"الفجر" تتبع شركات التمويل وتكشف عن بيزنس استقطاب ربات البيوت وإيقاعهن في فخ "القروض"
ظاهرة انتشرت مؤخرًا بين نساء المناطق الشعبية، بالحصول على قروض مُيسرة من جهات تمويلية مختلفة، تقدم قروض للنساء فقط، فدفع بعضهن الديون المتراكمة وأخريات الخروج من ضائقة مالية نحو هذا الطريق في ظل ظروف المعيشة خاصة بعد أن أصبحت أسوأ بسبب لعنة فيروس كورونا التي حلت على الجميع.
مآرب كثيرة ومتعددة تتوجه على إثرها السيدات نحو الاقتراض، في ظل تقديمها لهن بشروط ميسرة للغاية، ليلمع أمامهم هذا الطريق دون أن يفكروا جيدًا في أنهن قد يكن فريسة لهذه الجهات الممولة للقروض.
تسهيلات كثيرة تقدمها العديد من شركات التمويل التي تعمل تحت اسم مؤسسات رسمية للدولة، تستقطب من خلالها السيدات البسيطات بالمناطق المختلفة، لتقديم القروض، مشترطين بعض الضمانات البسيطة التي تعتبر طُعمًا للكثير من السيدات للوقوع في فخ الاقتراض ومن ثم التعثر، حكايات كثيرة قابلناها قادتنا إلى بعض الشركات التي تمنح تلك القروض، كشفنا من خلالها تفاصيل الوقوع في هذا الفخ، ومكاسب تلك الشركات من إيقاع السيدات فيه.
الزوج آخر من يعلم بعد مطاردة المدينين
لم تتوقع "مروة" أن اقتراضها مبلغًا من المال سيجعلها مطاردة من قبل المدينين، ومهددة بالطلاق من زوجها الذي أخفت عليه قيامها باقتراض مبلغ مالي من إحدى شركات الاقتراض كغيرها من السيدات بالمنطقة التي يعيشون فيها.
حصلت ربة المنزل على قرض الخمسة آلاف جنيه بدافع التخفيف عن كاهل زوجها وقضاء متطلبات أبنائها الثلاثة، لم تكن متطلباتهم أساسية لكنها تعد رفاهية بالنسبة لغيرها من النساء في منطقة دار السلام بمحافظة القاهرة، حيث قامت بشراء بعض الملابس لها ولأبنائها، إضافة إلى دهان شقة الزوجية الذي لم يتغير منذ سنوات.
استسهلت "مروة" الحصول على القرض وسداده من خلال مصروفها الذي يعطيه لها زوجها، حسب ما قالت، فإن في أضيق الظروف حينما تتعثر عن السداد في بعض الأشهر ستعتمد على الاستلاف، لكن استسهالها ذلك أوقعها في بئر الديون العميق الذي لم تستطع الخروج منه نهائيًا، فمن جهة لم تستطع سداد أقساط القرض ومن جهة أخرى تزايدت ديونها.
وأشارت إلى أن أمرها افتضح أمام زوجها الذي لم يكن يعلم بسبب انشغاله بعمله فيذهب إلى العمل في الساعات المبكرة من الصباح ويعود بالمساء حاملًا معه المشقة والإجهاد، ففي إحدى الأيام استقبلته إحدى السيدات التي قامت زوجته بالاستلاف منها، لتكشف له تفاصيل ما أخفته عنه سواء الاقتراض أو الاستلاف منها ومن غيرها من الجيران.
عاد الزوج ليسأل الزوجة عن السبب وهل كان مقصرًا معها ولم يستطع سداد احتياجاتها، لم يجد منها إجابة واضحة ليقرر طردها من المنزل فتتوجه إلى أمها، وعقبها تردد على الزوج أكثر من أربعة أشخاص يطالبونه بديونها، ليكتشف أنها تداينت بمبلغ 12 ألف جنيه إضافة إلى مبلغ القرض الذي أصبح بمثابة بوابة لدخولها السجن مع الغارمات، وتخوفه على سمعة أبنائه دفعه أيضًا للاستلاف من المقربين لسداد تلك الديون.
لم تختلف "مروة" عن غيرها من السيدات اللائي أصبحن يستسهلن الحصول على القروض، إلى أن أصبح الأمر ظاهرة منتشرة بين نساء المناطق الشعبية.
