عبدالحفيظ سعد يكتب: نجاح مهمة القيادة الجديدة فى ليبيا مرتبط بطرد القوات الأجنبية وتفكيك الميليشيات المسلحة
ورطة تركيا بعد رحيل مجلس «السراج» التابع لأنقرة
الظرف الدولى ساهم فى مباركة الاتفاق خاصة بعد تغير الإدارة الأمريكية
سيتعين على القيادة الليبية الجديدة إعادة النظر فى الاتفاقيات التى أبرمتها الحكومة السابقة
الميليشيات المسلحة تدرك أن الوصول لتشكيل مؤسسات وطنية يدمر مخططها للبقاء على الأرص
تدخل ليبيا فى مرحلة جديدة عقب اختيار ملتقى الحوار برعاية الأمم المتحدة فى جنيف، قيادة جديدة وستكون المهمة الرئيسية للقيادة الانتقالية التمهيد لعملية سياسية شاملة تنتهى ويتطلب ذلك إعادة عمل المؤسسات الليبية وتوحيدها بين الشرق والغرب، والعمل على تقديم الخدمات لليبيين، والعمل على استفادة الشعب الليبى من خيرات النفط، بما يهدئ من الصراع المشتعل بين الفرقاء الليبيين.
وتعد أبرز مهام القيادة العمل على إجراء الانتخابات النيابية، طبقا لجدول أعمالها بنهاية العام الحالى بإجراء انتخابات برلمانية.
ونجد أن القيادة الجديدة وعلى رأسها محمد المنفى رئيس المجلس، ورئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، أمامها عقبة إثبات أنها تعمل على مصلحة الشعب الليبى والحفاظ على وحدة أراضيه. وتعد نقطة إثبات القيادة الجديدة فى ليبيا، أنها لا تخضع إلا للمصلحة القومية والوطنية للشعب الليبى أحد أهم النقاط فى مهمتها، خاصة أن اختيارها جاء وفقا لآلية دولية وبرعاية الأمم المتحدة.
ومن هنا نجد أن عليها القيام بعدة تحركات لتثبت جدارتها فى إدارة المشهد الليبى ولا تتحول مثل القيادة السابقة بقيادة فائز السراج، والذى كان ضعفها وارتباطها بأجندة إقليمية لتركيا وتحالفها مع الميليشيات، أحد الأسباب التى أدت لإطالة أمد الحرب فى ليبيا، خاصة بعد أن سمحت بتكوين الميليشيات المتطرفة، وصولا للسماح للتدخل العسكرى التركى المباشر فى ليبيا.
1- الظرف الدولى لنجاح الحكومة الجديدة
ربما مهد الظرف الدولى والإقليمى الحالى وأجواء المصالحة فى نجاح عملية اختيار القيادة الجديدة فى ليبيا، وعدم تصعيد أطراف لفرض رؤيتها للصراع فى ليبيا، خاصة أن نتيجة عملية الانتخابات كانت مفاجأة بعد أن أطاحت بالقائمة التى تضم كلا من رئيس البرلمان الليبى عقيلة صالح، ومعه وزير الداخلية فى حكومة السراج فتحى باشاغا، من رئاستى المجلس الانتقالية ورئاسة الحكومة فى عملية الانتخابات خلال الجولة الأخيرة من انتخابات ملتقى الحوار الليبى فى جنيف، أمام تحالف «المنفي» و«الدبيبة».
ورغم المفاجأة إلا أنه كان هناك ترحيب بالاختيار، خاصة من الجيش الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، وكذلك من الأطراف الإقليمية خاصة مصر والسعودية والإمارات، وكذلك دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا، وروسيا، وعلى مضض رحبت تركيا بالاختيار. ونجد أن الظرف الدولى والإقليمى، ساهم بشكل ما فى مباركة الاتفاق، خاصة بعد تغير الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن، والذى تختلف سياسته عن خلفه دونالد ترامب فى إدارة الملف الليبى، خاصة فى جزئية التدخل الأجنبى فى ليبيا وإدارة صراع شرق المتوسط، فكانت إدارة ترامب تدعم بشكل أو آخر التحركات التركية. ولم تعترض بشكل واضح، على اتفاق الأمنى بين حكومة السراج وتركيا. واعتبر البعض أن الموقف الأمريكى بقيادة ترامب وقتها، أحد الأسباب فى إقدام تركيا على جلب مرتزقة من سوريا لدخول الحرب بجانب ميليشيات حكومة السراج وقتها، وصولا للتدخل العسكرى المباشر بإرسال قوات من الجيش التركي.
