مصطفى عمار يكتب: أين أختفت الكتابة الساخرة؟
تعلمت فى مدرسة أستاذنا «عادل حمودة « قراءة الصحف «البايتة».. كنت أتعجب من تصرفه عندما أخبرنا به فى إحدى اجتماعات مجلس تحريره العظيم.. كيف لكاتب كبير وملهم مثل عادل حمودة أن يحرص على قراءة الصحف «البايتة».. وبمرور الوقت اكتشفت عظمة قرار كبير سحرة الصحافة.. الذى مارس فنونها وأتقنها لدرجة العبادة على مدار أكثر من ٤٥ عاما.. صنع منها متعة قبل أن تكون مهنة.. تعامل معها بلغة الرسام والنحات قبل أن يكون صحفيا أو حتى رئيس تحرير.. من مر على مدرسة عادل حمودة الصحفية سواء فى «روزاليوسف» أو «صوت الأمة» أو «الفجر» ستجده يحمل بعضا من رحيقه الصحفى.. ولكن للحق لم يستطع أى من تلاميذه الكثر أن يحقق نصف ما حققه عادل حمودة لا من حيث أرقام التوزيع وقت أن كان نجاح رئيس التحرير يقاس بأرقام توزيع مطبوعته، ولا من حيث شهرة كاتب صحفى تحققت بعيداً عن التليفزيون والسوشيال ميديا.. حمودة ينتمى لجيل صنع نجوميته ونجاحه وشهرته عن طريق ورق الصحف ولون الحبر الأسود الذى كتب به مقالاته.. أيام لا أعرف هل أختفت حقاً أم أننا نعيش أضغاث أحلام وستعود الصحافة كما كانت فى يوم من الأيام؟
وعلى مدار تاريخه الصحفى كان يعترف عادل حمودة بالكتابة الساخرة ويقدر كتّابها ويمنحهم مساحات كبيرة فى أى مطبوعة يصنعها.. فى مجلة روزاليوسف منح رسام الكاريكاتير المبدع «عمرو سليم» مساحة كبيرة ليعبر برسوماته عما يريد.. لم يكن هناك حدود أو خطوط حمراء لإبداع عمرو.. وقبله كان يوجد الرسام الكبير «حجازى» بكل ما تحمله رسوماته من إبداع وسخرية ونقد حقيقى وصادق للمجتمع المصرى وسياسات حكوماته.. وفى نفس المطبوعة كان هناك عمنا الصحفى الكبير «عاصم حنفى « وفى جريدة صوت الأمة.. لم تكن الصحيفة تكتمل بدون رسومات الفنان الكبير أستاذ «جمعة فرحات».. وبعدها بفترة قصيرة انضم لكتّاب جريدة صوت الأمة الكاتب الساخر الكبير «فؤاد معوض» الشهير بـ«فرفور».. وكل منهما متعهم الله بالصحة والعافية لا يزالوا يمتعان قارئ الفجر بما يقدماه أسبوعياً على صفحات عددها الأسبوعى فى زمن عزت فيه الصحافة الحقيقية والصحافة الباقية..
أين اختفت الكتابة الساخرة التى كانت تعبر عن هموم المواطنين وأحلامهم وطموحاتهم بلغة بسيطة ورقيقة دون أن تجرح أحدا أو حتى تسبب إزعاج لأحد.. أمر يومياً على الصحف المصرية المطبوعة وعلى المواقع الصحفية فلا تقع عينى على مقال ساخر واحد أو حتى رسمة كاريكاتير جذابة باستثناء ما يقدمه عمرو سليم بالصفحة الأخيرة بجريدة المصرى اليوم.. لاتزال هى الجريدة الأكثر تنوعاً فى الآراء بعد أن ضربتنا لعنة الرأى الواحد..
ويبقى الكاتب الصحفى عمر طاهر واحد من الكتاب الساخرين الذى استطاع بكتاباته أن يطور الكتابة الساخرة ويجعلها تتناسب مع عقلية وجمهور مواقع التواصل الاجتماعى وأن يخترق من خلالها عقول الشباب الصغيرة والنشأ.. ولكن لا أعلم سر غياب عمر طاهر عن الكتابة..
لم يعد فى الصحف المصرية ما يجعلك تستعجل قرأتها فور طباعتها، ولم يعد مهم أن تقرأ صحيفة يوم السبت يوم الثلاثاء.. فالكل أصبح متشابها لحد كبير ولكن فى الحقيقة تبقى جريدة «الفجر» الأسبوعية ومجلة «روزاليوسف» وصحفيتى «المصرى اليوم والشروق» بها ريحة من زمن الصحافة الجميل.. وبعض مما يقدم من ملفات على صفحات جريدة الوطن وبعض المعالجات الصحفية التى تقدمها جريدة الدستور وملحق الجمعة بصحيفة الأهرام.. أتمنى أن تعود الصحافة كما كانت وأن تشفى من هوس متابعة الترند وإرضاء جمهور السوشيال ميديا.. تاريخ مصر فى الصحافة أهم وأكبر من أن نختصره فى جريدة واحدة أو موقع صحفى واحد.