عادل حمودة يكتب: سياسة إطفاء الحرائق قبل إشعالها
عشت فى برلين مع اللاجئين السوريين فى عنابر مطار تبملهوف
25 مليون لاجئ عربى لا يجدون فرص عمل سوى بيع شبابهم لتجار الحروب الأهلية
قطر تمول أذرعها الإعلامية بمليار دولار فى السنة
على الحكومة مناقشة الآثار الجانبية لقراراتها قبل تنفيذها وعليها تشكيل لجنة لبحث شكاوى الفئات المتضررة وحلها إذا كانوا على حق
الميديا لها دور فى تنبيه الحكومة قبل أن تسد الشرايين
كادت المرأة السورية الشابة إيثار البهى أن تسب بشار الأسد إلا أن استدركت قائلة:
اللهم اخزيك يا شيطان.
لكن زوجها بديع فتان صرخ فى وجهها قائلا:
لعنة الله عليه إنه أسوأ من الشيطان.
ثم التفت ناحيتى مضيفا:
ألست معى أننا نظلم الشيطان ونرمى على رأسه كل أخطائنا وجرائمنا وهزائمنا.
أجبت:
بعد ما يحدث فى سوريا والعراق وليبيا من حق الشيطان أن يطالب برد شرف بعد أن شوهنا سمعته لكن العالم العربى يبحث دائما عن ضحية ينسب إليها انحرافاته السياسية والنفسية.
لم يخلق شيطان بعد يحرض على حرق شعب بالنابالم كما فعل صدام حسين مع أكراد العراق.. ولم يصل شيطان بتفكيره إلى ما ارتكب معمر القذافى من اغتيالات سياسية.. ولابد أن الشيطان غادر مطار دمشق معلنا استقالته بعد أن عجز عن منافسة بشار الأسد فى ضرب شعبه بالطائرات وهدم البيوت بالمدرعات ليجلس على عرش من الجماجم ويسبح فى بركة من الدماء.
أسوأ من ذلك شرد أكثر من عشرة ملايين نسمة مات مئات منهم قبل أن يجدوا دولة تقبل بهم منهم إيثار البهى وبديع فتان اللذان التقيت بهما تحت خيمة فى مركز إيواء أقامته الحكومة الألمانية فى صالات مطار تمبلهوف الذى يبعد عن قلب العاصمة برلين بنحو ثمانية كيلومترات.
فى الرحلة الخطرة من سوريا إلى ألمانيا عبر تركيا فقد الزوجان الشابان ابنتهما الوحيدة وما حملا من مال إلى جانب ألبوم صور وضعا فيه ذكرياتهما.
لكن مأساة إيثار وبديع ليست المأساة الوحيدة التى سمعتها عندما زرت مركز الإيواء فى خريف عام 2017 وقبل أن أغادره سألت إيثار:
هل عرفت من هو الشيطان الحقيقى؟.
شيطاننا يحمل الجنسية العربية وتؤثر فى قراراته جيناته الوراثية التى تسببت فى إضافة مليونى لاجئ عراقى وثلاثة ملايين لاجئ ليبى وأربعة ملايين لاجئ يمنى إلى ستة ملايين لاجئ فلسطينى وبإضافة اللاجئين السوريين للقائمة يصل الرقم إلى 25 مليون لاجئ عربى.
الأسوأ أن ثلاثة ملايين منهم لم يجدوا أمامهم سوى بيع أنفسهم لتجار الحروب ليشكلوا ميليشيات دموية تقاتل فى صف من يدفع أكثر.
على الجانب الآخر نجت مصر من الصراعات العرقية والطائفية والأهلية وحافظت على تماسكها ووحدتها ورحبت بعودة أبنائها العاملين فى الخارج بعد جائحة كورونا.
غالبا سنسمع أصواتا تستنكر ما نقول وما نكرر بدعوى أنها زهقت من الملل متصورة أن ما نقول وما نكرر حجة لإبعاد الناس عن المشاكل الحقيقية وإقناعهم بقبول الأمر الواقع وتحمل تبعاته.
المؤكد أن ما نقوله وما نكرره لا يقبل الشك.. مصر الجائزة الكبرى التى يحلم بالحصول عليها الإخوان.. لكنها كانت التفاحة المحرمة التى أخرجتهم من جنة السلطة ليتوهوا فى الأرض.. وطوال سبع سنوات تنفق قطر مليار دولار سنويا على الميديا المحرضة على مصر فى الدوحة واسطنبول ولندن.. وتستغل تركيا سيطرتها على التنظيم الدولى للإخوان فى تنفيذ مخطط حصار مصر فى غزة وإثيوبيا وليبيا وشرق المتوسط.. وتمول العملية من جيب تميم بن حمد.
وهناك بالقطع مسافة من السنوات بين الحديث عن مؤامرة وتنفيذها.
