عادل حمودة يكتب: سؤال أمريكى عاجل: متى يدفن أردوغان؟

مقالات الرأي



المخابرات المركزية: السرطان عاد يهدد أحلام الخلافة 

أردوغان: بايدن فى عمر 78 سنة يميل إلى التفاهم لا إلى التهديد

خلافات واشنطن وأنقرة تمتد من أكراد سوريا إلى صفقة «إس 400» الروسية والعقوبات تحرم تركيا من المشاركة فى تطوير الطائرة «إف 35 يو إس»

روسيا ليست حليفاً لتركيا وسبق أن تواجهتا فى ليبيا وأرمينيا

متى يدفن أردوغان؟.

ثلاث كلمات سوداء صادمة اختارها مايكل روبن عنوانا لتقريره الصحى والسياسى عن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان نشره مؤخرا فى مجلة ناشيونال إنترست.

مايكل روبن محاضر فى كلية الدراسات البحرية العليا وكان مسئولا سابقا فى البنتاجون عن الشرق الأوسط وهو أيضا واحد من أشهر باحثى معهد إنتربرايز الأمريكى للدراسات السياسية والديمقراطية المحافظة وينشر كتاباته فى مجلة ناشيونال إنترست المتخصصة فى الشئون الخارجية والتى تصدر عن مركز «نيكسون» فى واشنطن.

وسبق أن شاركنا معا فى ندوة عن الإخوان نظمها ماجد رياض مصرى أمريكى عضو فى الحزب الجمهورى حضرها ضياء رشوان ومصطفى الفقى وجمال عنايت وكانت نوعا علنيا من المواجهة اختيرت زيارة محمد مرسى إلى نيويورك توقيتا ومكانا لها.

مؤخرا ركز روبن اهتمامه على أردوغان حتى أصبح يعرفه ككف يده وجاء تقريره الأخير بعد استقرار جوزيف بايدن فى البيت الأبيض كاشفا عن حجم العداء بينهما ولكنه بدأ بسؤال غير متوقع:

« هل سيعيش أردوغان حتى يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة فى بلاده عام 2023؟».

وفضحت الإجابة الكثير من المعلومات المخفية:

فى 26 فبراير دخل أردوغان عامه السابع والستين مصابا بأزمة صحية صعبة هددت حياته وفرضت عليه البقاء فى جناح معزول من القصر الرئاسى فى أنقرة دون الكشف عنها للرأى العام.

يقع القصر الرئاسى فى منطقة بشتية على مساحة 300 ألف متر مربع من أرض غابات زرعها أتاتورك أزيلت أشجارها وسط احتجاجات المعارضة وأنصار الحفاظ على البيئة.

تعمد أردوغان أن يكون القصر أكبر من البيت الأبيض بنحو 58 مرة حيث يضم 1150 غرفة ضيافة وحديقة نباتات نادرة ومركز مؤتمرات وغرف عمليات عسكرية قادرة على صد هجمات نووية وكيميائية وبيلوجية وتحكم عن بعد فى مؤسسات الدولة بالأقمار الصناعية.

أما المنطقة الخاصة بالعائلة الرئاسية فتضم 250 غرفة ومسجدا ومركز ترفيه وملاعب محصنة بزجاج ضد الرصاص ومستشفى طوارئ مجهز بمعدات تناسب الأزمات الصحية التى تعرض لها أردوغان وتستدعى علاجه سرا حتى لاتتسرب الأنباء إلى المعارضة.

فى ذلك القصر الذى شاب تشييده فسادا ماليا فادحا صعب إخفائه يعيش أردوغان سلطانا حقيقيا يحلم بخلافة ممتدة شرقا وغربا ولا يهدد حلمه سوى المرض.

فى صيف عام 2006 أغمى عليه وهو فى سيارة مصفحة ولكنه سرعان ما استرد وعيه ولكن الإغماء تكرر بعد خمس سنوات وهو فى مسجد يصلى ولكن هذه المرة احتاج استرداد الوعى إلى علاج مكثف فى مستشفى استمر 72 ساعة.

وفى تلك الفترة من عام 2011 اكتشف الأطباء وجود سرطان فى القولون فرض عليه جراحة عاجلة لاستئصاله.

وحسب طبيب ألمانى تحدث إلى جريدة بيلد بعد عشر سنوات من الجراحة: أن أردوغان تجاوز خطر السرطان بشكل كامل على غير المتوقع وربما كان السبب حالته المعنوية المرتفعة عادة بسبب شعوره بأنه مبعوث العناية الإلهية لاستعادة الإمبراطورية العثمانية رغم ما تعانى بلاده من مشاكل خانقة تتزايد يوما بعد يوم.

ولكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ترى أن حالة الإغماء عادت إليه من جديد وتشكك فى تجاوزه للسرطان حيث لا يزال يبتلع يوميا أقراصا من مجموعة أدوية أمريكية حديثة وغالية وغير متداولة لتقليل احتمال انتشار السرطان من جديد ولكن بنسبة ضمان لا تزيد على خمسين فى المئة.

وحسب المصدر نفسه فإن فرص فوزه أو هزيمته فى الانتخابات الرئاسية القادمة تتساوى بالنسبة إليه بل لو كسب الانتخابات سيزداد شراسة فى الداخل ويضاعف من الأزمات التى يثيرها فى الخارج ولو خسر الانتخابات فإن المعارضة التى سيقودها ستكون أقوى من النظام العلمانى الذى سيأتى به حزب الشعب.

ولكن السؤال الحرج: هل سيكون قادرا صحيا على مواصلة حياته السياسية سواء فى الرئاسة أو المعارضة؟.

