قرار بإزالة ٣٢ عوامة على كورنيش الكيت كات والعجوزة وإمبابة
بدأت العوامات في الاندثار منتصف الستينيات، بعد قرار من وزير الداخلية الأسبق زكريا محيي الدين الذي كان يمارس رياضة التجديف في النيل كل يوم جمعة، فأصدر قرارا في العام 1966 بإزالة جميع العوامات في الزمالك،العجوزة وإمبابة، ونقل البقية، ولم ينل هذا القرار استحسان الوزراء والمالكين الذين رفضوا الانتقال إلى منطقة أخرى، فاضطروا إلى بيع عواماتهم بمبالغ ضئيلة.
ارتمت على طول القرن الفائت في أحضان النهر لتحمل أسرارا بين أهل الفن والسياسة، تراصَّت على الشاطئ من الزمالك إلى نهاية كوبري إمبابة، وبالكاد يصل عددها إلى 32 عوّامة بعد أن كان عددها قديما يزيد على الـ 600 عوّامة.
ظلت هذه العوامات لأعوام طويلة مرتعا للجواسيس الألمان، ووكرا لملذات الأثرياء، فاختلطت فيها السياسة بالجمال والإباحية، شُكِّلت فيها حكومات، واتُّخِذت فيها قرارات سيادية، أقام بها صفوة المجتمع من فنانين، مثقفين، صحافيين، أصحاب رأي ومشورة، ندواتهم وجلساتهم، وكانت تشع من داخلها الأنوار كأنها وهج في صحراء خالية تنعم بصوت أمواج هادئة، لا تُقلق النائم، ولا تزعج المستيقظ.
ابتداء من كورنيش إمبابة حتى الجزيرة، تستطيع أن تتجول بين أشهر وأقدم العوامات النيلية فى مصر، عددها يتراوح بين 25 و30 عوامة ثابتة، لكن تاريخها مازال يتحرك فى المكان، الذى تمتد جذوره إلى الخمسينيات، ومنه انطلقت أحاديث الفن والرياضة ومشاهير المجتمع والسياسة أيضا.
معظم تلك العوامات كانت بؤرة للأحداث السياسية والاقتصادية، على الرغم من أن معظمها كان مملوكا لراقصات، وظلت فترة طويلة من الزمن مكانا لاجتماع النخبة في مصر، لدرجة أن أحد رؤساء الوزراء كان يجتمع بأفراد وزارته في إحدى هذه العوامات، أما مُلاكها من الأثرياء والباشوات، فكانت بيتا صيفيا لهم.
وترك بعض المالكي عوامتهم لمصيرها المجهول مثل عوامة فريد الأطرش ذات الطابقين المصممين على طراز عربي وأبدع فيها أجمل أغانيه وتوقع البعض أن تتحول عوامته إلى متحف، إلا أن ورثته أهملوها، وامتنعوا عن سداد الرسوم المقررة عليها لأجهزة الدولة، فتحولت إلى كهف مهجور، فاضطرت شرطة المسطحات المائية إلى سحبها من الماء نهائيا وتفكيكها وبيعها خردة فيما بعد.
لم يكن هناك تصميم واحد للعوامات، بل كل منها يختلف عن الآخر، ولكل منها لونها، وكان من أبرز عشاق هذه العوامات الأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ، الذي عاش في إحداها لمدة 25 عاما، سطر خلالها أفضل ما كتب في حياته، فقد كتب أثناء إقامته بالعوامة روايات عديدة حتى قرر محفوظ أن يودع حياة العوامات إلى الأبد، بعد سقوط طفلة تسكن بالقرب منه من إحدى نوافذ عوّامة والدها، فماتت غرقا وانتقل بعدها للإقامة في حي العجوزة على النيل أيضا.
وكانت عوامة بديعة مصابني، التي كانت تقع أمام فندق شيراتون هي الأشهر بين عوامات القاهرة خلال فترتي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفائت، فقد كان أهل الفن يجتمعون بها بصورة شبه يومية.
