عبدالحفيظ سعد يكتب: محاولات إبراهيم منير لإحياء التنظيم الإخوانى من لندن لواشنطن
صعود المرشد البريطانى لقيادة التنظيم السر وراء الترحيب بـ«بايدن»
تتغير مفردات اللعبة السياسية مع الأحداث والأشخاص، والتى تفرض توجهات ومواقف جديدة، ولعل نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والتى فاز بها الرئيس جو بايدن على الرئيس الحالى دونالد ترامب، أفرزت تحليلات تتحدث عن وجود تغير فى السياسات الأمريكية عن السنوات الأربع التى حكم فيها ترامب.
تشير تلك الآراء هنا أن صعود الحزب الديمقراطى لحكم أمريكا، سيحدث تغييرا فى العديد من المواقف الأمريكية، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، تختلف عن موقف الحزب الجمهورى، والذى يمثله ترامب والمعروف عنه باختلاف آرائه ومواقفه وتحالفاته فى المنطقة.
ولعل النقاط الثلاث الأبرز فى تعامل العجوز بايدن العائد للبيت الأبيض بعد أربع سنوات، شغلها قبلها منصب نائب الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، تتعلق بموقف أمريكا بإيران ومخاطر سلاحها النووى بعد أن اتخذ ترامب قرارات تصعيدية ضدها وإعادة مرة أخرى العقوبات ضدها وقام بإلغاء الاتفاق النووى، وهو ما يختلف مع توجهات وأفكار بايدن وإدارته الديمقراطية والتى هندست للاتفاق مع إيران.
أما الموقف الثانى فيتعلق بالتعامل مع إسرائيل، والتى تعد من أبرز حلفاء أمريكا مهما تقلبت الإدارات فى البيت الأبيض ما بين جمهورية أو ديمقراطية، لتظل إسرائيل هى الدولة المدللة لواشنطن.. لكن ما حققته إسرائيل من حكم ترامب لإسرائيل فاق كل التوقعات سواء بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، والاعتراف بضم الاحتلال الإسرائيلى للجولان السورية والتضييق على القيادة الفلسطينية.
لكن تبدو أن المكتسبات التى حققتها إسرائيل فى ظل الحكم الجمهورى بقيادة ترامب، لن تتأثر كثيرا فى ظل حكم الديمقراطى بقيادة بايدن والمعروف بمواقفه المؤيدة والداعمة لإسرائيل بشكل مطلق، وإذا حدث خلاف عن سياسة سلفه ترامب فى التعامل مع إسرائيل ربما سيكون فى التعامل مع الأشخاص، خاصة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وهو المقرب جدا من إدارة ترامب وصهره جاريدو كوشنير، ولذلك سيكون الاختلاف بين تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة، مع إسرائيل حول شخصية نتنياهو، وهو مهدد بالفعل بترك الحكم، خاصة فى ظل تهديده بالملاحقة القضائية والسجن بتهم تتعلق بالفساد، وهو ما يزيد من إمكانية إبعاده من المشهد، خاصة فى ظل متغيرات القيادة فى واشنطن.
وتأتى النقطة الثالثة فى القضايا، والتى تشغل الشرق العربى فى تعامل الإدارة الأمريكية الديمقراطية بقيادة بايدن مع التنظيمات الإرهابية، على رأسها تنظيم الإخوان، والذى أعطى له صعود الديمقراطيين مرة أخرى للحكم، بصيص أمل لإمكانية عودتهم للمشهد السياسى مرة أخرى، خاصة بعد سقوطهم عقب ثورة 30 يونيو، قبل ثمانى سنوات أى وقت وجود الإدارة الديمقراطية بقيادة أوباما وبايدن، وهيلارى كلينتون.
1- أكذوبة عداء ترامب لحلفاء الإرهاب
ونجد أن تصورات قيادات تنظيم الإخوان الإرهابى، بأن الإدارة الأمريكية الجديدة ربما ستدفعهم للمشهد مرة أخرى، مبنية على تصور أن إدارة ترامب كانت تقف فى الجبهة التى تعتبرهم أنهم تنظيم إرهابى، أو على الأقل أنه يغذى التطرف والتنظيمات الإرهابية، وكانت هذه الإدارة تختلف بشكل كبير مع الدول الداعمة للإخوان وخاصة قطر وتركيا.
وفى الحقيقة ربما كان هذا الموقف يسبق، وصول ترامب للحكم فى عام 2015، أو الأشهر الأولى لتوليه الحكم ووعيده بأنه سيحارب التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها الإخوان وحلفاؤهم، لكن فى الواقع بدأت إدارة ترامب فى الاختلاف فى التعامل مع الإسلاميين بمجرد وصولها للحكم، خاصة فى ظل تغيير موقف الإدارة من حلفائهم فى قطر وتركيا، ووجدنا أن إدارة ترامب نفسها بعد أشهر من توليها مقاليد الحكم، حدث تقارب بينها وبين قطر وتركيا.