سيدة تستأجر محل فارغ حتى تحصل على القرض.. والضامن ابنتها العاطلة عن العمل
"زينب" سيدة في أواخر العقد الخامس من عمرها، لجأت إلى الاقتراض، من إحدى المؤسسات في منطقة بولاق الدكرور بمحافظة القاهرة، بعد أن تداينت ووصل بها الأمر أن هددها أحد المدينين بتقديم بلاغ ضدها.
حلمها بتوفير جهاز ابنتها للزواج دفعها للديون الكثيرة، حيث قامت بشراء جزء كبير من الجهاز عن طريق القسط، وكذلك ديون ابنها الذي أرادت أن تسددها له عن طريق الديون أيضًا، قادوها نحو الاقتراض من أحد المؤسسات التي توفر القروض للسيدات فقط.
خمسة عشر ألف جنيه هو مبلغ القرض الذي حصلت عليه زينب، حسب ما ذكرت، ذلك بعد أن ضمنتها ابنتها العاطلة عن العمل أي ليس لديها أي يدخل يضمن توفر مبلغ القرض أو أقساطه، فكل منهم مضت إيصال أمانة للشركة التي حصلت منها على القرض بنفس مبلغ الاقتراض، أي بإجمالي ثلاثين ألف جنيه.
وللحصول على القرض والتحايل على شرط وجود مشروع قائم، استأجرت "زينب" محل لبيع الأدوات الصحية، ورغمًا من أن المحل فارغ من البضائع ويحتوي فقط على بعض الصناديق الفارغة، إلا أن الموظف التابع للمؤسسة الممولة عاينه وهو بهذا الحال، وصرح بأن المحل يتوفر فيه البضائع ومُكتمل.
وعن ما إذا كان هذا الموظف يتابع نشاط المحل بشكل دوري، تصرح بأنه لم يأتي لمتابعته، حيث جاء فقط مرة واحده قبل منح القرض، وتتابع: "بمجرد أن مضينا الإيصالات المؤسسة لا يهمها سوى السداد فقط أيًا كانت الطريقة".
وتستطرد: "القروض طريقها للمحاكم سريع.. والحبس سهل جدا وياويل اللي بيتأخر"، لافتة إلى أن أي تأخير يطبق عليها غرامة فيه، وبسؤالها عن مصدر التمويل الذي تقدم من خلاله تلك الجهة القروض، قالت: "أنا مش عارفة الحاجات دي هما ناس بيلفوا في الشوارع وبيقولوا انهم بيقدموا قروض".
تجربة لاستدراج أحد الموظفين للكشف مصدر تمويل القروض
حصلنا على اسم تلك الشركة من "زينب" وتواصلنا مع أحد مسؤوليها يدعى "عبدالرحمن"، لنعرض عليه تبرعاتنا لتقديمها للمتعثرين، ليرد بتكبر شديد بـ "احنا شركة مرخصة رخصة رقم واحد.. احنا نتبع الرقابة المالية".
وبعد انتهاء المكالمة بساعتين اتصل بي مرة أخرى، بحجة أنه لم يسمعني جيدا في المكالمة الأولى، ويشبه على صوتي، حينما كررت عليه الحيلة التي ذكرتها له بالمرة الأولى لاستدراجه بالحديث، رد ساخرًا: "طب ما أنا عايز قرض حسن"، لأرد عليه أن من باب أولى أن تحصل عليه من الشركة التي تعمل فيها.
وفاجأني برده أنه لم ولن يحصل على قروض سوى من البنك فقط، وبسؤاله عن ما إذا كانت الشركة تتبع بنك، رد قائلًا: "أنا مش مفوض إني أتكلم عن حاجة زي كده"، مشيرًا إلى أن الشركة لها أكثر من فرع بالعديد من المحافظات، وكل فرع عبارة عن "محفظة" مسؤول عنها أحد الموظفين ليقوم من خلاله أشخاص "سماسرة" باستقطاب المواطنين للاقتراض، ليكونوا بذلك تلك المحفظة.
وحول عدد المتعثرين، قال إن محفظفته بها عدد كبير منهم، واصفًا حالتهم بـ "الضنك"، مشيرًا إلى أن الآلاف منهم اتُخذ ضدهم إجراء قانوني وأصبحوا على وشك السجن.
وكررت عليه السؤال بطريقة أخرى حول إدارة الشركة ومن يقومون بإدارة تلك المحافظ، فكشف أنها عبارة عن مجلس إدارة مكون من مجموعة من رجال الأعمال.
