دراسة كنسية: كلمة طلاق لم ترد في العهد الجديد وذكرت فقط في القديم
أدلى نيافة الحبر الجليل الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، بتصريح صحفي، حول "الطلاق في المسيحية".
وقال الأنبا نيقولا أنطونيو، في دراسة له إنه: في اللغة اليونانية وهي لغة الكتاب المقدس، الترجمة السبعينية والعهد الجديد، توجد كلمتان؛ الأولى بمعنى "طلاق"، هذه الكلمة لم ترد في العهد الجديد. أما ما ورد في العهد الجديد فهي الثانية بمعنى "سَرَّحَ"، أي أطلق؛ ومن هذه الكلمة تُشتق كلمة بمعنى "تسريح"، أو إطلاق، أو معنى "كتاب تسريح"، أو "كتاب إطلاق".
كما أشار الأنبا نيقولا إلى العظة 17 على إنجيل متى فقرة 4، للقديس يوحنا يوحنا الذهبي الفم، والتي تسائل خلالها حول "هل قال المسيح لا طلاق إلا لعلة الزنا؟"، وقال: "إن في هذه العظة يقول القديس يوحنا الذهبي الفم يقول: «(قال الرب) "وقيل مَن سَرَّحَ امرأته فليعطها تَسْرِيح (كتاب طلاق). وأما أنا فأقول لكم إن مَن يُسَرِّحُ امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني. ومن يتزوج مُسَرَّحَةً فإنه يزني" (مت 31:5 و32).
وأضاف: "وبعد أن أوضح (الرب) جيدًا الأمور السابقة، بدأ الرب في عرض مفهوم الزنا بشكل جديد، فما هو؟ لقد كان هناك ناموس قديم معمول به أن من يكره إمرأته لأي سبب من الأسباب يمكنه أن يسرِّحها، وأن يأتي بأخرى إلى البيت بدلًا منها (تث 24: 1-4) [يقول الرب: "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب تسريح ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر، فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب تسريح ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة، لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست. لأن ذلك رجس لدى الرب. فلا تجلب خطية على الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبا"]. ولم يأمره الناموس أن يفعل هذا ببساطة، بل لا بد أن يعطيها كتاب طلاق حتى لا تعود إليه أبدًا، حتى يبقى الزواج في شكله الشرعي قائمًا".
وتابع: "لأنه لو لم يُشَرِّع (الرب) ذلك، لكان من الشرعي أولًا أن يسرّحها ويرتبط بأخرى، ثم يعود فيأخذ الأولى التي سرّحها، فتعم الفوضى بشكل كبير، ويتخذ الرجال زوجات الآخرين باستمرار، ولأصبح الأمر بمثابة زنا مباشر. لهذا شرِّع الرب كتاب الطلاق كنوع من تسهيل الأمور.
واكمل: "ولكن لأسباب أخرى غير التسهيل شرّع الرب هذه الأمور، لسبب شرور عظيمة. أعني أنه لو كان الرب قد أجبر أن يترك الزوج الكاره زوجته في بيته، لقتلها بسبب كراهيته لها. لأنه هكذا كان طبع اليهود الذين لم يشفقوا على الأطفال وذبحوا الأنبياء "وسفكوا الدماء كالماء"، وبالأكثر كانوا لن يرحموا النساء. لهذا سمح بالضرر الأقل ليزيل الضرر الأكبر، حتى لو لم يشرعه في ناموسه الأصلي، إذ تسمعونه يقول: "لقساوة قلوبكم أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق". حتى لا تذبحون النساء في البيوت، بل بالأحرى تسرِّحوهن (تُطلقن سراحهن). هكذا لم يحرم الرب القتل فقط، بل نزع كل مشاعر الغضب، فشرع هذا التشريع بيسر. وبهذا المفهوم استحضر في الأذهان الكلمات السابقة مؤكدًا أن أقواله ليست مناقضة لما سبقها، بل تتفق معها وتقويها، ولا تنقضها بل تكملها.
وأردف: "تأملوا في كل مرة يخاطب فيها الرجل فيقول: "مَن يسرّح امرأته يجعلها تزني. ومن يتزوج ممن سُرّحت يزني". ففي الحالة الأولى ورغم أن الرجل لم يتزوج بأخرى بعد، فإنه ملوم لمجرد الفعل إذ جعل زوجته تقترف الزنا، وفي الحالة الثانية يصبح من تزوج بمن سُرّحت (أيّ التي لم تحصل على كتاب تسريح) زانيًا لأنها على ذمة آخر. وإلا فاخبرني، الآخر سرّحها، فهي مع هذا لا تزال زوجة الذي طردها، وحتى لا تتشبث المرأة برأيها إذا أُلقي باللائمة على الزوج الذي سرّحها. لهذا أغلق (الرب) في وجهها الأبواب أمام مَن يقبلها في بيته. إذ يقول: "ومَن يتزوج ممن سُرّحت يجعلها تزني". والمسيح بذلك يريد عفة المرأة حتى لو ضد رغبتها، وحتى لا تصبح مصدرا للغيرة. وحتى تعي جيدًا أن عليها واجب الحفاظ على زوجها الذي كان من نصيبها أصلًا، أو أن تنصرف من بيته بلا ملجأ آخر، عندها ولو ضد إرادتها تحاول أن تبذل أقصى ما في وسعها لأجل استمرار الزواج.
واستطرد: "وإن لم يكن السيد المسيح قد أفصح عن هذه الأمور كلها فلا تتعجبوا، لأن المرأة مخلوق ضعيف، ولهذا في تهديده الرجال بخصوص تسريحها يقوّم من إهمالها. مثلما يكون لإنسان ابن ضال فيتركه ويوبخ الذين تسببوا في ذلك، ويمنعهم أن يتصلوا به أو يتحدثوا إليه. فإن تضايقتم من هذا التصرف، أرجوكم تذكروا أقوال الرب السابقة، وكيف يطوّب سامعيه. وسترون أنه من السهل على من يلتزم بكل الوصايا، لأن الوديع والمسالم والمسكين بالروح والرحيم هل يسرّح امرأته؟ ومن اعتاد أن يُصالح الآخرين، هل يمكن أن يتخاصم مع خاصته؟
واكمل: "وليس هكذا فقط، بل بطريقة أخرى خفّف (المسيح) الوصية لأنه ترك لنا استثناءًا، حين يقول "لا يتم هذا إلا لعلة الزنا" لأنه إن كان قد أوصى منذ البدء أن يحتفظ الزوج بها في بيته، رغم تدنيسها نفسها مع كثيرين، لجعل الأمر ينتهي مرة أخرى إلى الزنا. هل ترون كيف تتفق تلك الأقوال مع سابقاتها؟ لأن من ينظر إلى امرأة غيره بعيون عفيفة، لن يرتكب الزنا، وبذلك لن يعطي لزوج المرأة الأخرى أية فرصة لتسريحها.
واختتم: "بهذا يشدد الرب على هذه الجزئية دون تحفّظ ليجعل من المخافة حصنًا منيعًا، ملقيًا على الزوج خطرًا جسيمًا إن سرّح امرأته. إذ يحسبه مسئولًا مسئولية شخصية عن زناها. لهذا لئلا يفتكر أحد في قوله "تقلع عينيك" أن يكون مثيله أن "تتخلص من زوجتك"، فأضاف في الوقت المناسب هذا التعديل إن أراد أن يسرحها وليس لأي عذر آخر».