الحمام الأثري في قنا
خبير أثري وقانوني: شطب الحمام العثماني الأثري بقنا مخالف للقانون
يعتبر موضوع شطب الاثار من أخطر الموضوعات التي نظمها قانون حماية الآثار ووضع لها الإجراءات التي تجعل الشطب لا يعد إهدارا للثروة العقارية التراثية، وفي الآونة الأخيرة نشرت الوقائع المصرية أحد قرارات الشطب التي تخص حمامًا عثمانيًا في مدينة قنا، بعدما سُجّل كأثر تحت رقم 332 لسنة 2002م.
موقف الوزراة
وقال الدكتور محمد عطية هواش، مدرس الترميم، بآثار القاهرة، وباحث دكتوراه بالقانون الدولي الخاص إن الوزارة دافعت عن موقفها في مذكرة إيضاحية مرفقة بالقرار، إذ قالت إن المادة 14 من قانون حماية الآثار تتيح شطب الأثر العقاري أو جزء منه، إذا ما فقد خصائصه الأثرية، وذلك بقرار من الوزير بعد اقتراح من مجلس الإدارة وموافقة اللجنة المختصة.
وتابع هواش في تصريحات خاصة إلى الفجر، إن حالة الحمام كنموذج للآثار المشطوبة نجد أن أول المبررات القانونية للشطب هو قرارا الشطب ذاته المنشور في الوقائع المصرية القرار رقم 77 لسنة 2021 العدد 115، 24 مايو 2022.
وأوضح هواش أن هذا القرار اخذ صفة القانون إلا أنه أسس على أساس من القانون وهي المادة 14 من قانون حماية الاثار 117 لسنة 1983 إضافة إلى المبرر الفني وهي التقارير الفنية التي توضح حالة الحفظ واصالة العناصر في الاثر موضوع الشطب.
الأساس القانونية
والأساس القانوني هنا المادة (14) من قانون حماية الاثار 117 لسنة 1983 والمعدلة بالقانون 91 لسنة 2018 والتي نصها “يجوز شطب تسجيل الأثر العقاري أو جزء منه، بقرار من الوزير بناء على اقتراح مجلس الإدارة وبعد موافقة اللجنة المختصة، وينشر قرار الشطب في الوقائع المصرية، ويبلغ إلى الأفراد والجهات التي أبلغت بتسجيله من قبل، ويثبت ذلك على هامش تسجيل الأثر بالمجلس وعلى هامشتسجيل العقار في مصلحة الشهر العقاري”.
فكرة الشطب
ويتضح من المادة السابقة أنها لم تذكر أسباب الشطب والتي ذكرت باللائحة التنفيذية رقم 712 لسنة 2010 ونصت على أن "يشطب الأثر العقاري إذا ما فقد خصائصه الاثرية بالكامل وفقا لما تقرره اللجان الفنية المختصة ويكون شطب تسجيل الاثر الثابت أو جزء منه بقرار من الوزير بناء علي اقتراح مجلس الادارة ويتعين في جميع الاحوال اخذ رأي اللجنة الدائمة المختصة.
ثانيا المبرر الفني
أضاف هواش أن المبرر الثاني هو أن تُشكل لجنة لمعاينة وإعطاء تقرير عن حالة الأثر موضوع الشطب وهذه اللجنة من الممكن أن تشكل لجان فرعية للوقوف علي الحالة الإنشائية للمبني وإلى أي مدى فقد المبني عناصره، أي أن التوصية بالشطب تكون في حالة ما إذا فقد المبني خصائصه الاثرية بالكامل.
أنواع المسئولية
وقال هواش إن عمليات تسجيل الآثار العقارية خاصة المملوكة لاشخاص تتم بسلاسة طبقا لقانون حماية الاثار 117 لسنة 1983 ويمكن شطب هذه الاثار طبقا لذات القانون بعد استيفاء المبررات الفنية والقانونية، وعلى الرغم من ذلك يحدث يوميا أن يتم تسجيل مباني واعتبارها اثرية ثم شطبها، دونما التعرض لانواع المسئولية التي التي تقع على عاتق الجهة الادارية وهي وزارة السياحة والاثار.
المسئولية أثناء التسجيل
أشار هواش إلى أن قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 نظم عمليات التسجيل للاثار في المادة 12 والتي نصت علي التالي "يتم تسجيل الآثار العقارية بقرار من الوزير بناء علم اقتراح مجلس الادارة وبعد موافقة اللجنة المختصة، ويعلن القرار الصادر بتسجيل الأثر العقاري إلى مالكة أو المكلفباسمه بالطريق الإداري وينشر في الوقائع المصرية، ويؤشر علي هامش تسجيل العقار في الشهر العقاري، ومما سبق يتبين ان مالك الاثر طبقا للقانون لا يزال مالكا ويجب علي وزارة السياحة والاثار اخطار المالك بذلك.
