في ذكراه.. «الأنبا رويس» من بائع ملح لصاحب أشهر كاتدرائية في الشرق الأوسط
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذكرى القديس الأنبا رويس، وعلى أثر الاحتفالات أطلق الباحث ماجد كامل عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنسي دراسة عنه وعن دير الأثري المعروف بدير الخندق بالعباسية، حملت شعار بائع الملح البسيط الذي صار صاحب أشهر كاتدرائية في الشرق الأوسط.
وقال خلالها: تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 21 بابة من الشهر القبطي الموافق 31 أكتوبر من الشهر الميلادي؛ بعيد نياحة القديس العظيم الأنبا رويس؛ حيث احتل هذا القديس مكانة هامة في قلوب الاقباط على الرغم من أنه لم يكن راهبا ولا أسقفا ولا حتى رجل متعلم؛ وانما مجرد بائع ملح بسيط علي جمل؛ ولقد أزدادت هذه المكانة كثيرا بعد أن تحولت كنيسته وقبره الأثري إلي المقر الرسمي للكرسي البابوي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
أما عن الانبا رويس نفسه فهو ولد بقرية منين من قري العربية من أب فلاح بسيط؛ وتسمي بأسم فريج؛ تربي تربية خشنة بسبب فقر العائلة الشديد؛ فأضطر أن يشتغل في بيع الملح منذ طفولته علي جمل صغير؛ ولقد أرتبط بصداقة قوية مع هذا الجمل؛ فكان دائما ما يطيعه الجمل ويطأطيء برأسه الصغير أمامه عندما يطلب منه فريج أي طلب؛ ولهذا السبب كان يسميه رويس "تصغير كلة رأس" ومن شدة تواضعه سمي فريج نفسه بأسم جمله؛ وبالرغم من فقره الشديد؛ فلقد شب علي حب الكنيسة والمداومة علي حضور الصلوات والقداسات حتي بلغ في القداسة درجة كببيرة؛ وخرج فريج من قريته وتوجه إلي القاهرة؛ وظل ينتقل من بلد لبلد كلما ذاعت فضائله وسمع عنه أهل المدينة؛ فتوجه إلي الصعيد حتي وصل إلي مدينة قوص؛ وفي الصعيد وبينما هو يفتقد أحدي العائلات؛ سألوه عن أسمه؛ فأجاب "أسمي تيجي " ومن هنا أشتهر القديس الانبا رويس بثلاثة أسماء؛ الأسم الأول "فريج" وهو أسمه في الميلاد؛ الأسم الثاني "رويس " وهو أسم جمله؛ أما الأسم الثالث والأخير فهو "تيجي ".
واجتذبت سيرته وقداسته العديد من الناس فكانوا يتجمعون حوله ليلتمسون بركته؛ وحدث أن أتقدت نيران الاضطهاد في عهد الأمير سودون؛ فقبض على الأنبا رويس، أقتيد إلى الأمير فسأله عن حياته وأعماله؛ فلم يجبه بكلمة؛ فأستشاط الأمير غضبا وأمر أن يطوفوا به في الشوارع وهم يستهزئون به ويضربونه ويبصقون عليه وويشدون شعر رأسه ولحيته؛ ورغم هذا كله فقد ظل علي صمته ولم ينطق بكلمة واحدة. ثم سكن بعد ذلك في المنطقة المعروفة بدير الخندق؛ وألتف العديد من تلاميذه حوله يلتمسون بركاته وصلواته.
ومن الموسوعات الحديثة التي ظهرت وكتبت عن الدير؛ هي موسوعة "الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " للدكتور جودت جبرة؛ جيرارد ي.م. فان لورين؛ كارولين لودفيج؛ ترجمة أمل راغب؛ وقد صدر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم " 1844 " حيث قال عنه " يقع أهم مركز قبطي معاصر بشارع رمسيس بمنطقة العباسية؛ ويعرف ب "الأنبا رويس " والمركز عبارة عن مجمع قبطي من المباني محاطا بسور يضم الكاتدرائية؛ مزار القديس مرقس وكنيسة الأنبا رويس "والمقر البابوي القبطي الآرثوذكسي؛ والكلية الإكليركية؛ والمعهد العالي للدراسات القبطية؛ والمركز الثقافي الجديد؛ والمكتبة؛ وعدد من المكاتب الأسقفيةوالبطريركية.
وكان أحد الأديرة (دير الخندق) قد تأسس في هذا المكان عام 970م؛ علي مساحة شاسعة وضم الدير مقابر ذكرها المقريزي (توفي عام 1442م) في كتاباته.
