عادل حمودة يكتب: cop 27 قمة إنقاذ العالم من الجوع والتلوث والسرطان
تنتشر الزهور متعددة الألوان فى شوارع «شرم الشيخ». تبعث شعورا بالروعة والبهجة يهدئ الأعصاب. غالبا لن تجده فى مدينة أخرى.
تتحول المدينة الساحلية المحروسة بالجبال إلى مدينة «خضراء»، بعد زراعة مئات من أشجار النخيل، حتى تثبت لضيوف مؤتمر المناخ الذى سيعقد فى الشهر القادم أنها على قدر القضية الصعبة التى تتبناها الأمم المتحدة منذ قمة الأرض فى ريو دى جانيرو عام ١٩٩٢.
الفنادق ومراكز الغوص والمطاعم سعت جاهدة للحصول على النجمة الخضراء بالتحول نحو الطاقة الشمسية النظيفة، وأصبحت جميع أتوبيسات المدينة تعمل بالكهرباء، وتم تجديد جميع المقار التي ستشهد استضافة حكام دول العالم.
وقعت مصر على اتفاقية الدولة المضيفة فى يناير الماضى وبدأت مع الوفود الزائرة من المنظمة الدولية فى مناقشة أدق التفاصيل. جاء وفد فى شهر مارس ووفد آخر فى يوليو.
سيشارك فى المؤتمر نحو ٤٠ ألف شخص يمثلون حكومات ومؤسسات خاصة ومنظمات أهلية مهتمة بقضية المناخ وسيكون لها الحق فى التعبير عن آرائها علنا حسب ما صرح وزير الخارجية سامح شكرى.
المؤتمر يحمل رقم (٢٧) أو (كوب ٢٧) ويمثل القارة الإفريقية التى تخسر مئات المليارات من الدولارات بسبب الجفاف والتلوث ونقص الغذاء والمياه الصالحة للحياة وفى الوقت نفسه لا تستطيع الضغط على الدول الغنية لإجبارها على تقديم المساعدات التى أقرت فى مؤتمرات سابقة (خاصة مؤتمر باريس) وحددت قيمتها بنحو عشرة مليارات دولار سنويا على أن يعاد النظر فيها بعد خمس سنوات لكن لا أحد سدد ما عليه كما أن الإجراءات المعقدة للحصول على منح من صناديق المناخ حرمت الدول الفقيرة منها.
شكلت مصر ثلاث لجان (فنية وسياسية ولوجستية) لنجاح المؤتمر.
تتابع اللجنة الفنية تنفيذ خطط التنظيم.
وتتابع اللجنة السياسية مفاوضات ما بعد مؤتمر المناخ الأخير الذى عقد فى جلاسكو.
أما اللجنة اللوجستية فتضم ممثلين عن ٢١ وزارة مهمتهم سد الثغرات الصغيرة قبل الكبيرة.
ستكون مصر صوت الدول النامية فى المؤتمر بمبادرات ستعلن عنها فى اليوم المخصص للطاقة واليوم المخصص للمياه واليوم المخصص للمرأة واليوم المخصص للمجتمع المدنى كما عبرت وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد لبرنامج «بتوقيت مصر» على فضائية «بى بى سى».
تؤكد الوزيرة التى تتعرض إلى أصعب اختبار على أن متابعة تعهدات الدول الكبرى للدول النامية والتحول نحو الاقتصاد الأخضر أهم ما سيركز عليه المؤتمر.
فى أول مايو عقد اجتماع فى كوبنهاجن بالاشتراك مع بريطانيا لمناقشة المساعدات والتعهدات وشكلت لجنة مصرية أمريكية لبحث القضية نفسها.
