خسائر من نوع آخر.. مبانٍ تراثية تضررت من تفجير مرفأ بيروت
لم تكن حضارة بيروت، من مبان تراثية، ومتاحف، وغيرها من شواهد على تاريخ لبنان العظيم، بمنأى عن آثار انفجار مرفأ بيروت، الذى أصاب عددا من المبانى التراثية والتحف المعمارية بتصدعات، فحول بعض أجزائها إلى ركام، حين تساقطت أحجار الجدران والواجهات، بينما تقف بقاياها حزينة تشكو ما تكبدته من خسائر فادحة.
فحادث الانفجار الذى خلف عشرات الضحايا، ومئات المصابين، فضلا عن تشريد ما يقرب من 300 ألف شخص، تضرروا من الدمار الشامل الذى لحق بالعاصمة اللبنانية، لم يكن ليمر مرور الكرام على 8 آلاف مبنى، من بينها 50 مبنى أثريا، بحسب ما أعلنته الهيئة العليا للإغاثة فى لبنان، من مبانٍ متضررة من حادث انفجار المرفأ.
مشهد محزن فى قصر سرسق
ويأتي على رأس المبانى المتضررة من انفجار المرفأ، قصر سرسق، ذلك القصر الأثري الذى بناه نقولا سرسق عام 1912، على هضبة حى الأشرفية، ثم وهبه بعد وفاته إلى بلدية مدينة بيروت، ليتحول بعدها إلى متحف للفنون الحديثة والمعاصرة، بناءً على ما أوصى به صاحبه.
المشهد يبدو محزنا، فالقصر الأثرى الذى كلف لبنان الكثير من أجل ترميمه فى عام 2015، والذى أعيد فتح أبوابه أمام الجمهور بعد فترة إغلاق نتيجة تفشى جائحة كورونا، لم يعد على ما كان عليه قبل الانفجار، ففى الباحة الرئيسية للقصر، تتجمع كومة من الأكياس المليئة بحطام القصر، والواجهة الخارجية بنوافذها الزجاجية المطعمة بالألوان تحطمت، ولم تعد سوى فجوات مدمرة وفارغة، ناهيك عن أبوابه وأسقف بعض غرفه التى تضررت بشكل كبير، فلم يصمد فى المتحف، بحسب وسائل إعلام لبنانية، سوى منحوتة "المركبة" للنحات ميشال بصبوص، وتمثال "الباكيتان"، للشهداء الأوائل للنحات يوسف الحويك.
انفجار بيروت يضر بالبيت الأصفر
فى منطقة السوديكو المحاذية لحى الأشرفية، حيث قصر سرسق، يقع مبنى تراثى آخر تضرر كثيرا من انفجار مرفأ بيروت، وهو البيت الأصفر، الذى كان ملكا لعائلة بركات، لذا يطلق عليه البعض "مبنى بركات"، والذى يعود تاريخ بنائه إلى عام 1924 على يد المهندس المعمارى يوسف أفتيموس، الذى شيد الطابق الأرضى والأول، ثم أتم المهندس فؤاد قزح بناء الطابقين الثانى والثالث فى عام 1932.
هذا المبنى الذى يعد أحد أهم شواهد التطور المعمارى فى لبنان، تضرر بعض الشيء من انفجار المرفأ، إذ تحطمت بعض نوافذه، ولحقت الأضرار بأبوابه، وبالألواح الخشبية المنتشرة فى محيطه، بفعل الموجة الانفجارية.
كما ألحق الانفجار ضررا ببيت بيروت، الذى يعد متحفا ومركزا ثقافيا، يشهد على تاريخ بيروت وبالتحديد الحرب الأهلية، ويقع فى البيت الأصفر، المعروف باسم "مبنى بركات".
فعلى الرغم من أنه غير مهدد بالسقوط نتيجة لانفجار المرفأ، إلا أن ذلك لم يكن يحول بينه وبين تضرره من الموجة الانفجارية، تماما مثلما وقع فى البيت الأصفر الذى هو جزء منه، مما دعا إلى غلقه أمام الجمهور.
انهيار الأسقف الخشبية لمسجد محمد الأمين
ويأتي من بين المبانى المتضررة من انفجار مرفأ بيروت، مسجد محمد الأمين، الذى يقع فى ساحة الشهداء، وسط العاصمة اللبنانية.
فالمجسد الذى يعد أفخم مساجد لبنان، وأكبرها بمساحة تبلغ 10700 متر مربع، إذ يتسع لنحو 5 آلاف شخص، انهارت أسقفه الخشبية، وألواحه الزجاجية، تأثرا بالموجة الانفجارية، التى وقعت بتفجير مرفأ بيروت.
وقد تأسس الجامع فى بداية الأمر كزاوية صوفية عام 1853 حملت اسم "زاوية الشيخ محمد أبو النصر"، ثم جرى تحويله إلى جامع صغير حمل اسم محمد الأمين، نسبة لرسول الإسلام محمد، صلى الله عليه وسلم، وفى منتصف القرن العشرين، جاءت فكرة توسيعه، ومن أجل ذلك جمعت التبرعات، لكن الفكرة لم تكتمل، حين حالت الحرب الأهلية دون ذلك، لكن فى عام 2002، تم وضع حجر أساس بناء الجامع الحالى على أنقاض المسجد القديم، ليتم إنشاء المسجد على مقربة من ضريح رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الذي تم اغتياله في تفجير استهدف موكبه عام 2005.
640 مبنى تراثيا تضرر.. 60 منها معرض للانهيار
كانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" قد حذرت من أن 640 من الأبنية التراثية تضررت جراء انفجار مرفأ بيروت موضحة أن من بينها 60 مبنى معرضا للانهيار.
وأكدت منظمة اليونيسكو أنها ستقود التحرك الدولي لإعادة إعمار تراث العاصمة اللبنانية.
وقالت المنظمة، فى بيان لها، إنها حصلت على التقييم الذى أجرته وزارة الثقافة اللبنانية، والذى أفاد بتضرر ما لا يقل عن 8 آلاف مبنى معظمها فى أحياء الجميزة ومار ميخايل القديمة، مضيفة أن الانفجار ألحق أيضا أضرارا بمتاحف عديدة كالمتحف الوطنى، ومتحف سرسق، ومتحف الجامعة الأمريكية فى بيروت، والمواقع الثقافية والدينية وصالات العرض.