يبدو أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية لديها من المعلومات ما يجعل طرح السؤال موحيا بإصابته بأمراض ما تحرمه من تحقيق طموحاته.

أو غالبا ما سيتطور السرطان خلال الخمس سنوات المقبلة بحيث يكون موته صعبا بعد معاناة تضاعف تزيد من قسوة الألم حتى تفيض روحه أما الموت المريح بالنسبة إليه فلن يتحقق إلا بحالة إغماء لا يفيق منها.

ولكن المخابرات الألمانية الأشد اختراقا لتركيا لا تقبل بالتقارير الصحية الأمريكية وترى أن الشيطان لايزال قادرا على أن يعظ.

والحقيقة أن هناك العديد والعديد من القضايا الشائكة فى الملف التركى الموضوع حاليا على مكتب بايدن وكل قضية من شأنها تفجير مشكلة سياسية بين البلدين.

ومن الواضح أن بايدن لا يطيق أردوغان وسبق أن أعلن قبل انتخابه: إنه سيعرف كيف يتعامل معه بشدة؟.

وأول مظاهر الشدة أن واشنطن ستقف إلى جانب الاتحاد الأوروبى إذا ما قرر توقيع عقوبات على تركيا فى مارس الحالى كما أن واشنطن تساند اليونان وقبرص فى شرق المتوسط بحثا عن الغاز فى مواجهة الضغوط التركية.

ولكن تظل أزمة الصواريخ الروسية إس 400 المضادة للطائرات قائمة حتى الآن بعد أن عارضها ترامب إلى جانب حلف الناتو.

ولكن أردوغان يصر على موقفه ولا توجد لديه نية للتراجع عنها خاصة بعد وصول الدفعة الأولى من الصواريح وجربها بالفعل.

وفى نية بايدن توقيع مزيد من العقوبات على تركيا لإجبارها على إلغاء الصفقة بعد العقوبات التى فرضها عليها ترامب فأبعدها عن مشروع تطوير طائرات إف 35 وعدم منح تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة للعاملين فى صناعة السلاح من الأتراك.

وبوصول بايدن إلى البيت الأبيض تجدد الشعور بالأمل لدى الأكراد فى سوريا بأن تعود الولايات المتحدة وتجدد تحالفها معهم بعد أن سحب ترامب بعضا من القوات الأمريكية مما ضاعف من التواجد التركى على حسابهم.

وعلى الجانب الآخر يبدو أن كثيرا من الأوراق الجيدة التى كانت فى يد أردوغان فقدت تأثيرها.

كان أردوغان يهدد باستخدام سلاح اللاجئين بفتح الحدود أمامهم ليتدفقوا بالملايين على أوروبا واستجابت ألمانيا إلى ابتزازه ودفعت إليه 6 مليارات دولار سنويا لرعاية اللاجئين وبالقطع ساهمت تلك المليارات فى تنشيط الاقتصاد الخامل.

ولكن هذه المرة هددت أوروبا بفرض عقوبات مؤلمة عليه ستكون ضربة قاصمة للاقتصاد التركى.

وكانت الولايات المتحدة تخشى من سياسة شد الحبل أمام أردوغان خشية أن ينتقل إلى روسيا ويتخذها حليفا بديلا ولكن روسيا أوضحت أنها لا ترى فى تركيا دولة حليفة بل ترى أنها دولة صديقة وشريكة فى بعض القضايا بل إنهما كثيرا ما اختلفا كما حدث فى ليبيا وكما حدث فى أرمينيا.

وفى الوقت الذى تسعى فيه روسيا لإشراك أكراد سوريا فى الحل السلمى وتوافق على تمثيلهم فى حكومة جديدة.. نفس الموقف الأمريكى إلى حد كبير.. ولكن تركيا ترفض ذلك كله.

ولكن على الضفة الأخرى من النهر يشعر أردوغان بأن متاعب بايدن الداخلية التى سببها ترامب قبل رحيله عن البيت الأبيض ستجعله مشغولا بإعادة ترتيب البيت من الداخل خاصة أن الانقسامات التى مزقت الشعب الأمريكى فى شهور صعب علاجها فى سنوات.

كما يشعر بأن عمر بايدن 78 سنة لن يشحن قواه نحو التغيير الراديكالى الحاد بل سيفرض عليه نوعا من الحكمة لتحقيق ما يريد بالتفاهم لا بالتهديد وفى هذه الحالة لن يجنى من الثمار إلا ما سقط من الأشجار.

ويثق أردوغان بأن بايدن لن يغامر بإخراج تركيا من حلف الناتو حيث تشكل العدد الأكبر من جنوده كما أن القواعد الأمريكية هناك تحد من رغبات بوتين فى التمدد نحو دول المنطقة بعد أن سيطر تماما على سوريا.

كما أن بايدن لا يريد إضعاف تركيا حتى لاتزداد إيران قوة.

لكن هناك ورقة حاسمة لو سقطت ستتغير المعادلات السياسية فى دوائر الشرق الأوسط وشرق المتوسط وأوروبا بل إفريقيا حيث تمدد أردوغان وحيث أشعل الفتن وأثار الاضطرابات وشجع على الانقسامات.

تلك الورقة ورقة الصحة التى جعلت مايكل روبن يتساءل عن موعد دفن أردوغان وكأن الحالة التى عليها تفرض البحث عن إجابة عاجلة وإلا داهمنا الوقت.

وربما أصبح عليه تذكر المثل التركى الذى شاع بين سلاطين الإمبراطورية العثمانية التى يخطط لعودتها:

إنك لن تستطيع أن تسكن بيتا فى كل العصور.

بمشاركة: الحسين محمد