محاولات عديدة لكبح جماح التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة
هل لاحظت أنك تنفق المزيد من المال لشراء احتياجاتك المعتادة في فترة ما؟ أو أنك لا تتحمل نفقات بعض الأغراض التي كنت تستطيع شراءها من قبل؟ هذا العجز الذي تمر به يعود إلى ارتفاع معدلات التضخم، لأن ارتفاع معدل التضخم يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية مثل الأطعمة والطاقة والنقل والملابس، وهذا يعني ارتفاع تكلفة المعيشة.
فيشير التضخم إلى الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار-أي متوسط أسعار السلع والخدمات المستهلكة- والذي يستمر لفترة زمنية معينة، مع عدم وجود إجماع في الرأي على درجة محددة لارتفاعه، ولا على المدة اللازمة لبقاء هذا المستوى المرتفع.
أما التضخم في حالته المفرطة، فهو يشير إلى الإرتفاع الجامح في معدلات التضخم الذي يرافقه سرعة في تداول النقد بالسوق، وقد يؤدي هذا التضخم المرتفع إلى تقليص القيمة الحقيقية للعملة المحلية، كما حدث في العديد من البلدان مثل لبنان وفنزويلا.
اثر رفع أسعار الفائدة على معدلات التضخم
يرى بعض خبراء الاقتصاد أن أسعار الفائدة الأكثر ارتفاعًا قد تؤدي إلى تقليل الطلب على السلع والخدمات، وهذا سيؤدي بدوره إلى إبطاء النمو الاقتصادي ومن ثم خفض التضخم.
فالهدف من قرار رفع أسعار الفائدة هو تخفيف السيولة النقدية داخل السوق لإبطاء الاستهلاك، وهي أولى الطرق لخفض التضخم في أي اقتصاد، كما أن رفع الفائدة سيؤدي إلى انتقال السيولة إلى البنوك على شكل ودائع يحصل أصحابها على فوائد مرتفعة من البنوك كأداة استثمار، وبهذا ينجح البنك المركزي في سحب السيولة من الأسواق.
وقد تكون هذه الأداة النقدية هي الأبرز لدى كافة البنوك المركزية في محاولاتها للسيطرة على التضخم، لكنها غالبا ما تصيب ونادرا ما تخيب، فنظريا تقول القاعدة: رفع أسعار الفائدة يزيد من عبء القروض الجديدة والقائمة، مما يعني أن عملاء البنوك سيفكرون أكثر من مرة قبل الإقدام على الاقتراض؛ وهذا يعني أن العملاء قد يتخذون قرارًا بتأجيل الإقتراض إلى حين هبوط أسعار الفائدة مجددًا. وقد يتسبب هذا في التراجع عن شراء سلعة أو خدمة ما، أو توسيع مشروع قائم أو فتح آخر جديد، مما يعني أن السيولة النقدية والاستهلاك ستكون أقل.
تأثير رفع أسعار الفائدة على المواطن العادي
قد يكون رفع الفائدة مفيدًا لأصحاب الودائع المصرفية، لكن هذا لا يتحقق بشكل عملي إلا إذا كان معدل التضخم في البلاد أقل من سعر الفائدة، فعندما يتجاوز معدل التضخم سعر الفائدة قد يجعل منها سلبية بالنسبة لأصحاب الودائع، بالإضافة إلى أن رفع أسعار الفائدة يدفع البنوك المركزية لفرض فوائد أعلى على أي بنك يسعى للإقتراض منها، وعادة ماتوصف الودائع المصرفية بأنها وقود العمل المصرفي والاقتصادي في شتى أرجاء العالم؛ حيث تجري إعادة استثمار هذه الودائع في شكل قروض للمستثمرين والشركات والأفراد، لكن مع رفع أسعار الفائدة قد يتراجع الطلب على الإقتراض ويرتفع الطلب على إيداع الأموال، وهذا قد يؤدي إلى رفع تكاليف الإقتراض من البنوك بحيث يضطر المواطن إلى دفع المزيد من المال مقابل الخدمات الحيوية التي يريدها بداية من قروض الاستثمار والسيارات ومرورًا بالقروض العقارية.
تأثير رفع الفائدة الأمريكية على المنظومة الاقتصادية العربية
- يؤدي رفع الفائدة الأمريكية إلى ضعف الطلب على السندات الدولارية العربية، لأن رفعها سيجعل من سندات الخزانة الأميركية أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي في السوق العالمية من نظيرتها العربية.
- صعود سعر صرف الدولار أمام معظم العملات العربية، واحتمال تفاقم معدلات التضخم وارتفاع تكلفة الواردات في الدول العربية بسبب هذا الصعود.
- قد تتجه بعض البنوك المركزية العربية إلى رفع أسعار الفائدة المحلية بهدف تعزيز قدرتها التنافسية على الاستثمار.
- ارتفاع تكلفة الديون العربية، فالدولار المرتفع يزيد من عبء الديون الخارجية.
توقعات بركود اقتصادي عالمي
حذر البنك الدولي في دراسة جديدة له من أن يقع الاقتصاد العالمي في ركود خلال العام المقبل، وأرجع هذا الأمر إلى أن اهتمام البنوك المركزية منصب على زيادة أسعار الفائدة، وإهمال التدابير الإقتصادية الأساسية للحد من التضخم، وأشار إلى أن رفع أسعار الفائدة قد لا يكفي لخفض معدلات التضخم العالمية وأكد على ضرورة تبني الدول الكبرى لمجموعة من التدابير الإقتصادية لحل هذه الأزمة بدلًا من التركيز على رفع أسعار الفائدة، وهذه التدابير تشمل:
- إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد يقوم على قواعد اقتصادية عادلة، ويتجنب خطر السياسات الاقتصادية الحمائية.
- تعزيز شبكات التجارة الدولية، بما في ذلك تخفيف الاختناقات التي تعصف بسلاسل الإمدادات العالمية.
- تخفيف القيود المفروضة على سوق العمل، وتعزيز حجم القوى العاملة، مع تقليص ضغوط الأسعار.
- زيادة الإمدادات العالمية من المواد الغذائية ومنتجات الطاقة.
- تعزيز الإمدادات العالمية من السلع الأولية.
معدلات التضخم وفقًا للبنك المركزي المصري
- ارتفع المعدل السنوي للتضخم العام في يناير 2022 ليسجل 7.3% من 5.9% في ديسمبر 2021، مسجلًا أعلى معدل له منذ أغسطس 2019. وقد جاء المعدل الشهري للتضخم العام لشهر يناير 2022 مدفوعًا بشكل أساسي بالإرتفاع الموسمي في أسعار السلع الغذائية الأساسية خاصة الدواجن والبيض والأرز.
- ارتفع المعدل السنوي للتضخم العام في أغسطس 2022 ليسجل 14.6% مقارنة بمعدل بلغ 13.6% في يوليو 2022، ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية بصفة أساسية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية. وقد سجل التضخم العام معدلًا شهريًا بلغ 0.9% في أغسطس2022، مقارنة بمعدل بلغ 0.1% في أغسطس 2021.
في حين أن المركزي المصري أبقى أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعي 23 يونيو و18 أغسطس الماضيين، وذلك بعد أن رفعها بمقدار 200 نقطة أساس في مايو الماضي، قائلا إنه يسعى لكبح توقعات التضخم بعد أن قفزت الأسعار بأسرع وتيرة في 3 سنوات.