د. رشا سمير تكتب: السُكان حائرون يفكرون يستغيثون!
التخطيط السليم بالنسبة للإدارات والمشروعات والإستراتيجيات فى أى دولة هو السبيل الوحيد لوقوف الدول على قدميها وتخطيها الأزمات والتحديات التى تواجهها..
ما يحدث فى شوارع القاهرة اليوم هو ببساطة فكرة سليمة وحضارية، نجاحها كان ولازال مرتبط ارتباطا وثيقا بالتخطيط الدقيق لكى تتحقق الفكرة.. ولكن!.
لكن.. الواقع يؤكد على أن التخطيط للطرق لا يتم على أسس علمية واضحة، ولذلك ترتبك النتائج، فالتجربة أثبتت أكثر من مرة أن هناك خطأ ما فى خطة تطوير مصر الجديدة ومدينة نصر، وعلى سبيل المثال وليس الحصر شارع مصطفى النحاس الذى يتم حاليا تطويره للمرة الثالثة بعد فشل تطويره أكثر من مرة.
لابد أن أعترف أن ما حدث من توسعات فى شوارع مصر الجديدة ومدينة نصر كان له مردود أكيد على حركة المرور وسهولة التنقل من مكان إلى آخر.. على الرغم من أننى كواحدة من سكان مصر الجديدة الذين ترعرعوا فى ربوعها الخضراء وبيوتها القديمة الهادئة لازلت كارهة لشكلها الذى تغير، لكن ولأن الاعتراف بالحق فضيلة، فقد أصبحت أتنقل من مكان لآخر بمنتهى السهولة والأريحية.
لكن.. ماذا لو كان قد تم نقل المقاهى والكافيهات ومراكز تعليم طلبة الثانوية العامة والبنوك من أسفل العمارات السكنية إلى مناطق مُجمعة أسوة مثلا بمدينة الرحاب التى بها مجمع بنوك وسوق كامل بعيدا عن العمارات، من وجهة نظر الاستشاريين كان هذا الحل كافيا للقضاء على الزحام ومشاكل المرور بنسبة 80%، لكن ربما وجد أصحاب القرار أن فكرة الكوبرى فوق كل تقاطع حل أسهل ويفى بالغرض دون مهاترات.
التوسعات والكبارى قابلها عقب التنفيذ العديد من المعوقات، فقد اكتشف المسئولون فجأة أن وجود طريق رئيسى أو High way فى منطقة سكنية بها مدارس خطأ فادح، وكأن هذا الاكتشاف لم يكن جليا قبل تغيير اتجاهات الشوارع.. وتوالت استغاثات المواطنين، فخرج علينا رؤساء الأحياء فى البداية يطالبون المجتمع المدنى بحل تلك المشكلة وعمل كبارى للمشاة بأنفسهم، حتى تدخل كالعادة رئيس الجمهورية بنفسه وأعطى أوامره بعمل كبارى للمشاة..
بعدها ظهرت مشكلة أخرى وهى مشكلة عبور الشوارع الرئيسية وخصوصا من قبل الأطفال وكبار السن، ثم تزايدت أعداد الحوادث، مما اضطر بعض سكان المنطقة من كبار السن لركوب تاكسى يسهل لهم فقط الوصول إلى الرصيف المقابل!.. ومع ذلك ظل المسئولون فى حالة إنكار (ودن من طين وودن من عجين) حتى قام رئيس الجمهورية بجولة فى الشوارع طالب فيها بحلول جذرية وأمر بتنظيم حركة المرور..
من وقتها بدأ تركيب إشارات مرور فى قلب الشوارع السريعة، وبدأت المأساة الجديدة المُرعبة وهى التى يصرخ منها كل سكان منطقتى مصر الجديدة ومدينة نصر يوميا، وهى مشكلة (ركنة) السيارات، فقد قررت وزارة الداخلية منع انتظار السيارات بشكل عامودى على الأرصفة وتم توفير ونش فى كل شارع يجوب المناطق ليل نهار مهددا السكان بالوقوف فى صف واحد موازى للرصيف وإلا!..
وسؤالى هنا للسادة المسئولين.. بالله عليكم، كيف؟!
كل شقة بها متوسط من حوالى ثلاث إلى أربع سيارات، مما يجعل كل بناية بها فى حدود الخمسين سيارة.. كيف بالله عليكم، يكون الانتظار مواز للرصيف؟!.
الشوارع فى كل المناطق تحولت إلى سيرك، ونش يطلق سارينة مزعجة تطن فى أذن كل من يقطن المكان فى وقت الناس منزعجة فيه بما يكفى، اشتباكات يومية ومهاترات لا مثيل لها مع قوات الشرطة التى تقوم بكلبشة السيارات أو رفعها بالونش فى منتهى القسوة مما يتسبب عادة فى خسائر بالسيارات، رفض السُكان تحريك سياراتهم والاشتباك مع رجال الشُرطة، بالإضافة إلى إصرار سكان العمارات على الركن بشكل عامودى، تبادل إتهامات وأعصاب مشدودة..
أما عن محاولات أصحاب السيارات البؤساء فى البحث عن مكان للانتظار فهو ما يضطر البعض باللف بالسيارة لفترة قد تصل إلى نصف ساعة أو أكثر حتى يجد مكانا شاغرا، أو الجلوس فى مقعد السيارة فى عز الحر انتظارا للفرج وقد لا يأتى!.
الحقيقة أن الأمر أصبح معاناة حقيقية، بعض السكان قدموا تظلمات لمجلس الوزراء وأقسام الشرطة وأصحاب الجراجات انتهزوا الفرصة ليرفعوا أسعار الأماكن المتاحة، والبقية تأتى!.
فى الدول المزدحمة مثل باريس ونيويورك وغيرهما، يتم تخصيص بناية متعددة الطوابق لتصبح جارجا يخدم قاطنى المنطقة، أو يتم تخصيص قطع أراضى فضاء لتصبح جاراجات مقابل نظير مادى..
أدعو السادة المسئولين إلى إعادة النظر فى فكرة الانتظار العامودى على الأرصفة، أولا لأنه يتيح فرصة انتظار عدد أكبر من السيارات، ولا يشكل عائقا حقيقيا فى حركة المرور ويقلل من فرصة تعدد صفوف الإنتظار.
الرأفة بالمواطن ومراعاة صحته النفسية مطلب مشروع فى ظل ظروف سيئة تحاوط المواطنين من كل الجهات داخليا وخارجيا، مرض وغلاء معيشة واكتئاب ومجهول لا يعرفه إلا الله..
نداء إلى أصحاب القرار.. أوجدوا لنا مكانا للانتظار ثم حاسبونا، ارسموا لنا خطا ثم طالبونا بالسير فوقه، ارحمونا يرحمكم من فى السماء.