البابا تواضروس: نستنكر كل الأفعال القاسية التي تنبذ الرحمة
قال قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، خلال كلمته في أعمال الجمعية الـ12 لمجلس كنائس الشرق الأوسط: "يفرحني كثيرا أن أرحب بكم على أرض مصر التي تباركت بزيارة وسكنى العائلة المقدسة في ربوعها.. ويزيد من فرحتي أن تكون إقامتكم المباركة في منطقة وادي النطرون التراثية القديمة المتجددة العامرة بأديرتنا القبطية على مدى قرون الرهبنة، منذ أبينا أنبا أنطونيوس الكبير، وأنبا مقار مؤسس الرهبنة في هذه المنطقة.
وتابع: وادي النطرون، حيث ملح النطرون الذي استخرجه أجدادنا الفراعنة هو واد ذو تاريخ وقداسة، إذ يعتبر من محطات رحلة العائلة المقدسة من ناحية ومن أكبر تجمعات الرهبنة في التاريخ القبطي من ناحية أخرى. إذ احتضنت عددا كبير من الأديرة والقلالي والرهبان والنساك منذ القرن الرابع الميلادي.. وكان لأهمية المنطقة في تاريخ وحاضر كنيستنا أن سعينا جادين لأن يوجد مركز لوجوس البابوي لاستضافة أحبابنا وضيوفنا الكرام في رحابة الأجداد ونسك الآباء وبركة العائلة المقدسة، مع هدوء طبيعة الصحراء، ونقاء زرقة السماء، وصفاء الأجواء.
وأضاف: أمامنا تحديات كبيرة يواجهها عالمنا المعاصر بشكل عام، ومنطقتنا الشرق الأوسط بشكل خاص.. إذ تنمو يوما بعد يوم أخبار الحروب والنزاعات وقسوة الإرهاب، ونتساءل كمسيحيين يعيشون وسط هذه القسوة من أين الحروب والمخاصمات؟ تلك الحروب والمنازعات غالبا ما تبدأ داخل النفس البشرية الطامعة التي تطلب المزيد ولا تكتفي.. النفس البشرية التي كبرت في الأنانية وتعظم المعيشة والاستهلاكية المفرطة في كل موارد الطبيعة المتاحة للإنسان لأجيال وأجيال.. تلك الأطماع جعلتها تقع فريسة الطمع والشهوة والحسد والقتل والحرب، وتلك الأطماع أيضا انتهكت الطبيعة وشوهت البيئة ولم تدرك معنى المسئولية عن الخليقة.. فقد وهب الله الإنسان منذ خلقه سلطانا على الطبيعة والمخلوقات لا ليستنفذها ويستغلها استغلالا شريرا بل ليكون مسئولا عنها.. يرعاها.. ينميها.. يحافظ على كل تفاصيل خلقتها الجميلة.
وقال: ويحميها بل ويحبها.. فما كان منه إلا أن أرهق الطبيعة من حوله بالإفراط في استغلالها لمشروعاته واخترعاته ورفاهيته بشكل يكاد يكون أحمقا أحيانا.. فانقلبت الطبيعة عليه وصارت تلفحه بالحرارة الشديدة أحيانا، وتغرقه بالتسونامي في أحيان أخرى، أو توقف عنه أمطارها، أو يصعقه جليدها.. كما صارت الموارد شحيحة بسبب الإفراط في استخدامها مما زود الأطماع البشرية، ومن ثم الرغبة في حيازة موارد أخرى، حتى لو كان هذا عن طريق القتل والحرب.
وأضاف: ونتيجة لذلك، صار العالم كله ومنطقتنا بوجه خاص يعاني من الحروب والنزاعات والحركات الإرهابية المتطرفة، مما أدى لمشكلات صعبة تتمثل في ازدياد أعداد اللاجئين والمهاجرين، ونشأة أجيال جديدة لا تعرف هويتها ولا تعي معنى الانتماء.. كما اعتاد العالم معايشة العنف حتى صار في بعض المناطق مجرد شكل من أشكال الحياة اليومية وصار القتلى والجرحى والمصابين مجرد أعداد تزيد يوما بعد يوم دون أن يحرك العالم ساكنا تجاه تلك الكوارث.. وازدت معدلات الفقر والجهل والأمراض بالإضافة للجائحة العالمية وقسوة الظروف المناخية أيضا.. فساءت أحوال كثير من المجتمعات التي صارت تذوق ويلات وويلات كل يوم بسبب هذه الأطماع وتلك الصراعات.
وواصل: نستنكر كل تلك الأفعال القاسية التي تنبذ الرحمة وتستهين بالحياة الإنسانية التي هي هبة الله وحده.. نستنكر كل اعتداء على بلاد آمنة ومجتمعات سالمة.. نستنكر الاعتداءات المتكررة على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس..وإذا كان امتحاننا كمسيحيين أن نكون في وسط كل هذه الشرور في العالم، فنحن نؤمن أن الله ضابط الكل يرى ويعاين ويقضي وعيناه تنظران، لذا نجد أنفسنا أمام مسئولياتنا وتدوي داخل أنفسنا ضمائرنا التي يحركها الروح القدس تقول لنا أننا صوت الحق.. أننا كالمعمدان: صوتُ صارخٍ في برية العالم يقول للعالم كله أن أعدوا طريق الرب واصنعوا سبله مستقيمة.
وتابع: نتشجع بكلمات الله لننطق بالحق ونعلن مواقفنا الثابتة أمام التحديات الأخلاقية التي باتت تشوه الطبيعة الإنسانية الرفيعة، التي هي على صورة الله ومثاله بخلق قناعات واهمة عن المثلية الجنسية والعلاقات غير الطاهرة والتحول الجنسي والتفكك الأسري واللادارية والإلحاد.. ولا ننساق وراء تبريرات واهية يزعم العالم أنها تبرر الخطية والشهوات.. إذ إن تلك المبررات تمحو كلمة الحق وتحيد بالعالم عن الطريق والحق والحياة وتبدله بالتيه والزيف والموت.. فقد جبل الله الطبيعة الإنسانية سامية رفيعة مكللة بالعقل والفهم والحكمة والنطق حتى ما تستمر الحياة الإنسانية في أسرة ومجتمع يتمتع بالحياة والطبيعة ويسعى نحو الأبدية السعيدة.. وقدأعلمنا الله بقصده الإلهي من وجودنا في هذه الحياة، لذا يخطئ من يبرر تلك الخطايا ويصير جاهلا وبلا عذر.
وأوضح: نتفهم أيضا تحديات العصر التي تتمثل في تكنولوجيا ما بعد الحداثة التي نعيش فيها الآن.. وتسعى كنائسنا للاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي كما تسعى للاستفادة من كل محركات البحث الحديثة والإمكانيات الضخمة التي صارت تحت أيدينا بوجود الإنترنت.. وقد ساهم كثيرا في الخدمة والرعاية طوال وقت الجائحة.. ولكننا ندرك في الوقت نفسه خطورة تلك الأدوات التي صارت تستخدم بطرق شريرة في تدمير حياة الأسرة والشباب، بل والأطفال.. باختراق الخصوصية، ونشر الأكاذيب، والدعوة إلى الأفكار الخاطئة والشاذة.. بل وتحولت إلى صورة من صور الإدمان وإلغاء العقل وجر الكثيرين إلى اعتناق الخطأ ونبذ العالم الحقيقي والواقع في مقابل العالم الافتراضي والصورة.