فائدة فقهية (6).. هل تقرأ الحائض القرآن
لا بأس ولا حرج أن تقرأ المرأة وهي حائض أو نفساء ما تيسر من القرآن عن ظهر قلب؛ لأن الأدلة الشرعية دلت على ذلك وقد اختلف العلماء رحمة الله عليهم في هذا:
فمن أهل العلم من قال: إنها لا تقرأ كالجنب واحتجوا بحديث ضعيف رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي أنه قال: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن وهذا الحديث ضعيف عند أهل العلم، لأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة.
لا قياس على الجنب
وبعض أهل العلم قاسها على الجنب قال: كما أن الجنب لا يقرأ فهي كذلك.
لأن عليها حدثا أكبر يوجب الغسل، فهي مثل الجنب.
والجواب عن هذا: أن هذا قياس غير صحيح، لأن حالة الحائض والنفساء غير حالة الجنب، فالحائض والنفساء مدتهما تطول وربما شق عليهما ذلك وربما نسيتا الكثير من حفظهما للقرآن الكريم، أما الجنب فمدته يسيرة متى فرغ من حاجته اغتسل وقرأ، فلا يجوز قياس الحائض والنفساء عليه، والصواب من قولي العلماء: أنه لا حرج على الحائض والنفساء أن تقرأ ما تحفظان من القرآن، ولا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء آية الكرسي عند النوم، ولا حرج أن تقرأ ما تيسر من القرآن في جميع الأوقات عن ظهر قلب، هذا هو الصواب، وهذا هو الأصل، ولهذا أمر النبي عائشة لما حاضت في حجة الوداع قال لها: افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ولم ينهها عن قراءة القرآن.
ومعلوم أن المحرم يقرأ القرآن، فيدل ذلك على أنه لا حرج عليها في قراءته؛ لأنه ﷺ إنما منعها من الطواف؛ لأن الطواف كالصلاة وهي لا تصلي وسكت عن القراءة، فدل ذلك على أنها غير ممنوعة من القراءة، ولو كانت القراءة ممنوعة لبينها لعائشة ولغيرها من النساء في حجة الوداع وفي غير حجة الوداع.
ومعلوم أن كل بيت في الغالب لا يخلو من الحائض والنفساء، فلو كانت لا تقرأ القرآن لبينه للناس بيانا عاما واضحا حتى لا يخفى على أحد.
أما الجنب فإنه لا يقرأ القرآن بالنص ومدته يسيرة متى فرغ تطهر وقرأ فقد كان النبي يذكر الله في كل أحيانه إلا إذا كان جنبا انحبس عن القرآن حتى يغتسل عليه الصلاة والسلام، كما قال علي رضي الله عنه: كان عليه الصلاة والسلام لا يحجبه شيء عن القرآن سوى الجنابة.
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ بعدما خرج من محل الحاجة، فقد قرأ وقال: هذا لمن ليس جنبا أما الجنب فلا ولا آية فدل ذلك على أن الجنب لا يقرأ حتى يغتسل.
وقال البخاري وابن جرير الطبري وابن المنذر: هو جائز، وحكي عن مالك وعن الشافعي في القول القديم حكاه عنهما في "فتح الباري" وذكر البخاري تعليقًا عن إبراهيم النخعي: لا بأس أن تقرأ الآية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": “ ليس في منعها من القرآن سنة أصلًا، فإن قوله: ( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن ) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث. وقد كان النساء يحضن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة، لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلمه أمهات المؤمنين وكان ذلك مما ينقلونه في الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهيًا لم يجز أن تجعل حرامًا، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم”.