وكان من روادها محمد عبدالمطلب، فريد الأطرش، أسمهان، إضافة إلى تحية كاريوكا، سامية جمال، وعدد كبير من السياسيين حيث ذكرت بديعة في أحد حواراتها، أنه لو اقترب صحافي من صالون بديعة لعرف أسرار مصر بأكملها؛ لدرجة أنه كان يُقال إن الحكومة يتم تشكيلها في عوّامة بديعة.
وارتبطت العوامات بالراقصات إلى حد كبير، فقد كانت معظم الراقصات في النصف الأول من القرن الفائت يمتلكن عوامات لأنهن كن يعدونها البيت الثاني الذي يؤدين فيه وصلاتهن الراقصة، وكانت من أشهر هؤلاء الراقصات حكمت فهمي، التي كانت تغني وترقص في نادي الكيت كات لجنود القوّات البريطانية، وتعود إلى النوم في عوّامتها على شاطئ النيل.
اما عوامة حكمت فهمي فلها حكاية مع الرئيس السادات الذي كان يتعاون مع جاسوسين ألمانيين في إصلاح، وتشغيل أجهزة الإرسال التي تصل عوّامة حكمت بمركز المخابرات الألمانية في الصحراء الغربية، لكن وكر التجسس انكشف أمره بعد أن أبلغت غانية فرنسية تدعى إيفيت عن إيلر المعروف في مصر باسم حسين جعفر، على الرغم من أنه أعطاها 20 جنيها إسترلينيا، وتخلى عن حذره أمامها، فوشت به إلى أجهزة المخابرات، وكانت النتيجة أنه تم القبض عليهم وطُردوا من الجيش عام 1942، وتم ترحيلهم إلى سجن الأجانب، ثم إلى معتقل قرب مدينة المنيا.
وخلال الأسبوع الماضي شنت الجهات المختصة حملات مكثفة لإزالة عوامات سكنية، مقامة في النيل بطريقة ولا تحمل تراخيص وتمكنت الأجهزة المعنية بوزارة الموارد المائية والري من إزالة عدة عائمات، وتعتزم إزالة عشرات أخريات الفترة القادمة.
كان ملاك والمنتفعين من تلك العوامات في مناطق إمبابة والكيت كات والعجوز يجددون تراخيص العومات الخاصة بهم كل عامين، حتى صدرت توجيهات بتجديدها كل عام، وانحصرت جهات التصديق ومنح التراخيص لستة جهات مختلفة.
إلا أن الملاك والمنتفعين لم يستطيعوا التجديد والحصول علي التراخيص السنوية لعوامتهم على مدار عامين حتى علي حد قولهم وبالتالي طالبتهم الجهات المعنية بغرامات لعدم وجود تراخيص لعوامتهم على مدار عامين وصلت تلك الغرامات لإحدى العوامات نحو ٦٠٠ الف جنية للعوامة الواحدة.
وتقدم بعض الملاك بشكاوي لمركز الشكاوي بمجلس الوزراء نددوا فيها بعدم السماح لهم منذ عامين بتجديد تراخيص العرامات الخاصة بهم والمماطلة حتى صدر قرار الإزالة.
وكان من بين العائمات التي تم إزالتها 3 مملوكة لقيادات إخوانية كبيرة، كانت قد صدرت قرارات بالتحفظ على أموالهم وممتلكاتها، والتي تولت شرطة المسطحات المائية والأجهزة التابعة لوزارة الري بإزالتها.
و هناك توجيهات صدرت بإزالة العائمات السكنية من النيل، وعدم تجديد تراخيصها منذ عامين وذلك ل 32 عائمة مخالفة وتم التنبيه على ملاكها بإزالتها لكن لم يتم الاستجابة من جانبهم وسيتم إزالة 15 خلال شهر يونيو الجارى وإزالة 4 عائمات أخرى يوم 4 يوليو المقبل وذلك وفقا لقرار الإزالة والذى صدر منذ عامين وحتى الآن لم يستجب الملاك، رغم منحهم فرصة للإخلاء التطوعي.
فيما تنوي أجهزة الدولة بتطوير ممشى الكورنيش بمناطق العجوزة والكيت كات وإمبابة على غرار ما تم تطويره بطول ٣٢٠٠ متر في الفترة السابقة.