العامل الأساسي المفقود في سياسة الاتحاد الأوروبي وواشنطن تجاه إيران
لقد غيرت الثورة الإيرانية عام 1979 الوجه والنظام القديم للشرق الأوسط إلى الأبد حيث لا يزال الأمريكيون والأوروبيون يحاولون اتباع سياسة متماسكة تجاه الديكتاتورية الإسلامية التي حلت محل نظام الشاه، فبعد أكثر من أربعة عقود من سيطرة نظام الملالي المتدينين على دولة ذات موقع استراتيجي مثل إيران، في منطقة مشحونة بالتوترات العرقية والدينية والسياسية، لم يتمكن صانعو السياسات، من الاتفاق على النهج الصحيح لإيران.
ويجب أيضًا الاعتراف بأن الإشارات المتضاربة عمدًا والأنشطة الخبيثة لهذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد أبقت الغرب أيضًا في لعبة التخمين والأمل التي لا تنتهي.
بينما كان الغرب قلقًا بشأن ممارسات أخذ الرهائن من قبل النظام الإيراني ورغبته الواضحة في ابتزاز الأوروبيين والأمريكيين في المنطقة والتنمر عليهم، مع الكشف برنامج إيران النووي المتقدم من قبل الجماعة المعارضة المؤيدة للديمقراطية الرائدة في البلاد "منظمة مجاهدي خلق الإيرانية"، سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، وكانت الدول الغربية ومؤسساتها الاستخباراتية غير مقتنعين بمدي مصداقية برنامج إيران النووي.
وعلى الرغم من أن الكشف الأسلحة النووية أثر بشدة على وجهات النظر الدولية حول التهديدات التي يشكلها النظام الإيراني، إلا أن الحكومات الغربية كانت متمسكة بالفكرة الفاشلة القائلة بأن بإمكانها تغيير سلوك النظام من خلال تقديم التنازلات.
لقد حاولوا مرارًا وتكرارًا وفشلوا دائمًا في تغيير سلوكيات النظام أو ترويض تطلعاته إلى الهيمنة الإقليمية والعالمية في نهاية المطاف، تغاضى الغرب عن حقيقة خطيرة للغاية وهي أن الانتفاضات والاحتجاجات المتكررة من قبل الشعب الإيراني هي رفضهم القاطع للاستبداد الحاكم. وبذلك، حافظت تلك الحكومات على سياسات غير ملائمة مع تجاهل العامل المحوري للشعب الإيراني.
*تطبيع الدعوات لتغيير النظام
في غضون عام، منذ تعيين المرشد الأعلى إبراهيم رئيسي كرئيس بعد مقاطعة الانتخابات على مستوى البلاد، لم تُظهر الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة أي بوادر للتوقف، حيث بدأت الاحتجاجات على مستوى البلاد والغضب العام منذ الشهر الماضي بسبب قرار الحكومة بإلغاء الدعم عن المواد الغذائية الأساسية، وتضمن تأثير هذا القرار ارتفاعًا فوريًا بنسبة 400 % تقريبًا في سعر زيت الطهي، وزيادات كارثية بالمثل في الدجاج والبيض ومنتجات الألبان والخبز والمكرونة.
وبدأت المظاهرات في 6 مايو الماضي، بشكل أساسي في مقاطعة خوزستان، ومنذ ذلك الحين امتدت إلى ما لا يقل عن اثني عشر مقاطعة أخري، واستمرت الاحتجاجات المناهضة للحكومة بعد انهيار مبنى من 10 طوابق في مدينة عبدان (جنوب غرب إيران)، ما أدى إلى مقتل وإصابة.
الانتفاضات الثمانية التي وقعت على مدى السنوات الأربع ونصف الماضية جديرة بالملاحظة ليس فقط لحجمها أو لحقيقة أنها سبقتها بشكل ثابت مناشدات عامة من وحدات مقاومة مجاهدي خلق المعارضة، ولكن أيضًا لتنوعها الجغرافي والديموغرافي، وهذا ما يميزهم عن الاحتجاجات السابقة واسعة النطاق مثل احتجاجات عام 2009، التي سيطر عليها نشطاء من الطبقة الوسطى في طهران. وبالتالي، فإنه يقوض أيضًا الافتراضات القائمة منذ فترة طويلة بأن الإيرانيين الريفيين الفقراء يمثلون معقلًا لدعم النظام الثيوقراطي.
ووفقًا للمرشد الأعلى علي خامنئي، فإن الانتفاضة الأولية كانت تُعزى إلى حد كبير إلى منظمة مجاهدي خلق، التي كانت قد "خططت منذ شهور" لتسهيل الاحتجاجات المتزامنة في جميع المدن الكبرى، وفي الواقع، ألقى خامنئي باللوم في النهاية على "مثلث الأعداء" المؤلف من منظمة مجاهدي خلق، والحكومات الغربية، وخصوم إيران الإقليميين.
حيث تتمتع منظمة مجاهدي خلق بدعم العديد من البرلمانيين البارزين والحكومة والأمن والاستخبارات والأوساط الأكاديمية، لكن دعمهم لم يترجم بعد إلى اهتمام مماثل من القيادة الفعلية للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء فيه.
ومؤخرا، قال مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق في 28 أكتوبر في واشنطن: "من أكبر الأكاذيب التي باعها النظام الحاكم للعالم أنه لا يوجد بديل للوضع الراهن، ولكن هناك بديل - بديل منظم جيدًا، ومجهز تجهيزًا كاملًا، ومؤهل تمامًا ومدعومًا شعبيًا يسمى مجاهدي خلق.
وأضاف بنس، أن منظمة مجاهدي خلق ملتزمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية لكل مواطن إيراني، وتقودها امرأة غير عادية، السيدة رجوي هي مصدر إلهام للعالم، وستضمن خطتها ذات النقاط العشر لمستقبل إيران حرية التعبير وحرية التجمع وحرية كل إيراني في اختيار قادته المنتخبين".
من الواضح أن هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة تتماشى مع الواقع الجديد المتنامي على الأرض - استراتيجية تعترف بتغيير النظام من قبل الإيرانيين كحل أكثر قابلية للتطبيق للمشاكل الناشئة من طهران.
لم يتم تقديم مثل هذه الإستراتيجية في العقود الأربعة الماضية، لأن صناع السياسة الغربيين وقعوا في معضلة زائفة بشكل كبير، معتقدين أن خياراتهم الوحيدة كانت قبول التكوين الحالي للحكومة الإيرانية أو إزالتها بقوة السلاح وقبول الفوضى التي تأتي من ترك بلد بلا قيادة..
ولكن السؤال.. هل جمهورية إيران الإسلامية ناضجة الآن لتغيير النظام؟
ولتحقيق هذا الهدف، هناك حاجة إلى التزام لم يعد قابلًا للتأجيل من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من أجل ضمان موقف عبر الأطلسي يدعم علنًا ويضفي الشرعية على حركة المعارضة المنظمة التي تقود الآن انتقال البلاد إلى الديمقراطية علي حد وصف الخبراء والسياسيين.