أحمد عبد الوهاب يكتب: "ما هكذا يا سعد تورد الإبل- اختبارات اللغة الثانية- الثانوية العامة"
"ما هكذا يا سعد تورد الإبل" مثل عربي شهير كثير ما كنت أسمعه من أستاذي العظيم الراحل دكتور منصور- أستاذ اللغة الألمانية بكلية اللغات والترجمة- جامعة الازهر- عند نقده أمرًا لم يتم على أكمل وجه بسبب تقصير منا كطلاب وقت الجامعة. ويُعَدُّ هذا المثلُ من أشهرِ الأمثال العربيّة، وأكثرِها تداوُلًا بين المثقفين، عند ما يُؤدى شيءٌ على غير ما ينبغي أن يُؤدى عليه، فيقعَ التقصيرُ في إنجازه. وقد حضرني هذا المثل وبشدة وأنا أنظر إلى ما يحدث في اختبارات الثانوية الجديدة نظام التابلت، لاسيما في اختبارات اللغة الثانية.
ولأن لي خبرة متواضعة في تدريس اللغات الأجنبية(الألمانية والعربية للناطقين بغيرها) ظللت أردد في نفسي "ما هكذا يا رجال تدريس اللغات تورد الاختبارات"؛ فما حدث في اختبارات اللغة الثانية للثانوية العامة المصرية ٢٠٢١ "الألمانية والفرنسية كمثال" يعد من الكوارث التعليمية ومهزلة لغوية لا يمكن السكوت عليها.
فاختبار اللغة الألمانية للقسم العلمي يفوق مستوى الطالب بينما اختبار اللغة الفرنسية أقل بكثير من مستوى الطالب. وكلا الأمرين وبنظرة علمية وعملية منصفة يعد جريمة في حق التعليم وفي حق الطلاب طبقًا لمبدأ تكافؤ الفرص.
من المعروف للقاصي والداني أن هناك معايير علمية لصناعة المنهاج وما يترتب عليه من إعداد الاختبارات، ثم الأهم كيفية تنفيذ كل هذا من استراتيجيات وطرائق حديثة للتدريس. ويعود القائمون والمشروفون على تدريس اللغات الأجنبية في ذلك قطعًا إلى الأطر العالمية المعترف بها مثل "الإطارُ المَرْجِعِيُّ الأُورُبِّيُّ المُشْتَرَكُ لِلُّغاتِ"؛ وهو دليل يستخدم في وصف إنجازات المتعلمين من اللغات الأجنبية، ويحدد مستواهم اللغوي بهدف توفير وسيلة للتعلم والتدريس والتقييم تنطبق على جميع اللغات الأجنبية وتناسب المستويات اللغوية.
وبالعودة إلى اختبار اللغة الثانية في الثانوية العامة سواء كانت الألمانية أو الفرنسية نجد أنه لم يتم مراعاة الأطر ولا المستوى اللغوي للطلاب، ولنبدأ بتسليط الضوء على اختبار اللغة الألمانية هذا العام وما به من كوارث لغوية.
١- مستوى طرح الأسئلة:
يبدو أن القائمين على صياغة أسئلة الاختبار فهموا التطوير بشكل خاطئ، حيث اعتبروا أن قياس مستوى الطلاب بناء على الفهم وليس الحفظ يعني تعقيد صياغة الأسئلة، وهو ما جعل الأسئلة أحيانا غير واضحة ولا تتناسب مع مستوى طالب الثانوية العامة ولا مفرداته. باختصار تم نقل قطعة من أحد كتب تدريس الألمانية للناطقين بغيرها مستوى A2 رغم أن الطلاب طبقا لتوصيف الوزارة يدرسون مستوى A1. والأدهى من ذلك أن السيد واضع الاختبار قام بتعديل أسئلة القطعة المنقولة بأسلوبه فخرجت الأسئلة مشوهة كما يقول المثل المصري الشعبي "جاء يكحلها عماها".
٢- أخطاء لغوية بالاختبار:
ثم تاتي الطامة الكبرى أن الاختبار يشتمل على الكثير من الأخطاء الغوية والأسلوبية والثقافية. هذه الأخطاء لا تليق بمتخصص مبتدئ في تدريس اللغة، فضلا عن خبير موكل له إعداد أهم اختبار لغوي في التعليم الثانوي. وقد أدت هذه الأخطاء إلى حالة من التشتت بين الطلاب لفهم المعنى بشكل صحيح وعليه التخبط في اختيار الاجابات الصحيحة.
