د. رشا سمير تكتب: جمهورية بلا إحباط
شعار (الجمهورية الجديدة) والهاشتاج الملازم له الموجود على شاشات التلفزيون طوال الوقت هو شعار يدعو للتفاؤل..نعم، فالجمهورية الجديدة هي مصر قوية الإرادة التي تخلصت من جماعة الأخوان ومتابعيها ممن بثوا في قلب الشارع المصري الإرهاب طويلا..
والحقيقة أن شكل مصر يتغير كل يوم للأفضل، شوارع ومباني وإنجازات تحتسب لنظام يحاول النهوض بمصر وقلبه عليها.
إلا أن الشئ الوحيد الذي لم يتغير، والحقيقة هو شئ بقائه دون تغيير ملموس قد يشكل عثرة حقيقيةفي سبيل النهضة المرجوة..هذا الشئ هو البشر..الإنسان، عقله وقلبه.
أنظر حولي فأجد حالة من الإحباط قد أصابت الكثيرين، إحباط في كثير من المجالات، فالمجتمع أصابهم نوع من السعار المادي الذي جعل كل الناس تحارب كل الناس، وكل إنسان يسعى للحصول على رزق أخيه وإشهار السيف في وجه الأصدقاء قبل الأعداء! فلا المطرب هو صاحب الصوت، ولا الكاتب هو حامل القلم، ولا الفنان هو المعجون بالموهبة، ولا حتى الناجح هو المجتهد.
سألت فتاة شابة تخرجت من جامعة مرموقة تبغى العمل خارج البلاد:
"لماذا تريدين الهجرة وترك الوطن، صدقيني لا شئ سيعوضك دفئ الوطن؟"
ردت علي بكل بساطة ودون تفكير:
" أريد أن أحصل على فرصة عادلة في الحياة"
للأسف تلك الحالة هي حالة من الإحباط التي أصابت الكبار قبل الصغار، لم أعد أرى أي شخص حولي سعيد في عمله ولا في معاملاته مع من حوله، حالة من الإحباط سببها هو كثير من الإخفاقات التي تحدث نتيجة أشياء عدة مثل الواسطة التي أصبحت عنوان كل شئ، النفوذ والمحسوبية وتمكين من لا قيمة له فوق أصحاب القيم والمبادئ..
ستقولون لي..وما الجديد؟ طول عمر مصر كده!.
نعم..ولكن عن أي مصر تتحدثون؟ ربما تقصدون مصر القديمة، مصر الأمس، مصر الفوضى..ولكنني اليوم أكتب عن مصر الجديدة، مصر ما بعد الثورة، مصر التي قبلت التحدي.
الشاب الذي يتقدم للإلتحاق بعمل ما وفقا لشروط مذكورة يراها تنطبق عليه ثم يجهز أوراقه ويذهب لعمل إنترفيو وكله أمل، هو نفسه الشاب الذي يجد الشروط التي لم تنطبق على زميله الذاهب بلا قلم تؤهله للفوز بالوظيفة..فيعود وهو يجر أذيال الخيبة مصابا بإحباط لا مثيل له.
والشاب الذي ينجح في الحصول على وظيفة بمجهوده ليجلس بجوار شاب آخر فاز بمكانه عن طريق تليفون بابا!، هو نفس الشاب الذي يعمل بما يرضي الله ساعيا للترقي والنجاح، في حين أن زميله لا يعمل ولا يريد أن يعمل وربما لو إضطر إلى إرسال إيميل ليحلل مرتبه، تقوم الدنيا ولا تقعد لأنه إبن فلان أو قريب فلان.
أتذكر أن من كان يدخل إلى أي مكان بالواسطة على أيامنا كان يتوارى خجلا، ويدعو الله في السر والعلانية ألا ينفضح أمره، أما الآن فصاحب الواسطة يقف بكل شمم وإيباء ويقول:
" أنت ماتعرفش أنا إبن مين؟ تحب أكلم لك أونكل فلان!"
والحقيقة أن تليفون أونكل فلان هو مفتاح السر في كل مكان، هو سبب التعيين والترقي والمكافأت والسفر والدلع!..وكل الحاجات التانية الحلوة (يمكن علشان كدة هي فيها حاجة حلوة!).
أنظر إلى الشباب المحبط الذي يبحث عن الهجرة للحصول على فرصة عمل في الخارج، وأنظر إلى المحترمين المجتهدين في كل المؤسسات الذين كسرت إرادتهم عدم المساواة، والذين يحاولون العمل والإجتهاد لإثبات تميزهم فيصابون بالإحباط عندما يتم تهميش لألف سبب لا علاقة له بالسبب الحقيقي..
أنظر إلى هؤلاء وهؤلاء وأتمنى من كل قلبي لو حاولت الدولة في إطار بناء جمهورية جديدة أن ترفع شعار #لا_للإحباط.
كم أتمنى أن نعمل على تطوير البشر والإستفادة من أصحاب المبادئ والأفكار، المجتهدين بحق لأنهم يستحقون أن يكونوا في الصفوف الأولى.
هجرة العقول الشابة هي حرب إستنزاف جديدة لا نريد خوضها، لأن الخسارة فيها هي نزيف في قلب الوطن..
فمرحبا بالجمهورية الجديدة..جمهورية بلا إحباط.