د. رشا سمير تكتب: ومن العنف ما قتل!
بالأمس كانت الزهور هي رسول العشاق..وكانت الكلمة هي عنوان المحبة.
كانت الحبيبة تضع وردة حبيبها في كتاب بجوار رأسها لتغفو على أحلام تضمهما معا.
كان كيوبيد إله الحب يعتلي سحابة عالية باحثا عن عاشق يلقي بسهامه ليصيب قلبه الهائم.
أما إيزيس فلم تتراجع لحظة عن رحلة البحث الطويلة التي قضتها أيام وليالي لجمع أجزاء زوجها المتناثرة حتى عاد إلى أحضانها لتشرق شمسها من جديد.
اليوم تبدلت الصورة حين غابت شمس الحُب وراء سحابة سوداء إعتلت سماء العشق لتعكر صفو العشاق..
تبدلت الوردة بالسكين..ذهب الحب وولد الكُره..وأصبحت المشاحنات هي عنوان علاقة المودة والرحمة.
كيف تبدلت الصورة؟ هل تغير المجتمع؟ هل طغت المادة على المشاعر الإنسانية ليتبدل وجه المجتمع وتنتهي الزيجات في محكمة الجنايات بدلا من ضفاف النيل؟
كيف؟!.
على سبيل المثال وليس الحصر:
في الأونة الأخيرة إنتشرت جرائم من نوع جديد، من نوع غير معتاد، قتل الزوجات للأزواج!..
وهنا يكمن سر الإختلاف والتجديد، تعودنا أن تنتصر العضلات على الأحاسيس المرهفة، وأن يكون السلاح فقط بين أيدي الرجال لتكتفي النساء بالإنزواء والإختفاء خوفا من أن تنجرح مشاعرهن من النصل الحاد..
أما أن تحمل أصابع الجنس الناعم الأسلحة البيضاء والخضراء! فهذا هو الجديد.
ومن حكاية لحكاية..تتوالى الجرائم...
كانت آخر كلماته لزوجته على مواقع السوشيال ميديا، قبل قليل من مقتله على يديها:
«وتبقى هي أعظم انتصاراتي»
تلك الكلمات هي رسالة عريس طوخ التي قتلته زوجته نتيجة الخلاف على متطلبات المنزل ومصروفات العيد، بطعنه بسكين في صدره، حيث سقط جثة هامدة غارقاً في دمائه على الفور.
وفي واقعة مشابهة تجردت ربة منزل من كافة معاني الإنسانية وانصاغت وراء الشيطان فوضعت لزوجها داخل كوب عصير ١٣ قرص فياجرا أصابته بحالة إعياء شديدة على الفور وتوقف فوري بعضلة القلب وسقط جثة هامدة.
ومنذ أسابيع سمعنا عن زوجة تقتل زوجها في أحدى القرى السياحية الكبرى بالساحل الشمالي دون سبب واضح، قيل أنهما اختلفا على مكان للسهر وقيل أنه راقص صديقتها بشكل مثير!..الخلاصة أن الشيطان وصل إلى الساحل!.
إبتكرت الزوجات فنون جديدة في طُرق قتل الأزواج مؤخرا، فقد إستخدمن السم والمبيدات الحشرية وصبغة الشعر فضلا عن استخدام السكين، والساطور والمطواة، وبعض الأسلحة النارية في ارتكاب تلك الجرائم!.
تتوالى القضايا..وتتشابه النهايات..فقط تختلف الدوافع والطرق..
الخلاصة أن المرأة المصرية ظهر لها مخالب، وأصبح جلدها الناعم أكثر خشونة..
قبل أن ينطق القاضي بحكم السجن المؤبد أو الإعدام شنقا مع سبق الإصرار والترصد، وجب عليه أن يحقق ويسأل وأن يعود إلى الدوافع والأسباب؟
لماذا تحولت الأنثى الناعمة إلى هذا الكائن المتوحش الشرس؟.
إذا عُرفَ السبب:
تعددت الأسباب والقتل واحد..بالطبع هناك أسباب وراء إنتشار هذه الظاهرة.
وإذا عرف السبب بطل العجب.
الأسباب التي أدت إلى إنتشار هذه الظاهرة هي ببساطة نفس الأسباب التي أدت إلى إنهيار المجتمع والتردي الأخلاقي الذي طال كل شئ.
بالأمس كانت الفتاة كائن رقيق مسالم، مخلوق يتنفس الحب ويحمل الورود دليلا..كان الأب والأخ هما الحامي لها، ومن بعدها تنتقل إلى بيت زوج يقدرها ويحترمها ويضمها في حنان..
ثم ظهرت مع الوقت آفات المجتمع وتدنت الأخلاق لتظهر جرائم لم يكن المجتمع أبدا سامحا بها..
أخ يشكك في نسب أخته من أجل الميراث..أب يتحرش بإبنته المراهقة والأم تنكر..مدير يحاول إستدراج موظفة إلى الرذيلة لتترقى..سائق أتوبيس يعتدي بالضرب على أحدى الراكبات بسبب عدم وجود تذكرة..زوجة تطلب الطلاق بسبب ضرب زوجها المتكرر لها..إلخ..إلخ..
