أحمد عبد الوهاب يكتب: "على طاولة الذئاب"
اجتمع كبير الذئاب مع رفاقه من الضباع على طاولة المناورات يدبرون ويخططون خروج الحصان الأصيل من وطنه ومن أرضه.
على طاولة المفاوضات بدأوا يخادعون الحصان بالكلام المعسول تارة، وبالعنف والتهديد تارة أخرى ليقبل بالسلام أقصد الاستسلام. وعلى نفس الطاولة يُغَض الطرف عن بطش وعدوان الضباع الغاصبة، بل يمدونها بأنياب ومخالب فتاكة صنعوها بأيديهم ثم يدعون-بسلام زائف- معشر الحيوان لوقف الحرب حقنًا للدماء "حي على السلام، حي على السلام".
الحقيقة هي ليست طاولة للمفاوضات بل طاولة للطعام الفاسد اجتمع عليها الفسدة من الذئاب والضباع الغاصبة حيث سياسة الكيل بمكيالين والحديث بأكثرَ من وجه لتتوافق مصالحهم ويفترسون الحصان الأصيل.
على طاولتهم دار هذا الحوار بين كبير الذئاب مفاوضًا باسم الضباع ومراوغًا الحصان "صاحب الْأرض" على العرض:
🐺كبير الذئاب: صديقنا الحصان لي عتاب لي عتاب، لمَ ترفض يا أخي السلام؟
🐎الحصان: أنا؟ أنا لا أرفض السلام، مرحى وأهلا بالسلام.
🐺كبير الذئاب: بوركت فهكذا يكون الكلام، لا صوت يعلو فوق صوت الاستسلام
🐎الحصان: الاستسلام؟ ويحك يا لئيم الذئاب!
🐺كبير الذئاب: سامحني هي فقط ذلة لسان، وما قصدت إلا السلام. ولأثبت لك صدقي ومحبتي سأظل هنا بأرضك أقصد أرضنا.
🐎الحصان: تظل بأرضي؟ لعلك تقصد تمكث يومًا ضيفًا عندي أو حتى ثلاثة أيام، لا بأس فنحن يا سادة كرام، فلتكن الضيف ولا تثقل وامض بعد ثلاث بسلام فهكذا يكون السلام.
🐺كبير الذئاب: يومًا وثلاثة أيام؟ لا لم أقصد، بل أبقى هنا طيلة عمري، يكبر ولدي، يرتع يجري، ينعم بالنور وبالزرع، يشرب من الماء ولا يمضي، بل يبقى طويلا في المرعى. ولن يخرج، فالأرض صارت أرضي.
🐎الحصان: ولدك في أرضي لماذا؟ اغرب يا هذا! اذهب ابحث عن أرضك عن وطنك، ابحث عنه بعيدًا عني، اغرب عن وطني وعن عرضي.
🐺كبير الذئاب: أرضي وطني؟ اسمع مني، أنا في الأصل ذئب شارد بلا أرضٍ بلا وطنٍ فلتخرج أنت وكفاك ما عشت طويلا ترعى وتأكل. هيا اخرج، ابحث عن دار أخرى فالوقت الآن هو وقتي والأرض الآن هي أرضي والوطن الآن هو وطني والقوة تعرفها في يدي.
🐎الحصان: أراك تهذي، أَخرجُ من أرضي يا لَوقاحتك! هيا اخرج فورًا من وطني يا هذا لا الأرض ولا الوطن مكانك.
🐺كبير الذئاب: أخرج منها يا للعجب!
انظر، تعجبني الخضرة في أرضك أقصد أرضي، يعجبني النهر اللامع في الأفقِ، يعجبني المسجد والمعبد، تاريخ جدودي ولو كذبًا. أخرجُ منها؟! تبًّا لن أخرج أبدًا. بل أنتَ ستخرج ولن ترجع، هيا اخرج منها أو ابق لتؤكلَ أو تُدفن.
🐎الحصان: أتظن بأني أخشى أنيابك؟ أتظنني تاركك تسرق أرضي، تسلب عرضي؟
🐺كبير الذئاب: ماذا عساك أن تفعل؟ هيا دافع عن نفسك إن تقدر. هيا اضرب. لكن قبلها أخبرني هل معك حجارة تكفي، هل تقدر وحدك أن تهزمني أم أنك تدعو وتصلي. اراك وحيدًا، أين الأهل والولد؟ هيا جرب هاجمني وارقب ما أفعل- إن تفعل أو لا تفعل- تقتلك مخالبي غدرًا، وأنيابي تعرفها قطعًا، لا ترحم؛ كم قتلت أطفالًا ونساًء وشبابًا أو حتى شيوخًا ولو كانوا قعودًا، لا تفرق.
ثم أعوي بأعلى الصوت بأنك تقتل ولدي، تحرق أرضي، تُرهب تفسد طول الوقت.
🐎الحصان: أتظن يصدقك خلق الحيوان الطيب؟
🐺كبير الذئاب: خلق الحيوان؟ الخلق يصدق ما نكتب، ما نحكي؛ فالصورة نرسمها نحن، نظهر منها ما نحب ونخفي منها ما نكره، هذه لعبتنا، صنعتنا. صدقني سيصدق أو يصمت يجبن، يخرس في خوف يمضي.
🐎الحصان: حسبك يا هذا لا تغتر، الأرض بلادي وبلاد جدودي من قبلي وبلاد بنيّ من بعدي، ولعلك تنسى أو تتناسى ماضيك وماضينا. هل تنسى أنّا إن قمنا لن يقعدنا أحد دون النصر؟ أما أنت فمختبئ خلف الأسوار تخشى أن تُجرح أنيابك أو تخدش حتى يداك.
وفجأة! سُمعَ من أدناها إلى أقصاها أصوات خيولٍ أبيّة وفيّة، تعدو ضَبحًا قَدحًا، تَجلبُ نصرًا مدويًّا، فانتفض الذئب الغاصب يهرب.
أرأيتم يجري يهرب، لو كانت أرضه ما يهرب، لو كانت عرضه ما يترك.
أخبرتك لن تبقى طويلا وسترحل. وأنا باق حتى وإن مت، سيأتي ولدي دومًا من أدنى ومن أقصى ليعيد الأرض في الأدنى وفي الأقصى."
( تنويه)
الحوار المكتوب تخيلي في عالم الحيوان، في حال وافقت أحداثُه مواقف مشابهة في عالمنا فهو من باب الصدفة. ورغم الألم لا يزال يحدونا الأمل أن يعم السلام والأمان في عالم الإنسان والحيوان.