرف المناظرات وهي بمثابة الChat rooms ومحتواها ديني بشكل كبير، إنها ببساطة غرف يتراشق فيها المسلمون والمسيحيون بل واليهود في بعض الأحيان بعبارات ونقاشات لا تمت للأديان ولا لسماحتها بشئ، فالكل يدخل بغرض الإشتباك والتسفيه والسباب بلا أي خلفية دينية ثابتة ولا حقيقية، مجموعة من المتعصبين الذين يدعون الآخرين للمشاركة في معركة كلامية تنتهي عادة بالسُباب!.
غياب الأسرة:
الحقيقة أن الموضوع كبير وشائك ويحتاج إلى مقالات عديدة، لأنني حين قررت أن أكتب لم تكن الفكرة مجرد موضوع حاولت أن أسلط الضوء عليه، بل كان الأمر بمثابة صرخة أو جرس إنذار ومحاولة في نهاية العام لأن أكتب عن موضوع أرهق الرأي العام ويحتاج إلى وقفة وقرار.
في العام الماضي تم القبض على بعض ممن يستعملون التطبيق بغرض الربح بإستخدام السياسة أو الجنس، والنتيجة كانت سجنهم!.
هكذا أصبح لزاما على كل بيت مصري وعلى كل أب وأم أن يتدخلا وبقوة في حياة أبنائهم بالتسلل بهدوء إلى تفاصيل ما يفعلونه على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنتشالهم في التوقيت المناسب قبل الوقوع في هوة الإدمان أو الدعارة أو كلاهما.
الصمت الأبوي وغض البصر كارثة حقيقية، فلماذا لا يستطيع الأهل فرض سطوتهم على الأبناء؟ وهل حجج مثل الديمقراطية والحرية سبب كافي للصمت!..أم أن الأهل ليسوا في الحقيقة مهتمين، لأن لديهم ما يشغلهم من خطط لجمع المال والسفر والخروجات والأصدقاء، لدرجة جعلتهم لا يأبهون؟!.
كلمة أخيرة..إنتبهوا أيها السادة، أبنائكم في خطر!.