عمرو حسن يكتب: "فتش عن السكان"
لن تنطلق مصر وتتحق شخصيتها الكامنة بوجهها الحقيقي، إلا إذا تحررت من عبء الزيادة السكانية التي تشل حركتها وتثقل خطاها ، وتضغط على أخلاقيات الشعب ونفسيته وشخصيته، بما يهدد جوهر معدنه في الصميم، فإذا كان بناء السد العالي قد حررنا من فيضانات النهر العشوائية، و إذا كان تنويع الإنتاج يحررنا من ذبذبات السوق العالمية ،و انتاج السلاح وتنويع مصادره لاستقلال قرارنا السياسى والعسكرى، فإن ضبط النمو السكاني الكبير يجب أن يكون هو كلمة المستقبل ، وأن يكون شعارنا الاجتماعي " الحياة الجيدة قبل الجديدة" ، وأن يكون لدينا ، التخطيط السكاني، وتخطيط الأرض ، هو أول وأهم فصول التخطيط القومي
ولهذا ؛ أؤكد أن الفقر إذا كان نتيجة لزيادة عدد السكان فإنه سبباً أيضاً ، ونحن الآن أمام خيارين إما تنظيم الانجاب أو زيادة الفقر و الجوع و الامية ، فمصر لديها فائضاً ضخماً من السكان يزيد على إمكانيات البلد الراهنة ، فالمجتمع المصري يتناسل بصورة مذهلة تحرمه من أن يتمتع بمستوى معيشة المجتمعات العصرية.
وإذا كان جيلنا قد ورث مشكلة الزيادة الكبيرة في عدد السكان من الأجيال السابقة ، فعلينا نحن أن نحسم هذه المشكلة ونغلق هذا الملف نهائياً حتى لا نظلم الأجيال القادمة إذا ما تركنا لهم المشكلة مضاعفة.
وفي كتابه العبقري " شخصية مصر " وضع العلامة الدكتور جمال حمدان ، قاعدة عامة لكل مشاكلنا وهي قاعدة " فتش عن السكان " ، فهو يقول إن المشكلة السكانية في مصر هي واحدة من أخطر المشكلات التي تواجهها ، إنها المشكلة الأم أو المشكلة المفتاح التي تكمن أصابعها خلف أي مشكلة نوعية في حياتنا اليومية ويقول أيضا : ما من مشكلة في مصر إلا ومشكلة السكان طرف اساسي فيها وتكمن خلفها : الزراعة و الصناعة ، العمالة ، الدخل ، مستوى المعيشة ، التمدن ، القرية ، الإدارة .... إلخ.
إنها القاسم المشترك الأعظم ، والعامل القاعدي الجذري ، في كل مشاكل مصر ، إنها المشكلة الأس والرأس ، ومن هنا فلا حل لأي مشكلة في مصر أو لمشاكل مصر ما لم يبدا من مشكلة السكان . " السكان أولا " ، "السكان وإلا فلا " ، يعني ، وإلا ففاشل كل علاج لأي مشكلة أخرى ما دامت تلك المشكلة قائمة وقال أيضا : إذا كان علماء السكان بيسمون خطر تناقص المواليد نتيجة إفراط ضبط النسل في الغرب " بانتحار الجنس " ، فإن لنا بالتأكيد أن نسمي خطر طوفان النسل عندنا بالانتحارالسكاني " وإن الكم لم يتناسب قط تناسب عكسيا مع الكيف مثلما يفعل الآن في حالة السكان عندنا ، إن حجم السكان قد فاق حجم الإنتاج ولا نقول الموارد ، وأن نمو السكان قد تجاوز نمو الدخل ، وأن مصر تعاني الآن من الندرة في كل شي تقريبا إلا شيئا واحدا " تعاني " فيه من الوفرة إلى حد التخمة والإفراط وهو السكان ، ولن تتغير مصر وهي تعاني من إفراط السكان كما قال : إن إفراط السكان أصبح عبئا حقيقيا علي تنميتنا الاقتصادية ، ويهدد الأن بأن يضعنا تحت رحمة ضغوط السياسة العالمية التي تتخذ من القمح سلاحا تعسا للحرب الاقتصادية ، ثم يتابع صاحب شخصية مصر معلنا : إن مشكلتنا السكانية المجسمة أحد الأسباب التي أذلت عنق مصر للصديق والعدو ، إن كل طفل يولد الآن في مصر يخفض من وزنها ومكانتها السياسية ، وليس العكس .. وأكد على أن المشكلة السكانية تكمن وراء الانحدار في كل شئ ، ابتداء من الغذاء والتغذية إلي جودة الصناعة ونوعية الإنتاج إلى مستوى الخدمات والأداء والإتقان والنظافة والذوق بل وحتى مستوى الخلق والأخلاقيات في المعاملات اليومية العادية ، ويسجل أن ضغط السكان قد أخذ يضغط على أخلاقيات الشعب ونفسيته وشخصيته بما يهدد جوهر معدنه في الصميم ، وأن الموقف يقينا قد تجاوز ضغط السكان الحميد إلى إفراط السكان الخبيث ، وأن إفراط السكان يمكن أن يكون مقتل مصر ما لم نسارع نحن فتقتله قبل أن يستفحل ويستشري.