ستزيد أزمة الغذاء من أهمية المؤتمر. تضع الأزمة ٥٠٠ مليون شخص على حافة المجاعة وترفع عدد العاجزين عن ملاحقة ارتفاع أسعار الغذاء إلى ٦٫١ مليار نسمة. ويلعب سوء المناخ دورا مؤثرا فى الأزمة. السيول التى تعرضت لها الصين (المنتج الأول للقمح) خفضت من حجم المحصول. كذلك الجفاف الذى أصاب قطاع القمح الأوسط فى الولايات المتحدة.
المؤكد أن القمة القادمة فى شرم الشيخ ستكون بمثابة الفرصة الأخيرة أمام البشرية لتجنب الجوع والتلوث والسرطان.
لكن ما يثير الحيرة أن المؤتمر الذى نستضيفه لا يجد صدى مناسبًا فى التوعية به وبأهميته على خلاف دول العالم المختلفة التى تدرك أننا أمام قضية حياة أو موت.
يستدير القمر فى السماء مكتملا. تجن النجوم به. تنجذب إليه. تطعمه من حليبها لينير الجبال التى نرتكن إليها والبحيرة الساكنة أمامنا وأشجار الزيتون التى تحرسنا.
مشهد ساحر فرض الصمت على الجميع وأجبر كلًا منا على سكون صوفى كأننا فى صلاة شكر لطبيعة عذراء لا تزال تحافظ على نفسها من مداهمات المدنية.
لم تستغرق الرحلة بالطائرة من القاهرة إلى سيوة أكثر من ٥٥ دقيقة لكن الوصول إلى ذلك المكان الذى لا مثيل له على وجه الدنيا يحتاج إلى ثلاث ساعات أخرى بالسيارات لن ترى خلالها سوى تلال ناعمة وبيوت متواضعة متناثرة ونخيل من نوع مختلف يحمل أنواعا من التمر لا يعرف سره سوى أهله الذين يسخرون من «الفياجرا» وأخواتها.
المكان قرية والقرية شيدها على هواه رجل يجيد تحقيق أحلامه هو منير نعمة الله.
نعمة الله حاصل على الدكتوراه فى «الصحة البيئية» من جامعة «كولومبيا» الأمريكية عام ١٩٧٦. سبق الأمم المتحدة فى الانتباه إلى مخاطر الإساءة للمناخ بارتفاع درجة حرارة الأرض والاحتباس الحرارى وسيطرة البصمة الكربونية على حياة الكوكب الذى ليس لنا غيره. اختار ٧٤ فدانا فى سيوة (على بعد ٨٢٠ كيلومترًا من القاهرة) ليقيم عليها قرية «جعفر» على اسم أحد المشايخ بمواصفات البيئة التى حولها دون جرحها أو مسها بسوء.
منذ ٣٣ قرنا وصل الإسكندر الأكبر إلى مصر غازيا مدعيا أنه ابن «آمون» جاء ليبنى له معبدا فى سيوة. رحب المصريون به. سجدوا له. وفر ٢٠ ألف جندى كانوا سيقتلون لو أعلن نفسه محاربا. سجل لنفسه السبق فى التستر السياسى وراء الدين وفيما انتشرت الخدعة.
على العكس جاء نعمة الله مبشرا بالتنمية المستدامة فى البشر. فى أهل الواحة البعيدة الفقيرة التى تنتظر شحنات طعام حكومية فى المناسبات. أهل الواحة هم من بنوا قرية نعمة الله بالحجارة المتوفرة فى الجبال وعروق الأشجار. لم يستخدموا طلاء أو مادة كيميائية. صنعوا الأثاث من جذوع النخيل. حشوا المراتب من القطن المصرى الخالص.
هم أيضا من يستقبلون السياح وينفذون طلباتهم ولكن فى حدود التعليمات الصارمة للإدارة.
لا كهرباء فى القرية. المشاعل تضئ الطرق والجبال. الشموع فى المطاعم والحجرات. الطعام أورجانيك يأتى من حقول قريبة تحاصرها أشجار الزيتون. والتدخين ممنوع تماما.