ويزداد الغضب بخصوص الأخطاء اللغوية أن هناك العديد من الأساتذة المتخصصين المتميزين للغاية في مصر فيما مجال تدريس اللغة الألمانية كلغة أجنبية، سواء في الجامعات أو المعاهد الكبرى المعترف بها وعلى رأسها معهد جوته. فلماذا حدث هذا؟ومن المسؤول عن ذلك؟ ولماذا لم يسند الأمر إلى أهله؟ ومن سيقوم بتعويض الطلاب عن ما فقدوه من درجات في الاختبار؟
اختبار الفرنسية:
ثم ألقي الضوء على اختبار اللغة الفرنسية هذا العام وبعد الرجوع لبعض الزملاء من معلمي الفرنسية نجد أن الاختبار جاء- على خلاف المتوقع-سهلا للغاية، وهذا أيضا ليس بالظاهرة الصحية فلا السهولة المفرطة مطلوبة ولا التعقيد الفلسفي مطلوب، ولكن اللغة المعيارية المناسبة للمستوى اللغوي للطلاب طبقًا لما تعلموه وطبقًا لتوصيف الوزارة المعتمد على الإطار الأوربي للغات المستوى A1 بلا إفراط ولا تفريط.
فإذا ما حدث وكان هناك اتجاهًا لإضافة بعض الصعوبة المتدرجة بنسب معقولة فليكن في كل اللغات بنفس القدر؛ لأنه في النهاية كل اللغات -عدا العربية والانجليزية- تصنف كلغة ثانية ولهما نفس الدرجة وهو ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب.
ثم بعد ذلك أطرح أسئلة وأود أن يجيبني أحد من المسؤولين القائمين على قطاع التعليم عنها:
١- هل تم إعداد مناهج اللغة الثانية في الثانوية العامة بناء على إطار لغوي معتبر؟
٢- هل خضعت عملية التقييمات والاختبارات لهذا الإطار؟
٣- هل تم تدريب المعلمين وتأهيلهم للمحتوى الجديد بالمناهج الجديدة، وكيفية التعامل مع الطلاب داخل الصف أو عن بعد بما في ذلك الوصول للمحتوى الرقمي ومحتوى بنك المعرفة؟
٤- هل تم إعداد وتأهيل الطلبة على هذا النظام الجديد؟
٥- هل هناك رقابة على كل اللغات بحيث تتساوى درجة صعوبة أو سهولة المنهاج والاختبارات بين كل اللغات الثانية؟ وبوضوح أكثر هل لو تم مقارنة اختبار اللغة الفرنسية بالألمانية أو الإسبانية ستكون بنفس المعايير ونفس المستوى اللغوي أم سيكون هناك فارق وميزة للغة على أخرى؟
٦- هل طرق جذب الطلاب لدراسة اللغة الثانية لاختيارها دون غيرها يأتي في إطار تطوير المعلمين وتأهيلهم وتطوير المناهج واستراتيجيات وطرائق التدريس للمادة أم في ظل السباق لمن سيحصل على درجات أكثر من أجل زيادة نسبة الطلاب وبالتالي زيادة نسبة الدروس الخصوصية؟
لأني أشرُف بالانتماء إلى اللغة الألمانية- حتى وإن كنت لا أدرِّسها حاليا في نظام الثانوية العامة المصري- يعنيني وبشدة نهضة وتطور التعليم في بلادي لاسيما اللغة العربية واللغات الأجنبية.
أنا لا يعنيني الآن هل يختار الطالب اللغة الألمانية أو الفرنسية أو الإسبانية أو غيرها، لكن يعنيني فقط أن يتعلم الطلاب لغة مفيدة تنفعهم في مستقبلهم طبقًا لشروط ومعايير عادلة يتساوى فيها كل الطلاب بغض النظر عن اسم اللغة الثانية التي اختاروها.
رسالة إلى وزير التعليم بوصفه الرجل الأول في الوزارة والقائم على عملية التطوير التي نرجوها جميعا:
كلنا نرجو التطوير ونسعى إليه خاصة في قطاع التعليم كمحور أساسي للتنمية ورفعة بلادنا لكن ما هكذا يا سيادة الوزير تورد الإبل-فرفقًا بنا وبأبنائنا ومستقبلهم وعليكم بالتدريب (للمعلم والطالب) حتى لا يضيع الأمر بين نظرية صحيحة لكن مع تطبيق خاطئ، ثم التدرج والاستعانة بأهل الخبرة من المتخصصين وما أكثرهم في بلادنا.