هل تاثرت ملكية مالك العقار
للإجابة علي هذا التساؤل -والكلام لهواش- نستعرض المادة 13 من قانون حماية الآثار والتي جاءت كالتالي "مع عدم الاخلال بحق مالك الاثر في التعويض العادل يترتب على تسجيل الاثر العقاري وإعلان المالك بذلك طبقًا لأحكام المادة السابقة كالتالي:
1- عدم جواز هدم العقار كله أو بعضه أو إخراج جزء منه من جمهورية مصر العربية.
2- عدم جواز نزع ملكية الارض أو العقار أو الحرم لصالح اي جهة عدا المجلس وذلك بعد موافقة الوزير بناء علي اقتراح مجلس الادارة وبعدموافقة اللجنة المختصة.
3- عدم جواز ترتيب اي حق ارتفاق للغير علي العقار.
4- عدم جواز تجديد العقار أو تغيير معالمه على أي وجه إلا بترخيص من رئيس المجلس بعد موافقة اللجنة الدائمة المختصة، ويكون اجراءالاعمال التي رخص بها تحت الاشراف المباشر لمندوب المجلس فإذا اجري صاحب الشأن عملا من الاعمال بغير الترخيص المشار اليه، قام المجلس بإعادة الحال إلى ما كانت عليه علي نفقة المخالف مع عدم الاخلال بالحق في التعويض، وعدم الاخلال بالعقوبات المقررة في هذاالقانون.
5- التزام المالك بالحصول علي موافقة كتابية عن كل تصرف يرد علي العقار، مع ذكر اسم المتصرف اليه ومحل اقامته، وعليه عند التصرففيه ابلاغ من حصل التصرف له ان العقار مسجل، وعلي المجلس ان يبدي رأيه خلال ثلاثين يوما من تاريخ ابلاغه بطلب التصرف، ويعتبرانقضاء هذا الميعاد بغير رد بمثابة قرار بالرفض.
6- للمجلس أن يباشر في أي وقت على نفقته ما يراه من الأعمال لازما لصيانة الاثر وتظل هذه الاحكام سارية ولو أصبح ما بالعقار منقولا.
والمادة سالفة الذكر توضح كيفية التعامل مع الأثر العقاري المملوك لشخص حيث إن حق الملكية تم انتزاعه حيث إن الملكية تضمن للمالك جميع سبب التصرف على العقار، فنجد أن المادة 13 من قانون حماية الاثار سلبت المالك ملكيته ونقلتها للمجلس الاعلى للآثار خاصة التصرف التي تميز الملكية عن غيرها من الحقوق العينية ونجد هنا أيضًا افتئات صارخ على فكرة الملكية حيث إن حق الملكية حق مانع فنجد أن تلك الفكرة موجهة للغير (اي غير المالك) لكن هنا بنص المادة 13 أصبحت تلك الفكرة موجهة للمالك ذاته مقوضة فكرة الملكية.
تقويض حق الملكية
وتابع هواش، هنا المشرع تنبه جيدًا لفكرة إنه قوض حق الملكية لأصحاب العقار المسجل اثرا ولذا بدأ المادة 13 بعبارة مع عدم الاخلال بحق مالك الاثر في التعويض العادل وهنا يظهر الحق المدني المترتب للمالك في جانب المجلس الاعلي للاثار وهو الحق في التعويض وهنا اصبحت وزارة السياحة والاثار ممثلة في المجلس الاعلي للاثار مسؤولة مسؤولية مدنية وهذه المسؤولية ليست بسبب الخطأ والضرر فالضرر هنا ليس نتاجًا عن خطأ بل نتج عن تغليب المصلحة العامة والحفاظ علي الإرث التراثي المصري، أي أن التعويض ناتج عن تغليب المصلحة العامة.
المسؤولية الجنائية
وقال هواش لا يفوتنا المسؤولية الجنائية من جانب المالك في حال مخالفته للفقرة 4 من المادة 13 “فإذا أجرى صاحب الشأن عملًا من الأعمال بغير الترخيص المشار إليه، قام المجلس بإعادة الحال إلى ما كانت عليه علي نفقة المخالف مع عدم الاخلال بالحق في التعويض، وعدم الاخلال بالعقوبات المقررة في هذا القانون "حيث يمكن أن يتم تكييف هذه المخالفة علي أنها جريمة إتلاف اثر، وهنا ايضا مسؤولية مدنية في جانب المالك لصالح المجلس الاعلى للاثار وهي التعويض المستحق في حالة اجراء تعديلات دون ترخيص.