تكوين مجموعة من 5 سيدات للحصول على القرض
ولم يوفر زوج "أسماء" الذي يعمل صنايعي بمهنة المحارة ويدمن الحشيش، احتياجاتها اللازمة لبيتها، خاصة بعد أن أنجبت مؤخرًا طفلها الثالث، الأمر الذي دفعها بالتفكير في الاقتراض، خاصة وأن حولها كثير من السيدات في منطقة عزبة خيرالله بالقاهرة لجأن لهذا الحل في ظل انتشار بعض السيدات يروجن له بالمنطقة.
اقترحت أسماء على شقيقتها تلك الفكرة خاصة وأن عملية الاقتراض ستكون أسهل عليهن حال شكلوا مجموعة مكونة من خمسة سيدات، وعلى الفور اقتنعت شقيقتها ليقنعوا ثلاثة من جاراتهن أيضًا بالفكرة التي تكتموا جميعهن عليها.
ومن دون علم أزواجهن توجهوا إلى إحدى المؤسسات التمويلية المعروفة بالمنطقة، ليطلبوا الحصول على القرض، فيجدوا أنهم لم يطلبوا منهن سوى صورة بطاقة الرقم القومي فقط، إضافة إلى أن يكون لديهن مشروع حتى وإن كان مشروع بيع أونلاين.
مجموعة لبيع الإكسسوارات على فيس بوك مقابل قرض بقيمة 20 ألف جنيه
على الفور أنشأوا مجموعة على موقع التواصل فيسبوك لبيع الإكسسوارات، لينطبق عليهم بذلك الشرط الأساسي للاقتراض، ويتمموه بحصول كل منهن على مبلغ خمسة آلاف جنيه، لتكشف عن أنه لم يأتي أي شخص من المؤسسة لمعاينة وضعها المالي أو المشروع، بمجرد فقط أنهم أنشأوا المجموعة للمصداقية حينما يقولون إن لديهم مشروع لبيع الإكسسوارات أونلاين، فتقول: "علشان لما أحلف إن عندي مشروع مكنش بأكدب عليهم ويكون فعلا في جروب".
وحول طريقة سداد القرض تقول "أسماء" إنه يتم عن طريق "خدمة فوري" في أي مكان، وحينما نتأخر عن يوم السداد تقوم موظفة من المؤسسة بالاتصال بنا لسداده، مشيرة إلى أن القسط المطالبين به هو مبلغ مائتين وخمسين جنيه يسددوا كل أسبوعين.
"الفجر" تتبعت الخيط وتوجهت المحررة إلى المكان الذي اقترضت منه أسماء والموجود في منطقة حدائق المعادي، وهو مكان معروف بين أهالي المنطقة بـ "مكتب القروض".
وصلت المحررة إلى مكتب موجود في إحدى العقارات بالدور الأرضي، مكتب على اليمين يجلس عليه عجوز ينظم من يدخلون المكان، وحينما طلبت منه أن يوجهها إلى موظف تستعلم منه عن طريقة الحصول على القرض، فوجهها نحو مكتب مدير الفرع.
توجهت إلى "أسامة" وهو اسم مدير فرع تلك المؤسسة التمويلية المشهرة تحت رقم 1765 لسنة 2002 لمزاولة نشاط التمويل متناهي الصغر، وشعارها "نحن نخدم مجتمعنا"، الذي يجلس داخل مكتب مخصص له، بخلاف باقي مكاتب الموظفين ونوافذ صرف القروض، فللوهلة الأولى تشعر أنك داخل بنك أو هيئة حكومية.
مدير أحد مؤسسات تقديم القروض عن شرط إقامة مشروع: "عادي مبندققش"
سألت "أسامة" عن تفاصيل طلب قرض، لأوضح له أن شقيقتي تحتاج إلى قرض لسداد ديونها، وهي ربة منزل ليس لديها أي مشاريع، ليجيب بأن المؤسسة تمنح قروض لأصحاب المشاريع القائمة، سواء كانوا أصحاب محال تجارية أو تجارة من داخل المنزل ببيع الملابس بالقسط على سبيل المثال.
وبسؤاله عن وجود ضرورة إقامة المشروع منذ فترة بعينها، رد قائلًا: "مفترض المشروع يكون شغال من سنة بس عادي مبندققش"، أما عن الضمانات المطلوبة يوضح بأن يكون من خلال شخص ضامن فقط وصورة البطاقة الشخصية.
ويشترط أيضًا توفر مخزون بضاعة لدى الشخص لن تقل قيمتها عن مبلغ القرض أي خمسة آلاف جنيه، أما في حال المعاينة وكان الشخص الذي قدم طلب اقتراض ليس لديه مشروع قائم، يقول المدير المسؤول إنه يكتب بشأنه تقرير يسمى بـ "عدم مصداقية" وهو يقضي بعدم تعامل أي جهة تمويلية معه، وهو ما لم يحدث مع أي حالة من الحالات السابقة.
