إيمان كمال تكتب: وداعا الكواكب
حملت مجلة الكواكب على أكتافها منذ انطلاق عددها الأول فى الثامن والعشرين من مارس عام ١٩٣٢ القضايا الفنية والثقافية فى مصر والوطن العربى، لتصبح أعدادها بلا مبالغة هى أكبر وأهم أرشيف لتاريخ الفن المصرى السينمائى والمسرحى لما يقترب من القرن، أو بالتحديد تسعون عاما من الحرفية الصحافية والمهنية، حين قرر الصحفى اللبنانى جورجى زيدان مؤسس دار الهلال تأسيس الكواكب، بالتزامن مع بدايات السينما الناطقة فى ثلاثينيات القرن الماضى، رغبة منه فى أن يكون هناك منبر للمواضيع الفنية والسينمائية والمسرحية فى هذا الوقت، فكانت المجلة هى القوى الناعمة لنقل الفن والثقافة للمجتمع المصرى والعربى فى هذا الوقت.
وفى العدد الأول الذى تصدرت غلافه الفنانة نادرة بطلة أول فيلم عربى ناطق «أنشودة الفؤاد»، والعدد من ٣٤ صفحة، كان أيضا حوار لعلى الكسار تناول فيه تجربته فى المسرح وكيف يتمكن من إضحاك الجمهور، إلى جانب كواليس فيلم «أولاد الذوات» للفنان يوسف وهبى وأمينة رزق وسراج منير، ليصبح العدد الأول هو بمثابة وثيقة وأرشيف لأهم أحداث الساحة الفنية فى الثلاثينيات، وتناولت موضوعات فى أعدادها لاحقا عن أفلام مثل «كفرى عن خطيئتك» و«الضحايا» و«أنشودة الفؤاد» لفنانين هذه المرحلة التاريخية ومنهم عزيزة أمير وبهيجة حافظ والمطربة نادرة وأمينة رزق ويوسف وهبى وزكى رستم وفاطمة رشدى، إلى جانب أيضا اهتمام المجلة وقتها بحياة النجوم الشخصية من خلال باب «بيوت النجوم»، ليقتربوا إنسانيا من الجمهور.
فاستطاعت الكواكب أن تصبح بالفعل هى همزة الوصل بين قرائها وبين نجوم الفن، من خلال حوارات مع نجيب الريحانى وسراج منير وعبد السلام النابلسى واستيفان روستى ويوسف وهبى وأمينة رزق، بجانب دعمها للسينما والمسرح، والقضايا الإبداعية.
فكانت المجلة أول من اهتم ودعم تأسيس معهد التمثيل ووقفت إلى جوار زكى طليمات لتحقيق فكرته وذلك فى السنة الأولى لإصدار المجلة، كما احتفلت المجلة بالفنانة زوزو حمدى الحكيم أول من تخرجت من المعهد، وأيضا معركة منيرة المهدية الشهيرة والتى لجأت إلى بعض فتوات عماد الدين لتأديب الناقد المسرحى عبد المجيد حلمى الذى طالبها بتطوير نفسها أو الاعتزال وهو ما اعترضت عليه، لكن بعد أن أطلق حملة لمدة شهرين ضدها تأثرت المهدية وقررت مخطابة الصحفى والاعتذار له ودعت عددا من الصحفيين والفنانين والكتاب وقتها لتعقد جلسة صلح فكانت هذه المعركة قد تركت أثرا فى الوسط الفنى والصحفى وقتها.
كما شهدت مع الفنانين بعيدا عن الفن قصص الحب والفرح والحزن فى حياتهم، وكانت صاحبة السبق فى الحصول على سيرتهم الذاتية التى خصوا بها الكواكب تحديدا إلى جانب حوارات مع أهم نجوم فى الوطن العربى صباح وشادية وفاتن حمامة وسعاد حسنى ومحمد فوزى ومديحة يسرى وعبد الحليم حافظ، وكانت المجلة التى شهدت بدايات السينما الناطقة هى أيضا همزة الوصل بين أجيال السينما باختلافهم، حتى الجيل الحالى، فكانت أيضا الداعم للجميع فى انطلاقتهم الفنية.
اهتمام المجلة لم ينصب على الفن فى مصر والعالم العربى فقط بل أيضا اهتمت بنقل الأحداث والكواليس الخاصة بالسينما العالمية.
وعلى نهج البداية استمرت الكواكب على مدار تاريخها وبوجود الكثير من الأسماء على رئاسة تحريرها، رغم أنه فى الفترة من ١٩٣٢ وحتى ١٩٤٩ لم يعين جورجى زيدان رئيس تحرير بل كان يقوم إميل وشكرى زيدان بالإشراف على إصدارات الدار، ليصبح أول رئيس تحرير للكواكب هو فهيم نجيب فى عام ١٩٤٩، وتوالى رؤساء تحريرها فيما بعد مثل مجدى فهمى وسعد الدين توفيق ورجاء النقاش وراجى عنايت وجمال النجمى وحسن إمام عمر وفوزى إبراهيم وهشام الصواف ومحمد المكاوى وأشرف غريب وسمر الدسوقى.
ومع خبر إغلاق المجلة وتحويلها إلى موقع إلكترونى، ودمجها ورقيا ومجلة «طبيبك الخاص» فى مجلة حواء المتخصصة فى شئون المرأة، وجميعهم إصدارات مؤسسة دار الهلال، هو بكل تأكيد إلغاء لهوية الكواكب، وهو التعبير الأصدق على هذه المأساة التى خيمت بحالة من الحزن على الوسط الفنى والثقافى والصحافى لإنهاء تجربة مهمة فى تاريخ الصحافة المصرية، نأمل أن يتم الرجوع عنه وحل الأزمات التى تمر بها أعرق المجلات الفنية فى مصر بدلا من إعدامها بلا رجعة وإنهاء ٩٠ عاما من تاريخنا الفنى والمهنى.