تؤكد الإحصائيات على أن 5 مليون و600 ألف امرأة يعانين من عنف على يد الزوج أو الخطيب سنويا، وهناك 2 مليون و400 ألف امرأة أصبن بنوع واحد أو أكثر من الإصابات نتيجة لعنف على يد الزوج أو الخطيب، وأن مليون امرأة يتركن منزل الزوجية نتيجة العنف على يد الزوج، كما تتعرض نحو 200 ألف امرأة سنويا لمضاعفات في الحمل نتيجة العنف على يد الزوج، لم يتعد عدد النساء اللائي يبلغن الشرطة بحوادث العنف أكثر من 75 ألف امرأة.
إلا أنه على الصعيد الآخر هناك إحصائية أكيدة من واقع محاضر الشرطة تؤكد أن 30% من السيدات في مصر يضربن أزواجن (يبدو أنه موعد جمعة رد الجميل!).
هكذا تحول العنف ضد المرأة إلى عنف مضاد، فلكل فعل رد فعل يساوي في المقدار ويضاد في الإتجاه..وتحت وطأة الضغط النفسي والجسدي ألقت المرأة بالزهرة وأشهرت السكين..
لم تفكر أو تندم وهي تقطع زوجها وتشفيه وتضعه في أكياس وتلقيه في أقرب مقلب زبالة!.
لم تنتهي الأسباب عند هذا الحد بل تطور الإنحدار الأخلاقي الذي تسببت فيه المخدرات وأغاني المهرجانات والدراما البذيئة إلى سلاح أشد خطورة جعلت فكرة العشيق الظاهرة الموجودة بقوة في الدراما مثلا، فكرة عادية، لو كانت المرأة قادرة ماديا لأصبحت خيانة الزوج شئ عادي أو الطلاق منه أو الخلع حل يسير لأنها تمتلك الإستقلال المادي، أما لو كانت لا تمتلك المادة أو الحياة اليسيرة ولا بديل أمامها من إستحمال زوج لا تحبه بدعوى نظرة المجتمع أو عدم القدرة على الإنفاق، فالحل تحول إلى إستغلال العشيق في قتل الزوج! أو قتل الزوج ثم البحث عن العشيق!.
عوامل أخرى:
العنف الجسدي واحد من الأسباب، لكن هذا لا يقلل من دور عوامل أخرى كان لها دور كبير في إنتشار ظاهرة قتل الأزواج..
كيف نغفل دور البيت وتربية الفتيات، التي جعلت طبقة من المجتمع تزرع في الفتاة مبدأ الخنوع والإستكانة وتجبرها على تقبل فكرة أن ضرب الرجل للمرأة هو أحد صور القوامة!..
وطبقة أخرى جعلت الإبنة تتمرد على الزواج وعلى فكرة إحترام الزوج بدعوى الإستقلالية والحرية النسوية!..
إذن إحتارت المرأة بين طبقتين..كلاهما مُر..في مجمع ذكوري لا يعترف بأن المرأة كائن يمتلك القدرة على تلوين الكون بألوان قوس قزح.
يأتي دور الإعلام والأفلام والكتب، هناك حرب شعواء تطلقها الفضائيات من قبل مجموعة من المذيعات اللائي تم تصديرهن على أنهن رمز المرأة القدوة واللاتي يبثن رسالة فارغة تحفز الفتيات طول الوقت على الوقوف في وجه الرجل وتعنيفه بل وسبه لو إقتضى الأمر!.
فكرة أن العلاقة تحولت بين الرجل والمرأة إلى صراع البقاء فيه للأقوى..فكرة خاطئة.
يجب أن يراجع الإعلام نفسه في برامج تقدمها مذيعات لا موهبة لهم سوى بث السموم في وجه المجتمع وشوية ماكياج وشعر صناعي!..
يجب أيضا مراجعة ضيوف الفضائيات الذين لا يجيدون سوى الهري وإشعال الفتن..
الإعلام بوق هام..وبعض مقدمي البرامج يجب التخلص منهم وفورا حتى يستقيم المجتمع وتصل رسالة حقيقية إلى البيوت المصرية.
الدراما أيضا أصبحت تقدم صور شاذة وغريبة على المجتمع المصري، حتى الكُتب تحلت عناوينها مؤخرا بأفكار غريبة وكأن العلاقة التي كانت علاقة سكن ومودة أصبحت علاقة الحرب العالمية الثالثة.
والحل:
الحل هو التربية والتعليم والثقافة والدراما..الحل هو نهضة أخلاقية وإنسانية..
الحل هو إعادة تدوير المجتمع لنستخلص المواد النافعة ونتخلص من الأخلاق المتردية والدراما الفاسدة والإعلام الإستفزازي.
الحل هو أن نستنسخ الأيام التي كان فيها الرجل ظهر وسند وقوامته منبعها تصرفاته، والمرأة هي الزهرة التي ترتدي ألوان الربيع، والمجتمع هم من يحترم الإنسان ويدفع البشر للحب بكل الحب.