د. رشا سمير تكتب: المرأة في الدراما الرمضانية بين مطرقة التطرف وسندان القانون
المرأة المصرية كانت وستظل هي عنوان الرُقي والتحضر..فالمرأة لم تعد مجرد وجه جميل أو جسد ممشوق تتباهى بجمالها، بل أصبحت المرأة في القرن الواحد والعشرون هي صوت قادر على التعبير وسلاح قادر على مجابهة التحديات..
المرأة في الدراما كانت وستظل صورة تعكس أداء المجتمع وتقدمه، صورة في المرآة لمجتمع يتقدم أو يتقهقر، عنوان لعصر مضى بهزائمه وآخر آت بإنتصاراته.
ما دام إستطاعت الدراما أن تضع حدودا للأشياء وتناقش القضايا الهامة بل وتغير من الواقع بتسليط الضوء على قضية شائكة أو خلل ما فتعالجه، أو على الأقل تضعه خلف القضبان وتترك للمجتمع حق محاكمته.
دراما رمضان هذا العام تناولت المرأة كعنوان رئيسي لأعمال عدة، والأكيد أن هذه الأعمال كُتبت من الأساس لتحدث تغييرا، بدافع من أصحاب القرار بالتعاون مع أصحاب الأقلام وهو ما سبق وأن تكرر منذ أعوام بعيدة حين كتبت حسن شاه فيلم (أريد حلا) ومن خلال سيناريو سعيد مرزوق وأداء فاتن حمامة العظيمة تم تغيير قانون الخُلع والطلاق..وحين كتب فراج إسماعيل قصة فيلم (الشقة من حق الزوجة) لتجسدها برشاقة معالي زايد والمختلف محمود عبد العزيز فيتم من بعدها مراجعة بند حق الزوجة في مسكن الزوجية وتعديله.
هذا العام، كُتب عن المرأة وكُتب لها بأقلام ذكورية نسوية قررت الدفاع والهجوم في آن واحد..
هل وصلت الرسالة المرجوة؟ هل ستتغير الأوضاع والقوانين بعد عرض المسلسلات أم سينال صُناع الدراما الهجوم المعتاد وينفض المولد عقب رمضان؟..
فاتن أمل حربي بقلم إبراهيم عيسى:
كعادته يطرق إبراهيم عيسى باب قضية شائكة من المؤكد أنها ستفتح في وجهه النيران بل وربما في وجه كل من له علاقة بالمسلسل..
فاتن أمل حربي مسلسل ينحاز للمرأة عن جدارة، محوره هو مرحلة ما بعد الطلاق، وكيف تتمزق شتات الأسرة ويدفع الأطفال ثمن تعنت طرفي علاقة إنتهت، لكن المسلسل يضع الرجل بشكل منفرد في قفص الإتهام وينحاز للزوجة التي لا تمتلك بين أروقة محكمة الأسرة والجنايات وأقسام البوليس سوى الدعاء لله.
هل الرجل مُدان طول الوقت؟ بالطبع لا فالمرأة في بعض الأحيان تكون السبب في إنهيار البيت وتشتت الأبناء..ولكن الحقيقة أن المسلسل كُتب برعاية أو بتوجيه من وزارة التضامن الإجتماعي والمركز القومي للمرأة وهو ما يؤكد على أنه دراما موجهة لتغيير واقع قانون الأحوال الشخصية الأليم.
إحقاقا للحق فإن قانون الرؤية مجحف للأب وأسرته، وقانون النفقة قاتل للنساء اللاتي لا يمتلكن دخل ولا وظيفة، وقانون الولاية التعليمية مجحف للأبناء!..
هكذا تدفع الأسرة بأكملها ثمن ترهل القوانين التي يجب أن يُعاد النظر فيها.
الطريق طويل، والقضايا في محكمة الأسرة بالألاف، وهذه الصورة الحزينة نقلها المسلسل بجرأة، فالمرأة تدفع الثمن في أغلب الأحوال وأكم من نساء لم يكن في شجاعة أمل حربي ولم يتخذن القرار بالفرار لأنهن لا يمتلكن المال ولا الشجاعة الكافية.
قامت نيللي كريم كعادتها بتقديم دور يرفع من قدرها فنيا حتى لو لاقى هجوما من المشاهدين فالحقيقة أن نيللي كريم نجمة موهوبة متجددة ومتألقة سلكت خط فني متفرد..
