محطات مهمة في حياة رجل الصناعة الراحل محمود العربي

وأكد مقربون أن جنازة الحاج محمود العربي ستقام يوم الغد بعد صلاة الجمعة من مسجد العربي بقرية أبورقبة التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفيةمسقط رأسه. 

يعتبر الراحل محمود العربي رجل أعمال "عصامي"، حيث  بدأ حياته المهنية من الصفر، خاض خلالها رحلة كفاح طويلة، نتج عنها أن أصبح واحداً من كبار رجال التجارة والصناعة والاقتصاد في مصر.

اتسم الحاج محمود العربي بالتواضع الشديد رغم تقلده العديد من المناصب، إلا أنه رفض الوجاهة السياسية التي عرضت عليه، مفضلا حياته الاقتصادية التي اختارها.

أسس محمود العربي الذي مر بطفولة صعبة  وكان حظه من التعليم قليلاً قلعة صناعية كبرى -مجموعة العربي - وبلغ مكانة اقتصادية رفيعة، دون مساندة من أحد ودون أن يحصل على قروض من البنوك، فكان خير قدوة لكل طامح.

ولد محمود العربي في أسرة ريفية فقيرة بقرية "أبو رقبة" التابعة لمركز "أشمون" في محافظة المنوفية، عام 1932 ليتوفى والده وهو في سن صغير، انتقل بعدها إلى القاهرة.

انتقل محمود العربي  إلى القاهرة، وقرر العمل كبائع في محل صغير لبيع الأدوات المكتبية وهو بسن صغير لم يتجاوز العاشرة، وبعدها بسنوات قليلة التحق وهو في الـ22 من عمره وتحديدا فى عام 1954 بالخدمة العسكرية التي استمر بها لـ3 سنوات.

انطلق محمود العربي في عالم الصناعة، حيث بدأ بإنشاء مصنع صغير للألوان والأحبار، وحول بعدها مصنعه إلى تجارة وصناعة الأجهزة الكهربائية، وسافر إلى اليابان للحصول على توكيل من إحدى الشركات الكبرى في صناعة الالكترونيات.

أنشأ الراحل محمود العربي بعد عودته من اليابان مصنعا، وبعها قرر دخول انتخابات "الغرف التجارية" ليصبح رئيسا لها لمدة 12 عاما، واتجه إلى السياسة لفترة قصيرة، عندما أصبح نائبا في مجلس النواب  عن دائرتي السيدة زينب وقصر النيل، في تجربة وحيدة رفض تكرارها.

وتحدث محمود العربي في لقاءات كثيرة عن ظروف ميلاده ونشاته بأسرة فقيرة لم تكن تمتلك أي شبر من الأرض بكل تفاخر، ولم ينس أصله، وقال إن أسرته لم تستطع أن تقدم له سوى إلحاقه بكتاب القرية عندما بلغ من العمر 3 سنوات.

بدأ الحاج محمود العربي في حفظ القرآن، في "كتاب القرية" التي نشأ بها وهو في سن صغير، ما جعله صادقا وذو أمانة شديدة، ليبني سمعة طيبة اشتهر بها في جميع مراحل حياته، وحتى وفاته.

شارك كفاح محمود العربي أخيه الأكبر، حينما كان صغيرا وطلب منه إحضار عن ألعاب نارية وبالونات، قبل العيد ليفترشها أمام منزلهم ويقوم ببيعها لأقرانه، وقال كنت أوفر 30 قرشا وأربح 15 قرشا، ويعطي أخيه كل الأموال ليحضر بشاعة أكبر لعيد الأضحى.

وأوضح محمود العربي في لقاء سابق أن أخيه طلب منه السفر إلى القاهرة عام 1942 للعمل بمصنع روائح وعطور ولم يستمر بها إلا لشهر واحد قبل أن  يتركه لعدم حبه العمل في الأماكن المغلقة.

 انتقل محمود العربي للعمل بمحل في حي الحسين وكان راتبه 120 قرشا في الشهر، واستمر حتى عام 1949 ليرتفع راتبه راتبه إلي 320 قرشا، بعدها فضل العمل في إحدى محال الجملة لتنمية خبرته بالتجارة وكان أول راتب يتقاضاه في المحل الجديد 4 جنيهات وعمل فيه لـ15 عاما، ارتفع خلالها راتبه إلى 27 جنيها، وكان مبلغا كبيرا آنذاك حيث تمكن من دفع تكاليف الزواج.

وحصل محمود العربي على أول محل له بمنطقة الموسكي في عام 1963 عندما شارك صديق له ورجل ثري، مول المشروع الصغير بـ5 آلاف جنيه بينما هو عمل وصاحبه بالمجهود، واحتفظ بالمحل ولم يفرط به إلى مماته.

بدأ محمود العربي عمله الجديد بـ3 أيام، قبل أن يمرض صديقه، ليقرر إدراة المحل بمفرده لمدة عامين، ونمت تجارته بسرعة كبيرة فحقق محله أرباحاً تفوق أرباح 10 محلات مجتمعة واشتهر العربي بأمانته.

حول محمود العربي محله الصغير غلى شركة مساهمة عندما قرر الرجل الذي مول مشروعه الأول التخلص ن صديق العربي المريض، وهو ما رفضه العربي، ليفض الشراكة وبعدها اشترى المحل وأصبح يديره هو وأبناء صديقه المريض، ليتسدعي أخواته ويكبر مشروعه.

بدأت تجارة محمود العربي على الأدوات المكتبية والمدرسية، ولكن الحكومة قررت في الستينات صرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان، وهو ما يعني أن تجارة العربي لم يعد لها وجود، فاستعاض عنها بتجارة الأجهزة الكهربية، خاصة أجهزة التليفزيون والراديو والكاسيت.

وحول محمود العربي تجارته بالكامل إلى الأجهزة الكهربائية في منتصف السبعينات مع انطلاق سياسة "الانفتاح الاقتصادي"، وفكر في الحصول على توكيل لإحدى الشركات العالمية، وتعرف على أحد اليابانيين الدارسين بالجامعة الأمريكية، وكان دائم التردد على محلاته، وكان هذا الشخص الياباني يعمل لدى شركة "توشيبا" اليابانية، فكتب تقريرا لشركته، أكد فيه أن العربي هو أصلح من يمثل توشيبا في مصر، فوافقت الشركة ومنح التوكيل.

وزار محمود العربي اليابان في عام 1975 زار خلالها مصانع الشركة التي حصل على توكيلها، ليطلب إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر وهو ما تم فعلا، على أن يكون المكون المحلي من الإنتاج 40% رفعت لاحقا إلى 60% ثم 65% حتى وصلت إلى 95%، ومع تطور الإنتاج أنشأ شركة "توشيبا العربي" عام 1978.

وأعلنت مجموعة توشيبا العربي اليوم الخميس الموافق 9 سبتمبر 2021، وفاة الحاج محمود العربي عن عمر ناهز الـ89 عاماً، ليسدل الستار عن حياة أحد رواد الصناعة والتجارة المصريين.