د. محمود جلال يكتب: الابتكار في كينيا من منظور مؤشر الابتكار العالمي (ج3)
مستقبل تمويل الابتكار في كينيا
تقوم حكومات دول العالم المختلفة بدورها التاريخي في تمويل الابتكار ببلادها لدعم النمو الاقتصادي والرخاء للمواطنين وذلك من خلال دعم البحث العلمي، وبناء الجامعات والمراكز البحثية، وإقرار القوانين الداعمة والمحفزة للابتكار، وتقديم الحوافز المالية للأنشطة الابتكارية، والمعاونة في نقل التكنولوجيا، وحماية حقوق الملكية الفكرية.
وبالمثل في كينيا، حيث تقوم الحكومة من خلال مجلس تمويل الجامعات والصندوق الوطني للبحوث وكيانات أخرى بتمويل البحوث والابتكار في الجامعات الحكومية والمراكز البحثية، مثل معاهد البحوث الطبية والزراعية والصناعية، كما تقدم حوافز ضريبية للمبتكرين والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتمويل معهد كينيا للملكية الصناعية المختص بحماية حقوق الملكية الفكرية في كينيا والتابع لوزارة الصناعة والتجارة وتنمية المشروعات، وبالرغم من ذلك نجد أن حجم التمويل للبحوث والتطوير بها يصل فقط إلى 0.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي والذي يعتمد بشكل كبير على التمويل من القطاع الخاص ومنها مجموعة إيكويتي، وتسعى هذه الدولة الناشئة إلى الوصول إلى حجم التمويل كما بالدول الرائدة في ذلك مثل إسرائيل التي يصل حجم التمويل بها إلى 4.8٪ أو كوريا الجنوبية التي يصل إلى 4.5٪.
حيث تحتاج كينيا والبلدان الأفريقية الأخرى لتحقيق قفزات في مسار التنمية إلى تمويل ثورة تكنولوجية زراعية في قارة يعمل بها 80% من الأيدي العاملة في النشاط الزراعي، وتمويل الصناعة حتى تتمكن من رفع كفاءة التصنيع وتقديم الابتكارات التي تساعد على تطور الأعمال وجعل إفريقيا مركز التصنيع للعالم بدلا من اعتمادها حاليًا على تصدير السلع الأولية، خاصة مع انخفاض أجور العاملين في إفريقيا وأن الشباب يشكل أكثر من 60% من السكان مما يعطي القارة ميزة تنافسية عالميًا.
وللمساعدة في هذا التحول فقد أولت كينيا في السنوات الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بإنشاء حاضنات الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومنها Nailab، وiHub، وiLab لمساعدة أصحاب الابتكارات في هذا المجال بالتجهيزات والإرشادات والتمويل لكامل دورة الابتكار،
ليس ذلك فقط بل قامت كينيا ضمن خطتها للتنمية الوطنية "رؤية كينيا 2030" بإطلاق مركز تكنولوجي كبير باسم مدينة كونزا للتكنولوجيا والتي سميت " Silicon Savannah" تشبهًا بوادي السيليكون في كاليفورنيا، وإنشاء شركات التكنولوجيا المالية الجديدة من خلال مركز نيروبي المالي الدولي المختص بجمع الأموال للمشروعات وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ويساعد في ذلك أيضًا توافر خدمات تكنولوجيا وبرامج الهاتف المحمول والإنترنت مثل التجارة الإلكترونية والتي يمكنها تشغيل جميع مراحل تنفيذ الأعمال، من التواصل مع الموردين وشراء البضائع، إلى عمليات التوزيع والتخزين، إلى مبيعات وخدمة العملاء. خاصة في ظل بلوغ عدد اشتراكات الهاتف المحمول في كينيا 49.5 مليون اشتراك في عام 2018 بما يساوى 96٪ من السكان ووصول العديد منهم إلى الإنترنت من الهاتف المحمول.
كما تعاون مجموعة إيكويتي الدولة في دعم تمويل الابتكار من خلال سد العجز المالي للحكومة بقيامها بشراء أذون خزانة بقيمة 1.72 مليار دولار ودفعها ضرائب بقيمة بلغت 89 مليون دولار في ديسمبر 2019، كما تسعى دائما مجموعة إيكويتي على أن يكون لها دورٌ بارزٌ في معالجة فجوة تمويل تطوير القطاع الصناعي في كينيا.
وتعتبر مجموعة إيكويتي أحد الرواد في مجال ابتكارات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول، كما أنها تقوم بتمويل السلسلة المكملة لهذه الابتكارات سواء داخل المجموعة أو خارجها بشركات الاتصالات وشركات التكنولوجيا المالية، ومنتظر في المستقبل قيامها بتمويل ابتكارات تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة مثل الحوسبة السحابية والكمية والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وإنترنت الأشياء (IoT).
وتسعى المجموعة إلى تكرار نجاح ابتكارات الشمول المالي وتمويل الابتكار في الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في كينيا بالوصول أيضا إلى أكثر من 100 مليون فرد وشركة في 15 دولة أفريقية بحلول عام 2024.