تحية من القلب للنجم شريف سلامة الذي ودون أي مجاملة كتب هذا المسلسل شهادة ميلاد جديدة له بأداء مختلف وصورة موجودة بكثرة لرجل مهزوز، أناني ومتسلط في آن واحد،
هالة صدقي قدمت دور ثاني ولكنه دون شك مؤثر وهادئ..أما الشرنوبي فقدم دور الشيخ المتحضر الرزين المُحب، وعلى الرغم من أن دوره مبالغ فيه بشكل كبير ولا يبدو حقيقي بالنسبة للواقع إلا أنني أتفهم تماما وجهة نظر الكاتب الذي تمنى لو خلق بقلمه شخصية من الطبيعي أن تكون موجودة على الرغم من غيابها، مما أثار السخرية على مواقع التواصل الإجتماعي من الشيخ يحيى الحبيب الرومانسي الذي يسير متلاصقا لإمرأة غريبة عنه!.
من وجهة نظري أن المشكلة الوحيدة في المسلسل على الرغم من طرحه لقضايا كثيرة يجب أن نعمل فيها العقل، إلا أن هناك هجوم كبير في بعض الحلقات على الكثير من أحكام الإسلام، بعضها قد يبدو صحيحا وبعدها من المؤكد يبدو قاسيا، لذا لم تقبله الكثير من الأسر المصرية، فلقد تعلمنا صغارا أن المسلمات في الأديان لا مساس بها حتى لو كان هذا لا يتماشى مع روح العصر، فالدين يضع العناوين والقانون له حق التشريع، ولو كان التشريع خاطئا فهذا لا يضع الدين في قفص الإتهام!..
الدين الإسلامي لم يجحف بحق المرأة ولم يعنفها بل المجحف الحقيقي في حقها هو القانون الذي وضعه البشر، والمجحف الأكبر هم من يفسرون الدين لصالحهم، ولأن قانون رب العالمين لم ولن يكن أبدا مجحفا، فهذا ما حاول المسلسل أن يوصله للجمهور..
الرسالة مفادها، إفتحوا عقولكم للنور ولا تغلقوها أمام التفكير بالمنطق الذي يرد الحقوق لأصحابه.
ويبقى السؤال المطروح على الساحة، هل يستطيع أحد صُناع الدراما الزج بالدين المسيحي أو الهجوم عليه في عمل درامي كما يتم دائما الزج بالدين الإسلامي؟
المسلسل أيضا في العشر حلقات الأواخر وقع في فخ التطويل والمط، وإعتقادي أن المسلسلات هذا العام لو اكتفوا بخمسة عشر حلقة لكان من الأوقع والأفضل..
جزئية أخرى هي هجوم فاتن في المحكمة في كل الجلسات على القانون بسبه ووصفه بالسفيه والظالم في وجود القاضي خالد سرحان الذي يبدو مرتبكا حائرا طول الوقت، مشهد يتسم بالغرابة وعسر الهضم، حيث أن إحترام المحكمة وقامتها لن تسمح بمثل هذا التطاول، مبدأ أن القاضي أمر بحبسها في أول مرة ثم إعتاد إنفعالها وصراخها وسبها للقانون بإبتسامة صفراء، شئ خيالي لم يكن يجب أن يظهر بهذه الصورة، وهو نقطة ضعف حقيقية.
في النهاية أقر بأن فاتن أمل حربي عمل يستحق المشاهدة حتى لو إختلف البعض معه، فالأعمال التي تثير الجدل هي بلا جدال أعمال متميزة.
بطلوع الروح والمرأة في داعش:
منذ نحو عام دعتني إبنتي لمشاهدة مسلسل على نتفلكس أخبرتني أنه يستحق المشاهدة، وهو مسلسل Caliphate أو (الخلافة) دراما من ثماني حلقات إنتاج سويدي وتدور أحداثه على أرض داعش..يدين سيناريو المسلسل الذي كتبه الصحافي السويدي ويلهلم بيهرمان، وشاركه الكتابة نيوكلاس روك ستروم، بشاعة ما يحدث داخل دولة سوداء القلب والعنوان وهي دولة داعش، التي ظن أبنائها أنها دولة الخلافة وهي في الواقع دولة الوهم، حيث يتساقط القتلى، ويتم إستغلال النساء جسديا ونفسيا وخلق جيل مشوه من الأطفال..
أكد كاتب السيناريو بيهرمان في حوار أنه وزميله ستروم اطلعا على عشرات الكُتب والدراسات والوثائق، وشاهدا الكثير من الأفلام الوثائقية حول داعش قبل كتابة العمل، وعرضا المعالجة التفصيلية على خبيرين متخصصين في الإرهاب قبل اعتمادها كسيناريو جاهز للتنفيذ.
هكذا أصبحت مدينة "الرقة" عاصمة الخلافة، بإقتباس سهل لفكرة مسلسل أجنبي هي محور مسلسل رمضاني بعنوان (بطلوع الروح) هذا العام للمنتج اللبناني صادق الصباحي الذي أتصور أن وطنه عانى كثيرا من فكرة الإرهاب ومحاولة فرضها على شعب متحضر مُحب للحياة مما جعله يتحمس للفكرة.