لكن مع التحول الجديد فى موقف الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن تجاه الصراع فى ليبيا وإقليم شرق المتوسط بشكل عام، والذى تمثل فى موافقة واشنطن وتحويلها لبيع صفقة سلاح «إف 35» لصالح اليونان بدلا من تركيا، مما يعيد التوازن العسكرى بين اليونان وتركيا بخصوص ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وأثينا.
ولذلك يعد توجه الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن فى الصراع، كانت أحد الأسباب، لتغير الموقف التركى وتحركات بشكل عام فى إقليم شرق المتوسط وليبيا، والعمل على كبح جماح الأطماع التركية فيها.
2- مأزق أردوغان
لكن ترحيب الأطراف الدولية والإقليمية بالقيادة الجديدة فى ليبيا لا يعد بمثابة نهاية المطاف، خاصة أن القيادات الجديدة سيكون أمامها تحد كبير لا يتمثل فقط فى التحكم فى أموال النفط الليبى لصالح الشعب الليبى، وإعادة السيطرة على بنك ليبيا المركزى وكذلك مؤسسة النفط، واللذان يديران عوائد أموال النفط.
بل نجد أن الوصول للهدف الأهم بإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات الليبية وخاصة الجيش، يرتبط بشكل كبير بالعمل على تفكيك الميليشيات المسلحة، وكذلك العمل على إعادة دمج المؤسسات الليبية. ويرتبط تحقيق القيادة الجديدة لمهمتها، العمل على تفكيك الميليشيات المسلحة فى الغرب الليبى، وخاصة العاصمة طرابلس، والعمل على طرد أو إبعاد القوات الأجنبية من الداخل الليبى، تمهيدا لتوحيد المؤسسة العسكرية فى كيان واحد.
ومن هنا نجد أن القيادة الليبية الانتقالية، وبعيدا عن انتمائها السياسى والجغرافى، سيتعين عليها العمل على إعادة النظر فى الاتفاقيات التى أبرمتها حكومة السراج مع تركيا، سواء فيما يخص السماح لقوات تركية أجنبية للتواجد على الأراضى الليبية، وكذلك اتفاق ترسيم الحدود والتى قامت به تركيا مع السراج. وكانت الورقة التى استخدمتها تركيا للضغط على منافسيها فى شرق المتوسط تحديدا اليونان وقبرص.
ونجد أن رئيس المجلس الرئاسى الجديد محمد المنفى، يدرك أن ما قامت به حكومة السراح لصالح تركيا ويعد سببا فى أزمات إقليمية لليبيا، وتمثل ذلك فيما تعرض له هو شخصيا عندما قامت اليونان بطرده من أراضيها عندما كان سفيرا لليبيا فى أثينا، اعتراضا منها على اتفاق ترسيم الحدود بين السراح وأردوغان. كما أن هذا الاتفاق سيمهد الطريق لاحتلال تركيا والميليشيات التابعة لها فى طرابلس لمنطقة الهلال النفطى، وتوقف المطامع التركية فى حينها ذلك نتيجة الموقف المصرى الحاسم والذى وضع خطاً أحمر بعدم تجاوز منطقة سرت والجفرة، وهو ما مهد فيما بعد لتوقف القتال والتمهيد لعملية حوار سياسى، وهو طريق صعب، لا يتحقق إلا بعمل الليبيين معا، لتجنب ويلات الحرب المشتعلة، والتى لا يستفيد منها إلا أصحاب المطامع فى الأراضى والخيرات الليبية، وحلفاؤهم من الميليشيات المسلحة والتنظيمات المتطرفة، التى تدرك أن هدوء الأوضاع والوصول لتشكيل مؤسسات ليبية وطنية، سيدمر مطامعها ومخططتها للبقاء على الأرض.