من يريد إشعال سيجارة عليه أن يبتعد عشرة كيلومترات؟ وغالبا ما يراجع نفسه مستمتعا بنقاء الهواء وروعة المشهد.
من يريد أن يشحن تليفونه المحمول عليه أن يستقل سيارة حتى أقرب قرية وغالبا لا يجد ما يستدعى ذلك مذكرا نفسه بأن الحياة كانت أقل توترا دون ذلك الجهاز المثير للمتاعب.
وتخلو القرية من أجهزة التكييف تماما. الجو لا يحتاجها. المكان تحت سطح البحر بنحو ٨١ مترا. أما حمام السباحة فعين ماء سميت بالاسم نفسه: «جعفر».
عشت هذه التجربة قبل عشرين سنة حين جئت مع سفراء أجانب تصحبهم وزير التعاون الدولى وقتها فائزة أبو النجا وانضم إلينا الدكتور زاهى حواس لتضيف معلوماته للرحلة قيمة تاريخية.
دخلت غرفتى فلم أجد لها مفتاحا. البيوت فى سيوة بلا مفاتيح. الأمانة مطلقة. لا تخشى على الأشياء الثمينة. لن تمس. لو وجد أحد كنزا أعلن عنه. والشرطة لا تتدخل. القبائل الإحدى عشر تفض النزاعات. وجدت نفسى أستمتع بحياة بسيطة وصحية وأنام بعمق ونسيت فى ساعات عالم الزحام والتوتر والصراع والصدام الذى جئت منه. عالم القاهرة.
لن أنسى تلك التجربة التى أثبتت السبق لمصر فى حراسة الطبيعة.
ولا ينساها مئات السياح الذين يعيشونها ويدفعون فيها الكثير من أموالهم.
لم لا نعد فيلما تسجيليًا عنها بتقنية عالية لنعرضه فى مؤتمر المناخ القادم فى شرم الشيخ ليعرف العالم أن أصحاب الحضارات العريقة هم من سيحافظون على الكوكب.
أقرت وزيرة البيئة فى حوارها مع مراسل بى بى سى حقيقة أن التلوث يصيب الاقتصاد الوطنى بخسائر فادحة لكنها بدت متحفظة على الرقم الذى ذكره البنك الدولى عن مصر وهو ٤٧ مليار جنيه إلا أنها أكدت أن معدلات التلوث تتراجع سنة بعد أخرى بعد تنفيذ استراتيجية المناخ (٢٠/٥٠).
كان مخططا تخفيض التلوث بنسبة (٥ــ٧٪) لكن ما تحقق رفع النسبة إلى (٢٥٪).
وحسب الوزير فإن فلسفة البيئة تغيرت. لم نعد نعاقب أو نغلق المنشأة المخالفة فقط بل أصبحنا نمنحها مميزات إذا ما التزمت بالشروط والأصول.
خفضت الدولة من نسبة الاحتباس الحرارى عندما جهزت مدافن صحية للمخلفات بدلا من حرقها فى الشوارع كما كان يحدث من قبل.
وشجعت الدولة تحول وقود السيارات من البنزين والسولار إلى الغاز وقطعت خطوات جادة لإنتاج السيارة الكهربائية.
وبعد أن كان حرق الأرز يثير سحابة سوداء تسبب كثيرًا من المتاعب فى التنفس نجحنا فى تحويله إلى علف كسب من ورائه الفلاح وكان من قبل عبئا عليه.
لكن لا يزال التحول نحو التصنيع الأخضر يحتاج تكنولوجيا وخبرات لا تزال الدول الكبرى تمنعها عن الدول النامية والأهم أن تكلفتها عالية فى وقت تعانى موازانتها من متاعب التضخم وضعف العملات الوطنية.
على أن قضية المناخ ــ فى الحقيقة ــ لاتزال بعيدة عن شعور غالبية شعوب العالم الثالث بالخطر وهذه قضية أخرى.