تزامنا مع احتفالها.. قصة دخول العائلة المقدسة إلى مصر
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، غدًا الأربعاء 1 يونيو، بتذكار دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر وهو أحد الأعياد السيدية.
وقال ماجد كامل الباحث في التراث الكنسي، وعضو اللجنة البابوية للتاريخ الكنسي، في دراسة له، إن الأقباط يعتزون بهذا العيد كثيرا فطوال حياة السيد المسيح على الأرض والتي بلغت نحو 33 سنة، لم يغادر المسيح أرض فلسطين إلا مرة واحدة وكانت هذه المرة إلي أرض مصر، فلا بد أن السيد المسيح عندما دخل أرض مصر وأقام فيها نحو ثلاث سنوات ونصف.
وتابع الباحث في التراث الكنسي، أن قصة هروب العائلة المقدسة كما وردت في إنجيل متى، تشير إلى أن ملاك الله ظهر في حلم ليوسف النجار وقال له "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه، فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر، وكان هناك إلى وفاة هيرودس".
وأضاف "كامل" ولعل أول وصف مكتوب لرحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر هو ما جاء في "ميمر" - وهي كلمة سريانية معناها سيرة- العائلة المقدسة الذي وضعه البابا ثيؤفيلس (385- 412 ) البطريرك رقم 23 من سلسلة بابوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهذا الـ "ميمر" يوجد منه ثلاث مخطوطات باللغة العربية المخطوط الأول محفوظ في مكتبة الفاتيكان والمخطوط الثاني محفوظ في المكتبة الوطنية بباريس أما المخطوط الثالث فمحفوظ في دير السيدة العذراء المحرق، كذلك يوجد "ميمر" آخر وضعه الأنبا زخارياس أسقف سخا (نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن ) والانبا قرياقوس أسقف البهنسا(غير معروف علي وجه الدقة متى عاش ومتى توفي )حول رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر.
- المحطات الرئيسية في رحلة العائلة المقدسة حسب نص المخطوط:
1- الفرما وكانت قديما تعرف بالبيليزيوم (Pelusium ) وهي المدينة الواقعة بين مدينتي العريش وبور سعيد.
2- تل بسطا بالقرب من الزقازيق، وبسطة هي النطق الهيروغليفي لكلمة "باستت " ومعناها بيت الإله باستت وهو القط حاليا، ومن هنا جاء النطق العامي للقطة بـ "بسبس" ؛ولقد سقطت أصنام المدينة أمام جلال العائلة المقدسة، لذلك لم يقبل أهل المدينة وجودهم بينهم وهناك أنبع السيد المسيح عين ماء، وهناك حمت العذراء الطفل يسوع ومن هنا عرف المكان بـ "المحمة" أي مكان الاستحمام، وتعرف حاليا باسم مسطرد، ولقد بنيت فيها كنيسة علي أسم السيدة العذراء في عام 1185 م الموافق 901 للشهداء ويحتفل بعيد تكريسها في يوم 8 بؤونة، وهي مازالت قائمة حتى الآن وتقام فيها احتفالات ضخمة خلال موسم صوم العذراء وأعيادها.
3- بلبيس وتوجد بها شجرة استظلت تحتها السيدة العذراء، يجلها المسلمون والمسيحيون علي السواء، وتذكر بعض كتب التاريخ أن جنود الحملة الفرنسية عندما مروا ببلبيس أرادوا أن يقتطعوا من خشبها لاستعمالها كوقود وبمجرد لمسها بالفأس خرج منها دم فارتعب الجنود ولم يجرؤوا أن يمسوها بعد ذلك.
4- منية جناح وهي منية سمنود حاليا، ومنها عبروا البحر إلى سمنود وبوجد في سمنود حاليا بئر ماء ووعاء فخاري، قيل أن العائلة المقدسة شربت منه ومكانه حاليا كنيسة الشهيد أبنوب.
البرلس
5- سخا ايسوس ؛وهي مدينة سخا حاليا في محافظة كفر الشيخ ؛ ويقال في التقليد أن الطفل يسوع وضع رجله علي حجر فانطبع كعبه عليه ومن هنا عرف المكان بـ "سخا ايسوس "ومعناها كعب يسوع باللغة القبطية.
6- ثم اتجهت العائلة غربا نحو وادي النطرون "والذي صار بعد ذلك مركز تجمع رهباني كبير تحت أسم برية شيهيت".
7- عين شمس أو مدينة أون وقد سماها اليونان باسم "هليوبوليس "، ورد ذكرها في سفر أشعياء (اشعياء 19:18 ) وهي مدينة المطرية حاليا، وكانت قديما مركزا ضخما لعبادة الإله رع إله الشمس عند المصريين القدماء، ويوجد بها حاليا شجرة مريم ؛وهناك انبع الطفل يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ؛ ثم غسلت العذراء ملابس الطفل وصبت الغسيل علي الأرض ؛فنبت نباتا عطريا ذو رائحة جميلة عرف بنبات البلسم أو البلسان. وفي طريق العودة مروا علي منطقة الزيتون وفي نفس المكان الذي يوجد به حاليا كنيسة العذراء بالزيتون.
8- مدينة الفسطاط بمصر القديمة حيث سكنوا بالمغارة التي توجد حاليا تحت كنيسة أبو سرجة ؛ ويبلغ طولها نحو 20 قدما وعرضها نحو 15 قدما كما تناولت العائلة المقدسة من ثمار الأشجار الموجودة مكانها كنيسة المعلقة حاليا.