المسئولية الناشئة أثناء الشطب
وقال هواش بالنظر للمبرر القانوني لشطب الآثار سنجد ان المعيار الاوحد هو فقد الخصائص الاثرية بالكامل طبقا للمادة 36 من اللائحة التنفيذية لقانون حماية الاثار وبالنظر لنص المادة 14 من قانون حماية الاثار والمادة 36 من اللائحة التنفيذية نجد إنه من المتعذر استخلاص انواع المسؤولية الناشئة عن عملية الشطب لكن يمكن استخلاص ومعرفة انواع المسؤولية المترتبة علي الشطب من خلال معاينة ودراسة احد قرارات الشطب ومنها علي سبيل المثال قرار وزير السياحة رقم 77 لسنة 2021 بتاريخ 2022/05/24 - الوقائع المصرية - العدد 115 بشأن شطب الحمام العثماني بمنطقة القيسارية - مدينة قنا - محافظة قنا من عدد الآثار الاسلامية والقبطية واليهودية والمسجل بالقرار الوزارى رقم 332 لسنة 2002م.
وأهم ماورد بهذا القرار في المذكرة الايضاحية الخاصة به: "تشكلت لجنة للمعاينة علي الطبيعة بتاريخ 23/4/2019 بمنطقة اثار قنا وتضمن محضر المعاينة إنه تم تشكيل العديد من اللجان التي اوصت بضرورة اتخاذ الاجراءات العاجلة واخلاء الحمام ودرء الخطورة لحين اعداد مشروع ترميم متكامل
رفض ملاك وشاغلي الحمام الاخلاء الا بعد تعويضهم، جاء بالتقرير الهندسي للجنة ان العضو الهندسي افاد تدهور الحالة الانشائية للاثر نتيجة رفض الملاك والشاغلين الاخلاء
جاء بتقرير السيد رئيس الادارة المركزية للصيانة والترميم بتاريخ 5 /9 / 2019 ان الحالة الانشائية للحمام العثماني متردية ووافق عليالاتي
• نزع الفسقية الموجودة بالحمام ونقلها واعادة تركيبها باللاند سكيب بقصر الامير يوسف كمال بنجع حمادي
• نقل قاعدة الاستحمام الحجرية وترميمها وعرضها بالمعرض المكشوف بحديقة قصر السلاملك للامير يوسف كمال
• نقل كافة الارضيات ذات القيمة والمنتشرة باماكن متفرقة بارضية الحمام العثماني واعادة توظيفها بمنطقة الفسقية لمجموعة يوسف كمالوالمتبقي منها ينقل لمخازن القلعة للاستفادة منها في مشاريع الترميم للاثار الاسلامية
• التنبيه علي ملاك الحمام بتسليم براطيم الخشب العزيزي الحامل للقبة عند تنكيس الحمام العثماني ونقله لمخازن القلعة
ومما سبق عرضه مما ورد بالمذكرة الايضاحية لقرار الشطب يتضح الاتي
اولا: تنصل وزارة الاثار من المسؤولية المدنية تجاه المالك بتعويضه عند الاخلاء طبقا للمادة 13 سابقة الذكر والمادة 15 من قانون حماية الاثاروالتي نصها "لا يترتب على أي استغلال قائم من قبل الأفراد أو الهيئات لمواقع أو أراض أو مبان أثرية أي حق في تملكها بالتقادم، ويحقللمجلس إخلاؤها مقابل تعويض عادل، كلما رأى ضرورة لذلك. " ويظهر هنا جليا ان أوضح انواع المسؤولية هي المسؤولية المدنية عن تعويضالمالك حتي يتيسر له الاخلاء
ثانيا "يبرز نوع آخر من المسؤولية الجنائية في جانب وزارة السياحة والاثار ممثلة في المجلس الأعلى للآثار واستيضاح تلك المسؤولية وتفنيدها كالتالي "طبقًا للمادة 6 من قانون حماية الاثار فإن الاثار تعتبر من الأموال العامة الواجب حمايتها وإنمائها.
وبتتبع أعمال الصيانة والترميم وعلى من تقع مسؤوليتها نجد أن الدستور وقانون حماية الآثار القى بتلك الحماية علي كاهل وزارة السياحة والاثار وكافة الادارات التابعة لها.
وأضاف هواش أنه بالنظر إلى المادة 13 من قانون حماية الاثار الفقرات من1 – 6 نجد ان المشرع قيد يد المالك عن اي تدخل بالعلاج والصاينة الا بموافقة المجلس وسمح للمجلس بمباشرة اعمال الصيانة والترميم في اي وقت وعلي نفقته وهنا للمرة الثانية تاكيد علي مسؤولية المجلس تجاه الحفاظ علي الاثر وسلامة بنيانه وبالتالي الحفاظ عليكافة عناصره.
