حقائق مبهرة عن "طب العيون والتشريح" بمصر القديمة ومطالبات بدعم "بنك القرنية"
بلغ المصري القديم شأنًا كبيرًا في مجال الطب بشكل عام وضمن ذلك طب العيون، حيث أدرك المصري القديم أهمية العين التي يستخدمها في كل غرض، وفي كل ملاحظة، فاهتم واعتنى بها أشد الاعتناء.
براعة طبية
ومن ناحيته قال بسام الشماع المؤرخ المعروف، في تصريحات إلى الفجر، إن المصرى القديم برع في دراسة العين وأعضاء جسم الإنسان وأطلق تسميات على أعضاء الجسم البشرى تدل على معرفته بعلم التشريح.
وأضاف، تقدم المصري فى علم التحنيط، واستطاع حفظ أجزاء الجسد كي يستخدمها المتوفي في الحياة الأخرى مع الإبقاء على القلب داخل الجثمان وعدم إزالته وهو ما يدلل على معرفته وتقدمه فى علم الطب وبنسبه عالية من معرفة بعض وظائف أعضاء جسم الإنسان.
العين فى مصر القديمة
وصرح الشماع قائلًا، لا أتكلم هنا عن العين القديمة الرمزية أو الطقسية المسماة "وادچيت" أو عين حِر "حورس"، وأيضًا لا عن أسطورة العين فى مصر القديمة أو عين الحماية أو عين الرؤيا المذكورة فى النصوص الدينية أو العيون الموضحة فى الكتابة الهيروغليفية أو عيون حِر "حورس" المستخدمة على هيئة تمائم وكان يتم وضعها على المومياء ولفائفها الكتانية، ولكننا بصدد الحديث عن عين الإنسان الحقيقية.
العين البشرية
والعين عضو من أعضاء جسد الإنسان، وهنا -الكلام للشماع- نورد التفاصيل التي وصل إليها المصري القديم والتشريح العضوى للعين من الناحية الطبية والتشريحية.
طب مصري قديم
وكشف الشماع أنه في كتاب الطب المصري القديم الذي تم إصداره من قبل الجامعة الأمريكية باللغة الإنجليزية وترجمته إصدارات مكتبة الشروق الدولية ترجمة الدكتور عمرو شريف والدكتور وديع، حيث شرح البروفسير "جون نَن" أجزاء ومسميات العين فى مصر القديمة باللغة الهيروغليفية
المصري القديم يشرح العين
وأوضح الشماع نقلًا عن "نن" مسميات أجزاء العين في الهيروغليفية، ومقابلها بالإنجليزية وترجمتها كالتالي:
إيرت irt = عين
چفد = إنسان العين
سا إن إرتى = الرموش
قددو = ملتحمة العين.
إينح = حاجب
وتابع، من عبقريات المصري القديم أنه أطلق مصطلحات محددة ومتخصصة جدًا على الجمجمة تدل على دراسته الراقية لعلم التشريح فقد أطلق
كلمة "باباو نو إيرتى" بالهيروغليفية وتعني التجويف العظمي في الجمجمة التي تستقر بها العين، ونلاحظ هنا أن هذه الكلمة تُشبه بشكل كبير كلمة "بؤبؤ" التي نستخدمها باللغة العربية.
وأشار إلى أنه من المناظر الهامة جدًا التي توضح الأعين البشرية فى مصر القديمة هو منظر في تاريخ علم الطب المتخصص من مقبرة "ايپوى ipwy" وهى المقبرة رقم ٢١٧، وترجع إلى عصر الدولة الحديثة إبان الأسرة الـ٢٠، وهذا المنظر يوضح مجموعة من العمال ينحتون فى مقصورة أو معبد صغير وهو منظر يكتظ بالحركة والنشاط العمالى والعمل بشكل دقيق.
ويظهر فيه عمال متسلقين للأعمدة لإكمال النحت، ولكن وعلى ما يبدو أن أحد العمال دخل بعينه جسم ما "شظية" أثناء النحت وربما يكون من جراء ارتطام اداته بالعمود الذي ينحته.
طبيب طوارئ
وهنا يوضح المنظر وجود طبيب عيون متخصص وقد حضر إلى موقع العمل ومعه صندوق الأدوات الطبية الخاص به، وبالصندوق شيئ يشبه "البؤجة" والتى على الأغلب بها الأدوية أو مراهم ودهانات العين وبجانب هذا الصندوق يوجد مقلمة بها فتحات للحبر ومكان للبوص الذى سيستخدمه الطبيب لكتابة العلاج (الروچته).