وفي بداية القرن الثالث عشر؛ ذكر كل من القس القبطي "أبو المكارم " و"المؤرخ أبو صالح الأرمني " أن الدير يضم ثماني كائس؛ تحولت واحدة منها؛ وهي كنيسة مارجرجس؛ فيما بعد؛ إلي كنيسة "الأنبا رويس " ويصف الكنيسة أن قبابها علي شكل خلايا النحل؛ وتشترك الهياكل الثلاثة في حجاب خشبي واحد.ويعلو باب الهيكل الأوسط صليب كبير علي جانبه الغربي مشهد "الصلب" وعلي جانبه الشرقي صورة "القيامة".
والصليب محاط بأيقونتي القديس "يوحنا الحبيب " والقديسة "مريم المجدلية؛ ويعلو حجاب الهيكل أيقونات الأثني عشر تلميذا؛ ورئيس الملائكة "ميخائيل " والقديس "أبولي "؛ والهيكل الجنوبي عبارة عن مزار. ويؤدي إلي سلم مكون من ثماني درجات؛ من الهيكل الشمالي إلي سرداب ومدفن "الأنبا رويس " وتلميذه ورفيقه القديس "سليمان " والسرداب به أيضا مدافن البطاركة " متاؤس الأول " (1378- 1409 م) و"يؤانس الحادي عشر (1427- 1452 م) و"متاؤس الثاني " (1425- 1465 م) و"غبريال السادس "(1466- 1475 م).
أما آخر مصدر كتب عن الدير فهو كتاب "المسيحية القبطية في ألفي عام" للمورخ الألماني أوتو مينارديس (1925- 2005) ترجمة مجدي جرجس حيث قال عنه من ضمن ما قال".
ويوجد نقش باللغة العربية علي التابوت؛ يقرأ "هنا يرقد في الرب القديس الكامل أنبا فريج؛ والمعروف بالأنبا رويس؛ استراح في يوم الجمعة الحادي والعشرين من بابة عام 1121 للشهداء الموافق الثامن عشر من أكتوبر 1404م " وتم دن البطاركة التاليين بمقبرة الكنيسة: - البابا متاؤس الأول البطريرك السابع والثمانين (1378- 1404 م)؛ البابا يؤانس الحادي عشر البطريرك التاسع والثمانين (1427- 1452 م)، البابا متاؤس الثاني البطريرك التسعين (1453- 1465 م) والبابا غبريال السادس البطريرك الحادي والتسعين (1466- 1474 م).
أما عن الأصل التاريخي لهذا الدير وهذه الأرض؛ فلقد كان للأقباط أيام أن بني جوهر الصقلي مدينة القاهرة عام 969م دير يعرف بدير العظام أو دير العظمة؛ وكان يضم أجساد بعض القديسين؛ فلما أراد جوهر الصقلي بناء مدينته أدخل هذا الدير ضمن تخطيط المدينة؛ وأعطي الأقباط عوضا عنه الأرض التي صارت تعرف بدير الخندق؛ وبعد مرور ثلاثة قرون علي هذه الهبة وصف أبو المكارم منطقة دير الخندق أنها كانت تحتوي علي عشر كنائس أكبرها كنيسة القديس جاورجيوس "أو مارجرجس"؛ وظلت هذه الكنائس قرنا أو يزيد إلي أن هدمت ضمن ماهدم من الكنائس والأديرة في عصر الناصر قلاوون؛ وكان ذلك نحو عام 1341م تقريبا.
عاود حبيب باشا المصر تقديم مذكرة جديدة عام 1943 لرئيس مجلس الوزراء؛ فجاء رد الحكومة الاعتراف بملكية الأقباط لنصف الأرض وتأجير النصف الثاني لهم بإيجار رمزي لها قيمته جنيه في السنة ولمدة تسعة وتسعين سنة علي أن يستغلها الأقباط للخدمة العامة وليس للتجارة ولا للاستثمار؛ وبعدها تترك لهم نهائيا. فسارعت البطريركية إلي نقل مبني الكلية الإكليركية من مهمشة إلى أرض الأنبا رويس خلال عام 1953، كما قرر المجلس الملي بناء معهد للدراسات القبطية على هذه الأرض، وفي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فاتح قداسة البابا كيرلس السادس الرئيس الراحل برغبة الكنيسة في بناء كاتدرائية كبري تليق باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على هذه الأرض، فوافق الرئيس الراحل، وتبرع بمبلغ كبير لبناء هذه الكاتدرائية.
وتم وضع حجر الأساس لها في 24 يولية 1965؛ وأفتتحت رسميا في 24 يونية 1968 مع احتفالات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمرور 1900 سنة علي استشهاد القديس مامرقس الرسول. وأصبحت الأرض بل والمنطقة كلها تعرف بأسم منطقة الأنبا رويس.
وهكذا أصبح بائع الملح البسيط صاحب أشهر كاتدرائية في الشرق الأوسط.