ومن المخطط أيضا قيام شركة خدمات التكنولوجيا المالية Finserve التابعة للمجموعة بإنشاء صندوقٍ للاستثمار في الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي تقدم حلولًا للمشكلات الملحة في إفريقيا، الأمر الذي يستلزم منها اتخاذ الملكية الفكرية كضمان للتمويل.
وكذلك قيام المجموعة مستقبلًا بإطلاق صناديق لرأس المال الاستثماري والتمويل بحصص رأس مال خاصة للاستثمار في رأس مال الشركات الابتكارية متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
وكل هذه الخطوات ستساعد على نمو الابتكار وريادة الاعمال وإنتاج الثروة وخلق فرص العمل، ووصول الشركات المحلية إلى العالمية لتصبح شركات متعددة الجنسيات، حتى تمكن إفريقيا كلها من الانتفاع بمواردها الوفيرة وتحقيق مستقبل مشرق.
توصيات لتعزيز جهود دعم وتمويل الابتكار في كينيا والدول النامية
على الرغم من حجم التمويل الذي قدمته مجموعة إيكويتي طوال تاريخها إلا إنه ا تدرك أنه لا يزال هناك حاجه كبيرة لمزيد من تمويل الابتكار في كينيا، والتي تستلزم تعميق جهود تمويل الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة (MSMEs) التي أسسها رواد الأعمال والمبدعون. وأيضا بناء قدراتهم حتى يتمكنوا من تسويق ابتكارتهم وتحقيق الدخل منها وإدارة أعمالهم بشكل أفضل من خلال تعليمهم مهارات ريادة الأعمال وأفضل الممارسات التجارية لمساعدتهم على الاستمرار إلى ما بعد عامهم الخامس من التأسيس.
كما يعد تمويل الابتكار بالشركات من خلال الأرباح المحتجزة أمرًا أساسيًا لتطبيق التكنولوجيات الحديثة، وبناء ثقافة الابتكار المتسلسل وريادة الأعمال، وعمليات الدمج والاستحواذ على الشركات لتحقيق الريادة والهيمنة عالميًا.
كما أن دور الحكومة أساسيٌّ في تحسين ظروف الأعمال وتمويل ابتكارات الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وضمان عمليات التمويل، من أجل خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي المستدام وتحقيق القدرة التنافسية العالمية، الأمر الذي يعتبر مفتاحًا لتحفيز نظام بيئي حيوي لريادة الأعمال والابتكار يمكن للبنوك تمويله.
وأيضا تطوير البنية التحتية المالية التي تحقق توافر المعلومات الائتمانية عن المقترضين من حجم التزاماتهم المالية ومدى انتظامهم في دفعها، حيث تُمَكِّنُ المعلومات الائتمانية المقرضين من تقييم الجدارة الائتمانية والقدرة على سداد القرض، وتحديد معدل الفائدة وشروط القرض الأخرى على أساس المخاطر المتوقعة المختلفة للمقترضين كما هو موضح في تصنيفهم الائتماني، وكذلك تجنب منح القروض للأفراد ذوي المخاطر العالية، وتشجيع البنوك على تقديم القروض للمستحقين.
ويوجد في كينيا ثلاثة مكاتب مرجعية للائتمان لهذا الغرض ساعدت في تأمين مخاطر تمويل ابتكارات الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة حتى في الاقتصاد غير الرسمي عالي المخاطر أو الأنشطة الزراعية المعرضة للمخاطر المناخية.
هذا وتحتاج الدول النامية إلى إقامة نظام بيئي داعم للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة يقوم ببناء قدرات رواد الأعمال والمبتكرين وذلك من خلال تطبيق سياسات واستراتيجيات وطنية لريادة الأعمال وتتضمن هذه السياسات اللوائح المنظمة، وتعليم ريادة الأعمال، وتنمية المهارات، ونقل التكنولوجيا والابتكارات، ووصول المبتكرين إلى تمويل من قروض ورأس المال الاستثماري ومنح حكومية، وإقامة شبكات للتواصل بينهم، ورفع المعرفة المالية لديهم حتى يتمكنوا من فهم والاستفادة من الأدوات المالية المختلفة وبالتالي تعزيز الشمول المالي.
أيضا حتى تتمكن الدول في الريادة في الاقتصاد الرقمي تحتاج الحكومات إلى تقديم إعفاءات ضريبية وقروض للشركات التي تقوم بأعمال البحوث والتطوير بالجامعات والمراكز البحثية الأمر الذي سيحفز تطوير التجمعات الصناعية، وتبني الشركات للتكنولوجيات الحديثة مثل الجيل الخامس من التكنولوجيا اللاسلكية (5G)، كما يجب عليها حماية حقوق الملكية الفكرية، وتمويل الشركات الناشئة المبتكرة في مراحلها المبكرة من خلال رأس المال الاستثماري، وقيامها بشراء التكنولوجيات والابتكارات الجديدة التي تنتجها هذه الشركات الناشئة وتسهيل وصولها للاسواق، فعلى سبيل المثال السياسات المالية المحفزة في ألمانيا أدت إلى أن يبلغ تمويل البحوث والتطوير من خلال القطاع الخاص 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي بما يعادل 62.4 مليار يورو في عام 2015.
وللحديث بقية.