خططت واشنطن لغزو العراق فى صيف 1990 ولكنها نفذت الغزو فى ربيع 2003.. وبدأت أولى الغارات الجوية على ليبيا فى إبريل 1986 ولكن الضربة القاضية كانت فى أكتوبر 2011.. هناك مسافة زمنية بين المؤامرة وتنفيذها.. فترة زمنية تضيق وتتسع حسب وعى الشعوب وفطنة حكامها.
لكن بالقطع لا يشعر الطرف المعادى باليأس ولا يتردد فى استغلال كل ما يظهر على السطح من هموم ومتاعب ليحرض الشعب على مؤسساته حتى يسقطها ومعها الدولة.
استغل الطرف المعادى ما ترتب على برنامج الإصلاح الاقتصادى من معاناة تحملها المصريون بصبر يملكون من مخزونه الكثير.
واستغل هدم مساجد مخالفة للتدليل على كراهية النظام للدين دون ذكر ما بنى من مساجد جديدة وحديثة كانت ضعف ما هدم.
وجاء قانون المصالحة فى المبانى المخالفة أو المقامة على أراض زراعية وما أن أدركت الحكومة أن الهدم يسبب احتقانا اجتماعيا حتى تراجعت عنه بل إنها يسرت سداد الغرامات وأعلنت عن تعقب مسئولى الحكم المحلى الفاسدين الذين سمحوا بتجاوزات تقدر بالملايين.
استغل هذا القانون فى تحريض جماعات محدودة فى عدة قرى على التظاهر ضد النظام وراحت الميديا المضادة تنفخ فيما يحدث متصورة بجهل سياسى أن من السهل تحقيق حلمها.
إننا لا نستهين بما حدث ولكنه لا يزال بعيدا جدا عن نقطة الصفر.. نقطة التحولات الراديكالية.. وهو ليس رأينا فقط.. وإنما رأى غالبية مراكز الدراسات الاستراتيجية فى الولايات المتحدة والصين وإسرائيل وغيرها من الدول التى ترى أن مصر دولة محورية يجب مراقبتها يوما بيوم.
فى الوقت نفسه لم يتردد الرئيس فى اتخاذ مزيد من القرارات التى تخفف العبء على محدودى الدخل بدعم العمالة المؤقتة فى قطاع السياحية التى لم تتعاف بعد.. والأهم التوجيه بسرعة الانتهاء من الاشتراطات الجديدة للبناء كى يلتزم بها الناس.
ولا شك أن فتح تراخيص المبانى من جديد سينشط صناعة العقارات فى مصر أكثر الصناعات ربحية وكثافة فى العمالة إلى جانب تنشيطها لصناعات أخرى.
إن تدخل الرئيس لإطفاء الحرائق يحسب له ويزيد من قدره عند الشعب ولنتذكر أن أنور السادات ألغى الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها حكومته وتسببت فى تظاهرات شعبية وقعت فى يناير 1977.
وسبقت تصريحات الرئيس قرار من النائب العام بالإفراج عن 86 صبيا شاركوا فى المسيرات التى وقعت فى قراهم وعكس القرار سلوكا إنسانيا فى تطبيق القانون كما كشف عن سيطرة الصبية على تلك المسيرات حسب ما بث من فيديوهات.
وطالب الرئيس بدور أكبر للميديا كى تكشف عن مخططات هدم الدولة ونحن معه ولكن فى الوقت نفسه على الحكومة دراسة قراراتها جيدا وتلافى آثارها الجانبية قبل تنفيذها.. وعلى البرلمان التأنى فى إصدار القوانين التى تمس حياة الناس مباشرة.. وأن لا يخرج منه قانون يثير الحيرة مثل قانون التصالح.
إن قانون التصالح لم يحدد مسئولية المخالف: المالك أم الحى أم شركات المياه والكهرباء والتليفونات التى أدخلت الخدمة؟ كما أن القانون لم يحدد من يتحمل العقاب: المالك أم المشترى؟.
وفى تفسير للدور الأكبر للميديا أن تسلك السلطات المختلفة الشرايين المسدودة وتسمح بمناقشة التشريعات قبل صدورها والقرارات الحكومية قبل تنفيذها لعل الآراء التى تكتب أو تقال تضيف جانبا إيجابيا أو تلغى أثرا سلبيا يصبح ماء عكرا يصطاد فيه الكارهون والمعادون والمغرضون وهو ما وجدناه فى صحفهم وعلى شاشات قنواتهم وحساباتهم على السوشيال ميديا. إن هذا الدور يمكن أن يمنع حرائق من الاشتعال تبعا لقاعدة الوقاية خير من العلاج.
ولو كنت من الحكومة لشكلت لجنة لدراسة الآثار الجانبية للقرارات الأخيرة لمعرفة مدى تأثيرها على الناس حتى لانفاجأ بما يثير القلق.
ليتسع صدر هذه اللجنة لشكاوى المتضررين وحلها إذا كانوا على حق.
الحكومة تعرف أكثر وعليها أن تتصرف أسرع.