ويوضح المنظر الطبيب وهو راكع على ركبتيه ويضع يده على وجه العامل المُصاب ويمسك بيده الأخرى ببوصه طويلة رفيعة يقترب بها من عين العامل المُصاب يحاول أن يزيل الجسم الغريب من داخل عين العامل.
تفصيلات حضارية
وقال الشماع، ويسترعي انتباهنا هنا تفصيلات حضارية رائعة، منها أن العامل مُمسك بيديه العمود ومازال يعمل حتى عندما تمت الإصابة أو خلال علاجه من قِبل الطبيب.
وثانيًا صاحب المقصورة التي يعمل بها هؤلاء العمال أتى بطبيب متخصص لعلاج العامل النشيط وهذا يدل على الاهتمام الطبى الراقي بالعامل المصري القديم بل إنه، منظر يدلل على أن العامل فى مصر القديمة كان يتمتع بنظام تأمين صحي هو الأقدم والأول فى التاريخ منذ آلاف السنين.
مشاهير الطب في مصر القديمة
وعدد الشماع أسماء أشهر الأطباء في مصر القديمة ومنهم، "إيم حِتب" وهو طبيب شهير ومهندس الهرم المدرج بسقارة والصديق المُقرب للملك "چسر" المعروف باسم "زوسر".
طبيب الأسنان المتخصص الشهير "حسى رع" وهو أول وأقدم طبيب موثق بالنصوص
و متخصص فى طب الأسنان.
ثم الطبيب العبقرى "إير إن آختى" والذي له باب طقسي من الحجر يسمى فى علم المصريات باب وهمي، وهو باب مغلق مسدود لا منفذ له وظيفة دينية وطقسية لها علاقة بالمتوفى وعودة الروح إلى الجسد في الحياة الأخرى، وأهمية هذا الباب الوهمي العملية هنا في هذا الصدد أنه يحمل نصوص ومناظر منقوشة لهذا الطبيب هامة جدًا.
وقد درسه العلماء وكتبوا عنه معلومات منها أن الطبيب "إير إن آختى" يرجع إلى عصر الاضمحلال الأول أو كما يسمى العصر الوسيط الأول، وهذا شئ عجيب، لأن فترات الاضمحلال عادة ما تكون بها قلاقل وعدم استقرار سياسي ومع ذلك هنا أفرزت لنا طبيب متخصص عبقرى ونهضة علمية وتقدم في الطب على هذا النحو إنها عبقرية الشخصية المصرية القديمة.
الهيروغليفيات المنقوشة على الباب تظهر لنا التخصصات الطبية التي برع بها هذا الطبيب، وهي تشبه التخصصات الطبية الحالية إلى حدٍ كبير، والتي كانت تُمارس فى البيت الكبير "پر - عا" بمعنى القصر وقد عُثر على هذا الباب فى منطقة الجيزة.
من بين تخصصات الطبيب "إير إن آختى"، ذُكر له 5 مرات لقب "سونو پر عا" بمعنى طبيب البيت الكبير أو طبيب القصر الملكى.
الطبيب "سى حدچ سونو پر عا" بمعنى المُفتش على أطباء القصر الملكي، و"سونو خت پر عا" بمعنى أخصائى أمراض الجهاز الهضمى فى القصر الملكي، و"نيرو ڤيوت" بمعنى أخصائي الشرج، وهو أيضًا "سونو إيرتى پر عا" بمعنى أخصائى طب العيون فى القصر الملكى.
وقال الشماع إن إير إن آختى طبيب رائع وعبقري، ولا يسعنا سوى الانبهار عندما نعلم أنه يرجع بزمنه إلى أكثر من ٤ آلاف عام، وتم اكتشاف هذا الباب الوهمي في الجيزة عام ١٩٢٨م، تم اكتشافه على يد الأثري "چونكر" وهو طبيب غاية في التخصص والتميز من آلاف السنين قبل اليونانيين وقبل "أبوقراط" وقبل "جالينوس".
وتم رصد وتوثيق وكتابة عدد ليس بقليل من أمراض العيون عند المصري القديم على برديات طبية عديدة منها بردية إيبيرس، حيث يعرض الجزء الخاص بالعيون في هذه البردية بعض الأدوية الموصوفة مثلا ضد مرض اسمه "ويخيدو"، ولكن العجيب أن بروفسير "نن" لم يتعرف على مرض الـ "ويخيدو"، حيث يقول النص فى البردية "ما يجب عمله لورم ريدت (الويخيدو) مع ظهور الدماء فى العين (سيا) صبغة معدنية صفراء تحتوى على ثلاثى كبريتيد الزرنيخ من صعيد مصر وعسل و(سى نن وهى كلمة هيروغليفية) و(نى هد) وهى كلمة هيروغليفية.