قانون حماية الآثار
وتابع الدكتور محمد عطيه هواش، تضمنت المادة 30 من قانون حماية الاثار مسؤولية المجلس دون غيره عن اعمال الصيانة والترميم أو في حالات اخري الترخيص بهاللغير وجاء نص المادة كالتالي:
“يختص المجلس دون غيره باعمال الصيانة والترميم اللازمة لجميع الاثار والمواقع والمناطق الاثرية والمباني التاريخية المسجلة، وتتحمل كل من وزارة الاوقاف وهيئة الاوقاف المصرية وهيئة الاوقاف القبطية نفقات ترميم وصيانة العقارات الاثرية والتاريخية التابعة المسجلة لها، كما يتحمل المجلس نفقات ترميم المباني التاريخية المسجلة التي في حيازة الافراد والهيئات الاخري ما لم يكن سبب الترميم قد نشأ عن سوءاستعمال من الحائز حسب ما تقرره اللجنه الدائمة المختصه وفي هذه الحالة يتحمل الحائز قيمة مصاريف الترميم”.
ويجوز لرئيس مجلس الادارة بعد موافقة اللجنة الدائمة المختصه ان يرخص للهيئات والبعثات العلمية المتخصصة بأداء عمليات الترميموالصيانة تحت اشراف المجلس كما يجوز الترخيص كتابة بها للافراد المتخصصين"
لا مبرر للشطب
وقال هواش بناء عليه اتضح بما لا يدع مجالا للشك مسؤولية المجلس في الحفاظ علي المباني الأثرية وعناصرها المميزة لأثريتها ولذا نجد أن فكرة الشطب في ذاتها تاكيد علي تقصير المجلس في اداء واجباته التي فرضها الدستور والقانون وهذا التقصير واضحًا في مبررات الشطب الواردة بالمذكرة الايضاحية سابقة الذكر حيث إن وزارة السياحة والاثار أرجعت تردي حالة الاثر إلى المالك وليس إلى تقصيرها في اداء وظيفتها التي كفلها الدستور والقانون، اضافة إلى مخالفة المادة 36 من اللائحة التنفيذية والتي اوضحت ان معيار الشطب هو فقدالخصائص الاثرية بالكامل لكن نجد ان المذكرة الايضاحية اوردت نزع العناصر الاثرية ونقلها لقصر الامير يوسف كما والقلعة وبالتالي وجود مثل تلك العناصر يعطل اجراء الشطب طبقا للمادة 36 من اللائحة التنفيذية.
وأضاف هواش، هنا نجد ان المسؤولية التقصيرية من قبل وزارة السياحة والاثار وكافة الادارات المعنيه اكتملت اركانها حيث يتضح وجود مسؤولية مدنية ناتجة عن التقصير من قبل المجلس الاعلى للاثار في آداء مهمة الحفاظ علي المباني الاثرية بنص المادة 163 مدني اضافة إلى وجوب التعويض بنص المادة 13، 15 من قانون حمايةالاثار.
وتابع هواش لا يفوتنا التنويه لنوع آخر من المسؤولية الجنائية التي تفرعت عن المسؤولية التقصيرية حيث إن الاثار تعتبر من قبيل المال العام طبقا للمادة 3 والمادة 6 من قانون حماية الاثار وشطب الاثار يعتبر انتقاصًا من الثروة العقارية التراثية للدولة المصرية خاصة إذا كان هذا الانتقاص مترتب علي التقصير من قبل القائمين علي العمل الاثري، ويتضح من النص السابق ان خروج الاثار من عداد الاثار وشطبها بما يخالف القانون كما اوردنا يرتب مسؤولية جنائية علي القائمين على الادارة.
ويتبين من نص المادة 36 من اللائحة التنفيذية السابق الإشارة إليها أنها وضعت السبب لإجراء الشطب واضحا وهو فقد الخصائص الأثرية بالكامل أي لا يبقى أي شاهد أثري بالموقع، ووضعت أيضا المادة حدود عمل اللجان الفنية التي تتحدد وظيفتها في إثبات أو نفي الصفة الأثرية عن مكونات المبنى المراد شطبه، مخالفة المادة السابقة يعتبر من قبيل المسؤولية التقصيرية التي تعتبر في أصلها مسؤولية مدنية لكن التقصير امتد لتبديد مال عام وهو مايتفرع عنه المسؤولية الجنائية أيضا.
وختم هواش كلماته قائلًا، إنه يجب عند الشروع في شطب أي أثر يجب دراسة موضوع الشطب من كافة جوانبه القانونية والفنية حتي لا يعتبر اهدارا للثروة التراثية المصرية التي كفل حمايتها الدستور والقانون، وحتى لا يتكرر ما حدث للحمام العثماني في قنا.