9- المعادي وفي نفس المكان المقام مكانه حاليا كنيسة السيد العذراء بالمعادي ؛وكانت قديما تعرف بكنيسةودير العذراء بالعدوية "ويقال أنها سيدةمغربية سكنت هذه المنطقة في القرن العاشر الميلادي".
10- ثم ركبوا من هناك مركبا وتوجهوا إلي البهنسا بمركز بني سويف حاليا ؛وكانت تعرف بالمصري القديم بر –مز أي بيت الإله مز ؛ ثم سميت في العصر اليوناني ب "اوكسيرنكيس " (Oxyrhynchus )؛وكانت من أشهر الأسقفيات في العصر المسيحي.
11- منطقة جبل الطير بسمالوط، ويروي ابو المكارم أنهم وهم في مركبة بالنيل كادت أن تسقط عليهم صخرة كبيرة من أعلي الجبل، ولكن الطفل يسوع مد يده ومنع الصخرة من السقوط فتنطبع عليها كفه، وصار الجبل يعرف أيضا بجبل الكف ؛وقد قامت الملكة هيلانة ببناء كنيسة علي أسم السيدة العذراء كانت تعرف بكنيسة "سيدة الكف " ومكانها حاليا دير العذراء جبل الطير ؛وهذا الدير يؤمه سنويا الآلاف من الزوار مسلمين وأقباط بل وزوار أجانب في مواسم وأعياد العذراء.
12- الأشمونين ؛وهي تقع علي بعد 300 كيلو من القاهرة، وكانت تعرف قديما بمدينة "خمنو" أي الثمانية وذلك بالنظر إلي عدد آلهتها الثمانية.
13- مدينة فيليس ( Philes ) وهي مدينة ديروط الشريف حاليا.
14- القوصية ومنها إلي ميرة.
15- ثم هربوا منها إلى جبل قسقام: وفي نفس المكان المقام فيه حاليا دير السيدة العذراء الشهير بالمحرق ؛ولقد مكثت العائلة المقدسة في هذه البقعة أطول مدة قضتها في مصر كلها "نحو 6 شهور و10 أيام تقريبا " ومن هناك تلقي يوسف النجار الأمر الإلهي بالعودة مرة ثانية إلي فلسطين لأنه قد مات الذين يريدون قتل الصبي.
ويفتخر الأقباط أن هذا الدير بالذات قد وردت عنه نبوءة بالكتاب المقدس في سفر أشعياء حيث تقول النبوة "يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخومها، فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر "( أش19: 19 ؛20 ) المذبح الذي في وسط أرض مصر هو مذبح دير المحرق، ويقال أن هذا المذبح يقع جغرافيا في منتصف أرض مصر تماما، ومن التقاليد المتوارثة عن رهبان دير المحرق أن هذا المذبح لا بد أن تقام عليه القداسات يوميا مهما كانت الظروف ؛ ولا بد أن تقام الصلوات في هذا المذبح بالذات باللغة القبطية.
وتابع عضو اللجنة البابوية للتاريخ الكنسي، أنه حسب التقليد القبطي أن العائلة المقدسة مرت علي المنطقة التي يوجد بها حاليا دير السيدة العذراء بجبل الدرنكة بأسيوط حيث يوجد بها المغارة التي سكنت بها العائلة المقدسة وهي أصلا محجر فرعوني قديم يرجع تاريخ بنائه إلي نحو 250 سنة قبل الميلاد، ولقد أسس الرهبنة في هذه المنطقة القديس يوحنا الأسيوطي في القرن الرابع الميلادي ؛ وله مغارة شهيرة تبعد عن دير الدرنكة بنحو 250 متر تقريبا ؛ ولقد أشتهر رهبان هذه المنطقة بالمهارة الشديدة في الخط والنسخ، حتي عرف هذا الدير في كتب التاريخ بدير "كرفونة" أو ""أغرافونة " وهي كلمة يونانية معناها النساخة.
وجاءت منها كلمة Graphy ومعناها "كتابة" باللغة الإنجليزية وتوجد أماكن أخري يوجد بها تقليد شفوي حول مرور العائلة المقدسة بمنطقتها مثل كنيسة العذراء بحارة زويلة وكنيسة العذراء حارة الروم.
وأضاف ولقد تم اكتشاف بردية أثرية ترجع إلي القرن الرابع الميلادي مكتوبة باللغة القبطية اللهجة الفيومية، قامت جامعة كولونيا الألمانية بترجمتها ونشرها باللغة الألمانية عام 1997، وأشرف علي تحقيق البردية مجموعة من كبار علماء القبطيات الألمان والبردية عبارة عن شريحتين عثر عليهما في مدينة الفيوم، ويبلغ طولها نحو 31،5 سم ؛ويبلغ عرضها نحو 8،4 سم.
والشيء الجميل في هذه البردية أنها قدمت أنشودة رائعة في حب مصر نذكر منها (كل أنواع الشجر التي في الفردوس سوف تزرع فيك " يا أرض مصر " ؛اثنا عشر شعاعا للشمس سوف ينير عليك ؛طفولة ابني سوف تكون فيك ثلاث سنين واحد عشر شهرا ) ولقد قام نيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي والأشمونين بترجمة هذه البردية إلى اللغة العربية ونشرها في كتاب ضمن مطبوعات مطرانية ملوي.