المسلسل من تأليف محمد هشام عبية الذي كنت أتمنى لو أشار إلى إقتباس فكرة المسلسل، فالأكيد أن حتى شكل الديكور وأماكن التصوير والجو العام للمسلسل صورة طبق الأصل من المسلسل السويدي..والحق أحق أن يُذكر!.
منة شلبي دون أدنى شك هي نجمة جيلها وفي رأيي أنها مبدعة حتى النخاع في كل أدوارها تركت علامة وبصمة مؤثرة، من (واحة الغروب) ومرورا ب (إلا أنا)، ووصولا (بطلوع الروح) هي البريمو عن جدارة..
قدمت دور الزوجة التي إستدرجها زوجها إلى الجحيم بحرفية جعلتنا نتعاطف معها ومع كل لفتة وإنفعال ودمعة وصرخة.
قدم أحمد السعدني دور يُحسب له كنقلة في نوعية الأدوار التي يقدمها، أقنع المشاهد في دور مختلف يُحسب له..أحمد حاتم عظيم بكل معنى الكلمة في دور الإنسان المهزوز المهزوم في حربه مع بيئته ونفسه، صراع لم يحسمه سوى إنزلاقه إلى هاوية التطرف.
الرائع حقا وهو ما يستحق التحية للمخرجة المبدعة كاملة أبو ذكري هو ظهور نجوم لم نعرفهم من قبل لكنهم تألقوا وتربعوا في القلوب بإطلالة سريعة لكنها مؤثرة..
دياموند بو عبود، سميرة الأسير، دارينا الجندي، ريم نصر الدين، ناندا محمد، رولا بقسماطي، وهاجر السراج..أدوار رئيسية على الرغم من عدم كونها بطولة مطلقة إلا إنهم إحتلوا الشاشة بعمق ما قدمن من عبقرية في تجسيد الشخصيات وأداء مبهر ومقبض للمشاهد في نفس الوقت.
المسلسل يكشف الغطاء عن دولة تتخفى تحت عباءة دين لا يقرب لهم ولا يقترب منهم.
صورة للأسف باتت هي عنوان الدين الإسلامي في عيون الغرب وكم أتمنى لو توقفنا عن تأكيد هذا الصورة في الدراما ونحاول طرح صورة للإسلام السمح المعتدل..التطرف موجود في كل الأديان إلا أن اللحية والجلباب والنقاب أصبحوا أداة إعدام لمجتمع غريب عنا وعن ديننا السمح.
بقيت النجمة إلهام شاهين التي أفصحت عن سعادتها البالغة بفضح الإسلاميين الذين يرجمونها بالحجارة كلما أتيحت لهم الفرصة، إلهام بلا جدال هي تاريخ سينمائي لا يمكن إغفاله إلا أنها أخفقت لدى البعض في توصيل الصورة التي أراد المسلسل توصيلها، الأخت المسلمة اللعوب التي تبحث عن الرجال تحت غطاء الزواج أو ربما تبحث عن المتعة في مقابل البقاء، هل لأن إلهام لها صورة ذهنية محددة في عين المشاهد؟ أم لأن أدائها بدا كالمغرد خارج السرب بعيد عن أداء المجموعة كلها؟ أختلف أيضا معها في جملة قالتها في مداخلة تلفزيونية قالت:
" المسلسل عمل قومى ووطنى، ندافع فيه عن الأمة العربية كلها"!.
الدراما يا سيدتي هي حدوتة جميلة تجذبنا للإستمرار في المشاهدة أو تنفرنا فننصرف عنها، أما البطولة القومية فلا علاقة لها بالدراما، لأن كواليس ما يحدث على أرض داعش موجود صوت وصورة وتسجيلات حية على اليوتيوب وهي كافية لكشف هذه الدولة السوداء ونفور البشر منها، إلا أن دور الدراما هنا مختلف، فالدراما إبداع وليست مهمة قومية، حتى لو دافعت عن قضية ما لغرض ما!.
المرأة ثم المرأة ثم المرأة:
هكذا قرر صناع الدراما هذا العام التصدي لقضايا المرأة وإظهار ضعفها تارة وهي تعاني من قانون ظلمها وإظهار بطشها تارة أخرى وهي تتزعم رئاسة نساء داعش، ودفع المشاهد للتعاطف معها وهي تصرُخ وهي تبتسم بإنكسار.
وجوه متعددة لنساء يحاولن الفرار من قبضة مجتمع ذكوري في توقيت تسعى فيه الدولة جاهدة لتمكين المرأة ورفع شعار نون النسوة..فهل تنجح الدراما في تغيير واقع مئات السنين؟
كل عام وكل نساء العالم بخير..ورمضان كريم.
[email protected]