وظهر ذلك فى المطالب المتكررة لإدارة ترامب لدول الرباعى العربى مصر والسعودية والإمارات والبحرين، بضرورة وقف المقاطعة للدوحة والعمل على إيجاد حل لهذه القضية، ونجد أنه مع مرور الوقت، اختفت المطالب الأمريكية لقطر عن دعمها للتنظيمات الإرهابية واحتضانها لتنظيم الإخوان الإرهابى، بل إن الدوحة تحولت لوسيط بين أمريكا وحركة طالبان الأفغانية.
وظهر هنا أن الإدارة الأمريكية سواء لترامب أو لغيره تحكمها العلاقات الاستراتيجية وليس المواقف، خاصة أن الدوحة تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى العالم، وهى الوسيط بينها وبين التنظيمات الإرهابية.
ولم يختلف الوضع كثيرا فى العلاقة بين واشنطن ونظام الرئيس رجب أردوغان فى تركيا، والذى اختلفت حالة العداء فى البداية لتحالف بينهما. واختلفت لغة العداء للتقارب والتحالف خاصة بعد انتهاء قضية القس الأمريكى أندرو برونسون، بعد أن أفرجت عنه إدارة أردوغان بعد الضغوط الأمريكية، وبعدها بدأ التقارب يعود مع أمريكا، بل تحول الخلاف بين ترامب وأردوغان إلى علاقة وثيقة، كما عبر عن ذلك ترامب وأردوغان عدة مرات.
ووجدنا بعدها عودة التقارب مرة أخرى بين واشنطن وأنقرة، خاصة فى التعامل مع الملف السورى، والتنسيق الأمريكى التركى فى إدارة شمال سوريا، ونجد أن الخلاف كان بينهما فقط حول التعامل مع قوات حماية الشعب الكردية، الحليفة مع واشنطن، والتى اضطرت للتخلى عنها جزئيا فى شمال سوريا حتى لا تتدهور علاقتها بتركيا بسببها.
كما نجد أن التقارب بين واشنطن وأنقرة، ظهر بشكل واضح خلال قيام تركيا بإرسال مرتزقة وقوات تابعة لها للتدخل فى ليبيا، ورغم أن ذلك يعد مؤشرا على محاولة تركيا تمكين حلفائها من الإسلاميين وعلى رأسهم الإخوان من الحكم فى ليبيا، إلا أن موقف الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب كان يبارك التحركات التركية فى ليبيا، باعتباره أنها حليفة لها، وهو ما يدل أن إدارة ترامب لم تكن تناصب العداء بشكل كامل للتنظيمات المتطرفة.
2- رجل المخابرات البريطانية
لكن مع عدم قطع العلاقة بين التنظيمات المتطرفة والإدارة الأمريكية فى عهد ترامب وتغير موقفه بعد الوصول للحكم، والذى ظهر فى العلاقة القوية مع نظامى الدوحة وأنقرة، الحاضنين للإخوان، ما هو السر وراء الترحيب الإخوانى والفرحة بسقوط ترامب؟
ولعل الإجابة على هذا السؤال هنا تظهر قبل شهرين، فى منتصف سبتمبر الماضى وبعد القبض على رجل الإخوان محمود عزت، وتبع ذلك تصعيد رجل المخابرات البريطانية فى التنظيم إبراهيم منير، ليتولى مقاليد القرار فى التنظيم الإرهابى.
ولا تعد علاقة «منير» ببريطانيا أمرا خفيا، وهو ما يردده الإخوان أنفسهم ويتهمون إبراهيم منير بأنه رجل المخابرات البريطانية، ولديه حصانة أمنية ويتحرك فى أراضيها تحت رعايتها.
لذلك نجد أنه لابد من ربط صعود رجل بريطانيا إبراهيم منير لقيادة الإخوان، وترحيب التنظيم الإرهابى بجو بايدن، وصدور بيان من التنظيم يرحب به، ويحمل البيان فى طياته دعوة أمريكا للتدخل لإعادة التنظيم الإرهابى مرة أخرى للواجهة السياسية.
ومن هنا نجد أن محاولة إحياء التنظيم لا تقتصر فقط على الإدارة الأمريكية الجديدة فى واشنطن، بل تتحرك وفقا متغير جديد يتمثل فى تقلد رجل المخابرات البريطانية إبراهيم منير منصب القائم بأعمال المرشد، وتأتى فى إطار التحركات التى يقوم رجل بريطانيا بالعمل مرة أخرى لإحياء التنظيم، سواء للتخوف من تخلى نظام أردوغان عنهم أو ربما نهاية نظام حزب العدالة والتنمية فى تركيا فى ظل المشاكل الاقتصادية، أو وجود انهيارات وانشقاقات داخلية فى التنظيم ليس فى مصر فقط بل فى العديد من فروع التنظيم، وهو ما يعطى جرس إنذار أن بريطانيا لا تريد للتنظيم الذى أنشأته من وقت احتلالها مصر وظلت ترعاه لعدة عقود الموت، ستحاول بمعاونة رجلها «منير» فى محاولة إحيائه مرة أخرى، مستغلة التغيير السياسى فى واشنطن.