د. رشا سمير تكتب: الوجه الآخر لمشروع تطوير الدولة
قرأت مؤخرا في أحد المواقع الإخبارية عن مشروع نقل وإزالة بعض الأماكن العشوائية بالقاهرة القديمة مثل المنطقة المحيطة بسور مجرى العيون ومنطقة المقطم وغيرها، وتجئ تلك الخطوات ضمن خطة لتغيير شكل الدولة المصرية التي إحتلتها الفوضى سواء الأخلاقية أو التراثية طويلا، وتحولت الشوارع في بعض الأماكن التي لم نتصور يوما أنها ستعاني وتتآوه مثل منطقة الزمالك على سبيل المثال وليس الحصر إلى غوغائية وكأنها وقعت تحت إحتلال الهكسوس!.
لا أعلم لماذا جال بخاطري وأنا أقرأ هذه السطور منطقة شارع المعز والصورة التي آلت إليها المنطقة بعد مجهودات مضنية من وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني الذي كان يرى تلك الأماكن التراثية الهامة في مصر بعين الفنان ورؤية الحالم، وقتها إستطاع أن يحول هذه العشوائية إلى صرح حضاري وصورة يفتخر بها كل مصري، يوم قررت أن أكتب عن هذه المنطقة جلست معه واستمعت إليه وأخبرني أن العقبة الأكبر أمامه لم تكن التطوير بل كانت الحفاظ على هذا التطوير بتعليم وتوعية أهالي المنطقة بأهمية المكان ودفعهم للمشاركة الإيجابية في الحفاظ على نظافة الشارع لأنه ملكهم.
هنا قفزت في ذهني أيضا صورة أخرى لحي الأسمرات في طريق المعادي، والتي تحولت من منطقة عشش إلى مكان يليق بالمعيشة لإنسان له حقوق على أرض وطنه، والغريب كيف إستقبل أهالي المنطقة هذا التغيير بفرح في البداية ثم تحول الفرح إلى محاولة إستنكارية للتأقلم ومن ثم عادت الفوضى إلى جنبات الطريق وعادت الوجوه التي تعودت البلطجة إلى ما كانت عليه، حتى أصبح مجرد المرور في تلك الشوارع قصة حزينة!.
سألت نفسي وأنا أستمع إلى أحد مسئولي هذا التطوير وهو يحكي بغضاضة عن كيف تنتهي المجهودات التي تُبذل إلى لا شيء بعد تسليمها إلى المحافظة لإدارتها والحفاظ عليها،
تسائلت:أين إذن المشكلة؟ هل هي أزمة دولة أم أزمة حكومة أم أزمة شعب؟
وكانت الإجابة بلا أي تزويق...إنها أزمة تعليم وأخلاق!.
الواقع الأليم يؤكد أن تقدير الجمال وإحترام تراب الوطن وتقديس ممتلكاته أصله التربية والأخلاق..والتربية والأخلاق منبعهما التعليم.
تعلمنا في الصغر في البيوت حين كانت العائلات تجتمع لتُربي وتُعلم، أن نلتزم ونحترم الآخر..
علمتني أمي أن إلقاء ورقة في الشارع خطأ لا يستهان به، وعلمتني مدرستي أن الوقوف للكبير واجب، وعلمني جهاز التلفزيون أن النضافة والصدق هي عنوان كل الأديان.
هكذا شارك الجميع في التعليم وترسيخ المبادئ..شارك البيت وشاركت المدرسة ووجه الإعلام وأرشدت الدراما..حتى غلاف كراسة المدرسة كان عليه إرشادات وتوجيهات للطالب تبدأ بغسل اليد بالماء والصابون وتنتهي بعدم الكذب..هكذا تعلمت وتعلم جيلي وجيل من سبقونا.
أما اليوم فالتعليم بات مجرد حبر على ورق، درجات يسعى وراها الطلاب وأولياء الأمور دون أن يكون التعليم ذاته هدف..والحل؟
الحل هو التوعية والتعليم والأخلاق..
القطارات..محطات مترو الأنفاق..الحدائق..المدن الجديدة..الأرصفة..الكباري..
كل شيء وقع في قبضة الفوضى والتخريب بلا رحمة..
هكذا تعودنا طويلا أن تبني الدولة وأن نُخرب من ورائها..والحل؟
قادتني قدماي بالمصادفة إلى منطقة الزمالك التعيسة مساء الخميس، وهالني ما رأيت..إنه العدوان الثلاثي بأسلحة الدمار الشامل! قمامة وشباب يقود الباتيناج في وسط الشارع معرضين سائقي السيارات للحوادث، والقمامة في كل مكان..
سألت نفسي: هل يستطيع أي مصري أن يقوم بهذا الفعل في أي دولة أوروبية؟
بالقطع لا..وليس لأن المصري ملتزم أو متعلم خارج حدود الدولة..بل الخوف من القانون هو السبب الحقيقي في الإلتزام المطلق..فلماذا لا نطبق القانون حتى تصبح العادة عبادة؟!.
لن يتم الحفاظ على ما تقوم به الدولة من مجهودات إلا لو أصبح التعليم والتربية هو الهدف الأساسي، لو علمنا أولادنا منذ الصغر أن الشارع هو مظهرهم ودولتهم لسوف يأتي يوم ويخرج جيل مختلف، حين إنهزمت دولة الأخلاق أمام سلوك أجيال لم تتعلم ولم تعرف الفرق بين الصواب والخطأ وحين توارى دور البيت والمدرسة والمجتمع..إنتهى بنا الأمر إلى يد تبني ويد تهدم.
فمتى نتعلم أن الشارع هو عنوان الدولة؟!.