عبدالحفيظ سعد يكتب: تريليونات كعكة كورونا
تعرض البشر لاختبار حقيقى فى 2020، «كورونا» الفيروس اللعين يضرب الإنسان..، فيروس عجيب لا أحد يعرف أصله ولا فصله سوى أنه لا يصيب إلا ابن آدم.
كابوس حقيقى، عاشته البشرية، الوقاية الوحيدة منه، أنك تبتعد عن أخيك الإنسان وحتى زوجتك وابنك وكل من يحيط بك من بنى جنسك، غير مسموح لك أن تعانق طفلك أو تحتضن زوجتك، إذا كان هناك شكوك أنهما خطر عليك.
تلك الحقيقة التى فجع بها سكان الكرة الأرضية فى فبراير الماضى وبدأ تصديقها والتعامل معها فى مارس الماضى، الفيروس ينتشر فى كل مكان، الغنى قبل الفقير، القوى والضعيف.
اختبار بمعنى الكلمة للإنسانية، شيء لا يصدق ولا يمكن استيعابه لأبناء آدم الذين اعتادوا أن خطر الفيروسات والأمراض تأتى لهم من حيوانات أخرى طيور وخنازير وفئران، أو حتى البقر، لكن هذه المرة الخطر قادم من «الخفاش» الكائن البغيض الذى يهوى الحياة فى الظلام.
وطبقا للنظريات التى فسرت وجود كوفيد 19، أنه انتقل من كائن الظلام «الخفاش»، وسواء صدقت هذه النظريات أم لا، لكن الحقيقة المؤكدة أن الفيروس اللعين، أصبح وباءً بشريا بامتياز ينتقل بين البشر، ولا يعيش سوى فى أجسادهم.
وصار خير وسيلة للوقاية، أن تبتعد عن بنى جنسك، حتى تتجنب العدوة، إنه اختبار حقيقى للبشرية، فى السابق كان من السهل للإنسان، أن يعدم الطيور أو يذبح الخنازير أو يقاوم الفئران التى تنقل له المرض، لكنه الآن ماذا سيفعل مع هواجس ما روج عن المرض فى بداية انتشاره؟ هل يقتل الإنسان أخاه ليحمى نفسه؟
فى السابق اعتاد الإنسان أن يقتل الإنسان الذى يعتقد أنه عدوه أو منافسه فى صراع المادة والمجد، صنع سيوفا ورشاشات، وطورها لقنابل ومدافع وطائرات، ليقتل بها الإنسان، كان مبرره فى ذلك أنه عدوه لأنه ينافسه على أرض أو نفوذ أو ثروة.
لكن ماذا سيفعل مع الفيروس اللعين، هل يقتل الرجل أهله أو يتخلص من أقاربه، ليحمى نفسه من العدوى، حتى لو فعل ذلك لن يتحصن من الفيروس «العادل» الذى انتشر فى كل مكان، ولم يستثن أحدًا لا دولة قوية ولا ضعيفة، وكأنها رسالة من السماء أن أكثر دولة انتشر فيها المرض هى أمريكا، سيدة العالم باقتصادها وأساطيلها الحربية.
البشر لم يكن أمامهم سوى العزلة فى بيوتهم، لتحبس أنفاسهم، أيام طويلة، وشهور رتيبة، لم يعد يتمتعوا فيها بغالبية حياتهم المرفهة، لا سهر ولا سفر، ولا حتى تعامل مع بعضهم البعض، خسر الملايين وظائفهم وخسروا معها مليارات الدولارات.
كان يعتقد البعض أن اختبار كورونا سوف يعيد للبنى آدمين، تفكيرهم فى الحياة، ليتوقفوا عن الصراع قليلا فيما بينهم، ربما كانت فرصة أن يعرفهم أنهم بشر، حصلوا على صفة «إنسان» والتى تدل على الرقى.
لكن مع بدء انحسار الخطر جزئيا، وبدء الاكتشافات تجد علاجا للفيروس البشرى، زالت كل التوقعات بل العكس ومع بداية الإعلان عن النجاحات فى إنتاج لقاحات لكوفيد 19، نسى الإنسان معاناته مع المرض وعاد لأصله، صراعات شركات الأدوية والدول التى اكتشفت اللقاح وتحول تفكيرهم كيف تجنى المليارات، وتخزن التريليونات من بيع اللقاح.
وبدأت نغمة من معه الفلوس يعالج، أما الفقير ومن لا يستطيع، فلينتظر قدره، ونسى هؤلاء أن ابتلاء السماء بفيروس كورونا، ربما سيعود فى صورة أخرى، وساعتها سيخسرون المليارات، وتحبسهم أنفاسهم، ويحبسونا مرة أخرى، ولن تنفعهم تريليونات كعكة اللقاح.. يا بشر.