"ومقام سيدي الطشطوشي".. عن الرجل الذي كان يستأذنه السلطان قايتباي قبل السفر
اعتاد الكثيرون على استخدام عبارات وصيغ للقسم والحَلف؛ وذلك لإضفاء قدر من المصداقية على أقوالهم وأفعالهم ورغم إجماع الفقهاء على عدم جواز الحَلف بغير الله تعالى.
ومن أشهر صيغ القسم والحَلِف التي كثيرًا ما تتردد على لسان البسطاء، مقولة "ومقام سيدي الطشطوشي" فما هي حكايتها كما رصدتها الباحثة بوزارة السياحة والآثار إيمان محمد العابد دكتورة الأثار والفنون الإسلامية والقبطية.
وأشارت العابد إلى أن تلك العبارة تتكرر على مسامعنا من خلال ورودها في الأعمال الدرامية المختلفة و"الطشطوشي" كما يعرفه البسطاء هو الشيخ محي الدين عبد القادر بن العارف بالله بدر الدين شرف الدين موسى الدشطوطي وليس الطشطوشي كما هو متداول بين البسطاء من الناس وينتمي لقرية دشطوط التي ولد بها بمركز ببا الكبرى بمحافظة بني سويف.
ومن ناحيته قال الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار إن الدراسة أوضحت أن " عبد القادر الدشطوطي" كان شافعي المذهب واشتهر بكونه ناسكًا زاهدًا لا يأكل من الطعام إلا القليل ولم يكن له زوجة ولا ولد، عاش طوال حياته دون أن يهتم بمظهره؛ فدائمًا ما كان يسير مكشوف الرأس لا يحلق شعره مرتديًا جبة خشنة.
ويعد الشيخ " عبد الوهاب الشعراني"، أشهر تلاميذ الشيخ عبد القادر الدشطوشي، ووصف الشعراني شيخه بأنه كان من أكابر الأولياء، صاحبه طيلة عشرين عامًا وكانت هيئته تشبه المجاذيب ولمّا فقد البصر صار يتعمم بجبة حمراء عليها جبة أخرى، فإذا اتسخت تعمم بالأخرى، وكان يسمى بين الأولياء بـ "صاحب مصر".
وأضاف ريحان أن المراجع تتفق على أن الشعراني كان قد اجتمع بشيخه "الدشطوطي"، وكان دون البلوغ، في أول أيام رمضان سنة 912 هـ، وأخذ منه "البركة"، ويقول "الشعراني": أن الدشطوطي قال له: اسمع هذه الكلمات واحفظها، تجد بركتها إذا كبرت.. فقلت له: نعم.. فقال: "يقول الله عز وجل: يا عبدي لو سقت إليك ذخائر الكونين فملت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا، فحفظتها فهذه بركتها".
وأشار ريحان من خلال الدراسة إلى كرامات الشيخ الدشطوطي حيث يذكر "الشعرانى" أن شيخه "الدشطوطى" كان "صاحب أحوال" فيقول الشعرانى في "الطبقات الكبرى" (قالوا إنه ما رؤى قط في معدية، إنما كانوا يرونه في مصر، والجيزة، وحج رضي الله عنه ماشيًا حافيًا، وأخبرني الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري رحمه الله، أنه لما وصل إلى المدينة المشرفة، وضع خده على عتبة باب السلام، ونام مدة الإقامة حتى رجع الحج، ولم يدخل الحرم، وعمر عدة جوامع في مصر، وقراها، وكان رضي الله عنه له القبول التام عند الخاص والعام، وكان السلطان قايتباى يمرغ وجهه على أقدامه).
كما يذكر الشعرانى بعضا ً من كرامات شيخه "الدشطوطى"، ومنها كرامات كثيرة يتفق فيها أولياء الله الصالحون، وما يتردد عنهم ؛ منها ما يرويه الشعراني (حلف اثنان أن الشيخ نام عند كل منهما إلى الصباح في ليلة واحدة في مكانين، فأفتى شيخ الإسلام جلال الدين السيوطي بعدم وقوع الطلاق)
واقعة أخرى يرويها الأمير يوسف ابن أبى أصبغ ؛ حيث يقول (لما أراد السلطان قايتباي أن يسافر إلى بحر الفرات، استأذن الشيخ عبدالقادر الدشطوطى في السفر، فأذن له، فكنا طول الطريق ننظره يمشى أمامنا، فإذا أراد السلطان أن ينزل إليه يختفي، فلما دخلنا حلب وجدنا الشيخ رضي الله عنه ضعيفًا بالبطن في زاوية بحلب مدة خمسة شهور، فتحيرنا في أمره رضي الله عنه).
وتوفى الشيخ الدشطوطي فى اليوم التاسع من شعبان سنة 924 هجريًا عن عمر يناهز ثمانية ثمانون عامًا ودفن بمسجده الكائن بالقاهرة.
وأوضح الدكتور ريحان أن مسجد ومقام الدشطوطي يرجع للفترة ما بين عامي 912 ـ 914 هـ 1506م ؛ خلال عهد السلطان قنصوى الغوري، أحد سلاطين دولة المماليك الجراكسة ؛ ويقع ضريحه في الركن الشمالي الشرقي لمسجده الشهير المطل على شارع بورسعيد بالقرب من ميدان باب الشعرية.