أما عن كلمة "ريدت" فقد تم ترجمتها على أنها ورم، وقد أشار الأطباء الاجلاء مترجمين كتاب د.نن إلى العربية إلى أن ظهور الدماء فى العين نتيجة للإصابة ولم يعتقدوا ان وجود هذه الدماء نتيجة للإصابة بورم سرطانى فى العين أدى إلى تضخمها لان هذا أمر نادر جدًا، وكثيرًا ما وجدت العيون الاصطناعية فى المومياوات وقد وضعها المحنط المصرى القديم عوضًا عن العيون الطبيعية.
يوجد أكثر من منظر للعيون فى مصر القديمة خاصة منظر متفرد لفنان يعزف على آله الهارب الموسيقية وهو كفيف، وهو مكرر أكثر من مرة فى مناظر ونقوش فى مصر القديمة لعازفي الهارب المكفوفين، وكذا منظر بمقبرة "پا إتن إم حِب" سقارة ترجع لعصر الأسرة الـ ١٨، من عصر الملك أخناتون أو عصر العمارنة بمتحف لايدن يُبين عازف هارب كفيف.
يوجد نص آخر فى مصر القديمة لعلاج تدميع العين وهو بخور يسمى "سى ند جِر" وبخور آخر يسمى "إن تيو" واخر يسمى "تن تن" وبخور "أوكر".
وكان يوجد التداوي بالزيوت والبخور والمراهم والشمع لعلاج أمراض العيون، ويوجد أيضًا التضميد بالوصفات وهو غطاء للعين يوضع عليها لعدد من الأيام حسب الحالة ووصف الطبيب لها، وفي بردية إيبيرس، وهى حالة رقم ٣٣٦، ذكر فى النص أن الطبيب وصف للمريض أن يضع الضمادة على العين لمدة ٤ ايام.
ويوجد مرض "شارو" فى بردية إيبيرس فى الحالة رقم ٣٥١ وهو مرض من أمراض العيون وعلاجه غريب بعض الشيئ وهو عبارة عن شواء كبد الثور يضغط ويوضع فوق العين.
يوجد مرض يسمى "نهت"، وهو مرض من أمراض العيون وعلاجه كان مكون من العصارة المرارية للسلحفاه ورتنج نبات سيستوس.يوضع ذلك على العين وهذا مذكور فى بردية إيبيرس فى حالة رقم ٣٥٠.
ويعالج هذا المرض أيضا بمسحوق اوراق الاكاسيا ومسحوق أوراق الخروب فى حالة رقم ٣٨٠ لبردية إيبيريس.
مس العين الأسود والأحمر والنطرون الأحمر يطحن الجميع ويوضع خارج العين. وهذا علاج للحالة رقم ٤٠٧ من بردية إيبيرس.
ويوجد أيضًا مرض "بيد" ومن وصفاته العلاجية دهان دهن الأوزة ومس العين الأسود ولبن إمرأة وضعت جنينًا ذكرًا ونوع من أنواع الراتنج وتدهن به العينان، وهو حالة مرضية رقم ٣٦٨ من بردية إيبيرس.
وفي حالة مرضية رقم ٣٤٩ فى بردية إيبيريس يوجد ذكر لإصابة بمرض يسمى "تِخن" ووصفتها العلاجية كانت براز مجفف من طفل رضيع وعسل ومرق الخضراوات ويوضع فوق العين.
ويوجد إصابة أخرى لمرض تِخن فى حالة رقم ٣٨١ فى بردية إيبيريس وعلاجها كان شاش مطبوخ وخروب وعسل ويطحن الجميع جيدًا ويوضع كضمادة فوق العين.
وهنا يتساءل المؤرخ بسام الشماع، هل عرف المصري القديم القرنيه أو درسها أو تعلم عن وظيفتها؟ كما رصد وتعلم وكتب وأطلق الاسماء على اجزاء تشريح العين؟
المومياوات لم يتبق فيها قرنية لسهولة اختفاء كرة العين نفسها بعد الوفاة لصعوبة التحنيط من الداخل.
بنك القرنية
وفي ذات السياق طالب المؤرخ بسام الشماع دعم بنك القرنية فى مستشفى القصر العينى بالقاهرة لحاجه الناس اليها، مع الوضع فى الاعتبار انتظار رأى الدين فى موضوع التبرع بالقرنية بعد الوفاة، منتظرين فتوى شيخ الأزهر أحمد الطيب ورأي رئيس الكنيسة تواضروس الثاني، من وجهتي النظر الإسلامية والمسيحية، وتثقيف المجتمع فيما هو صحيح بهذا الصدد.