مدير مؤسسة تمويلية حول المتعثرين عن السداد: بنرفع عليهم قضايا.. وكلهم حريم!.. بأخد حقي مرتين
وسألته حول مصير الأشخاص الذين لم يسددوا الأقساط، ليشير بإصبعه نحو ملف يزيد عن مائتي ورقة، مدون فيه أسماء وأرقام، فيقول: " كل دول رافعين عليهم قضايا.. وكلهم حريم!".
ويستكمل بأنه في حال التأخر عن السداد يتم رفع قضيتين بجنحة على المقترض والضامن أيضًا، لافتًا إلى أنه يحصل على إيصالات أمانة من الشخص المقترض والضامن، مستطردًا: "بأخد حقي مرتين.. الضامن بأمضيه على نفس المبلغ وهو مسؤول عن الدفع زيه زي العميل".
وتابع: "قسط البنك ملهوش علاقة بالقروض.. لو مش هقدر أسدد ما أخدش قرض لأن الجنيه في البنك بمائة تقريبا، الجنيه اللي بيأخره المقترض بيدفع كتير بدلًا منه.. يبقى اتخرب بيته بدفع قسط بفائدة وغرامة تأخير عن كل يوم.. ولو اترفع قضية تبقى كارثة.. يبقى لو شخص مزنوق مدخلش من الباب ده".
مدير مؤسسة تمويلية يستقطب محررة الفجر للعمل "سمسارة".. المقابل كبير أرباحنا ورواتبنا من القروض وفوائدها
أسهب "أسامة" في حديثه معي خاصة بعد أن حاول استقطابي للعمل معه، كمنسقة أو "سمسارة"، فوجه حديثه لي مباشرة: "في وظيفة كويسة ليكي لو عندك استعداد تشتغلي ميداني كمنسقة تنزلي تجيبي شغل وتتابعي".
وحول طبيعة عمل المنسقة، يقول إننا نختارهن بسن معين لا يتعدى الثلاثين عام، ودورها النزول إلى الشارع للترويج للمؤسسة والتعريف بها كمقدم للخدمات التمويلية، ومنح القروض لمن لديهم مشروعات حتى وإن كانت ضعيفة، واستقطاب نساء للاقتراض، ذلك على الرغم من حديثه عن خطورة الاقتراض وأن سيدات المناطق الشعبية يسلكون هذا الطريق السهل لكن تابعاته كارثية.
وتابع موضحًا بأن تلك المنسقة تعمل كسمسارة، حيث تعرض على السيدات الخدمات التي يتم تقديمها، فإذا اقتنعت إحداهن تأتي بغيرها لإقناعها وبذلك تشكل مجموعات، كل مجموعة مكونة من خمس سيدات، وتحصل على نسبة عن كل سيدة تقترض.
"المنسقة بتاخد 1200 جنيه راتب أساسي بس بتحصل على حوافز ونسبة من كل جنيه بيطلع أو يدخل الخزنة، وكذلك عدد المجاميع والأعضاء بتاخدي نسبة فالاعتماد يكون على الحافز وليس الراتب"، هكذا حاول أن يثير مطامعي وإقناعي بالعمل معهم خاصة وأن المقابل المادي كبير ويكون الجزء الأكبر منه مقابل القروض التي يتم تقديمها للمواطنين، متابعًا: "أرباحنا كعاملين في هذا المجال تكون من القروض المقدمة للناس وفوائدها".
ويذكر أن المؤسسة تقدم قروض تتراوح بين 5 إلى 100 ألف جنيه، مشيرًا إلى أن المبلغ المقدم للاقتراض يقدر حسب المشروع وحسب احتياج العميل وقدراته.
ولفت إلى أن السيولة المالية التي تقدم للمقترضين تكون نوعين إحداهما فردية لشخص يكون معه ضامن، وأخرى لمجموعات من خمس عضوات، شرط أن يكونوا من نطاق سكني واحد وعلى معرفة ببعضهم.
وبسؤاله عن هوية المؤسسة أوضح أنها قطاع خاص بإدارة القطاع العام، حيث أنه يمولها مجموعة من المستثمرين لتتبع وزارة التضامن وبإشراف هيئتي الرقابة الإدارية والمالية، مشيرًا إلى أنها جهة اقتراض مؤسسية وليست تابعة لشخص بعينه.