حسن إسميك يكتب: لماذا الشباب؟
مؤخراً، تمكَّن القلق المستمر حول انتشار جائحة كورونا في العالم، وما قد تحدثه من أضرار في المستقبل القريب ، من عدم القدرة على السيطرة على المجتمعات والأفراد؛ فقد انشغلت عقولنا وأسماعنا به، إلّا أنّ انشغالنا بأمر الفايروس، قد طغى على تفكيرنا حتى استطاع غزو عقولنا قبل أجسادنا لدرجةٍ غير منطقية، حتى أنّ مهمة الأغلبية أصبحت تقتصر على مجرد البقاء في منازلهم . ولهذا وجدت من واجبي لفت انتباهك- أيها القارئ- نحوَ موضوعٍ بالغ الأهمية لطالما استحوذ عليّ وشغل تفكيري، حتى صار في مقدمة أولوياتي وأهدافي، وما أطمح بتقديمه والمساهمة به للارتقاء بالأمم والمجتمعات ونهضتها، فمحور موضوعنا: (الشباب وطاقاتهم).
كثيراً ما سُئِلتُ عن سببِ اهتمامي الشديد بالشباب وصبِّ أكثر جهودي في سبيل اكتشاف طاقاتهم المكبوتة وتوليدها وتنميتها، فكان جوابي مختلفاً بعض الشيء في كل مرةٍ باختلاف الحالة ووضع المخاطب، إلّا أنه دائماً ما كان منبع كلامي واحداً وهو: رؤيتي بأنّ (الشباب هم الركيزة الأهم التي يقوم عليها المجتمع)، فهذه الطاقات تمثل جيلاً واسع المعرفة، مليئاً بالتجدد، توّاقاً للإنجاز، يرتقب فرصته حتى يظهر للعالم ما يملك من إبداعٍ وقدرات.
إنّ مرحلةَ الشباب لمرحلةٌ جوهريةٌ في حياة الإنسان، ابتداءً بإدراك ماهيّة النفس وبناء الشخصية، مروراً بتحديد الهوية الفكرية والعقائدية والمهنية والاجتماعية، انتهاءً ببلوغ الأشُدّ وسنواتٍ عدّةٍ من التقديم والإنجاز والإسهام في إعمار المجتمع والحفاظ على استمراريته.
وبهذا يمثل الشباب العمود الفِقري الذي تستند عليه البشرية في جميع العصور، فهم صلة الوصل بين القديم والحديث، كسباق التتابع يستلم الشباب فيه العصا من الجيل الذي سبقهم ليكملوا المهمة إلى أن يحين وقت تسليمهم العصا لجيل الشباب الذي يأتي بعدهم. بكل تأكيدٍ إني لا أنكر أهمية دور كلٍّ من الأجيال السابقة أو اللاحقة، ولكن الأمر أشبه بما يحدث على مسار السباق؛ حيث إنّ الشباب يمثلون العدّاء الحامل للعصا والذي بالطبع ينصَبّ عليه انتباه الجماهير وتشجيعهم طوال فترة جريه. فكما هو ظاهرٌ فإنّ السابق قد حظي بنصيبه من المساهمة والاهتمام، واللاحق ينتظر دوره.
غالباً ما تكون مرحلة الشباب مصحوبةً بصفات الفتوة والحداثة والنشاط، وهذا فعلاً ما يعطيها الأهمية الكبيرة في نظري، فالتجديد هو ما يبعث في كل شيء الروح من جديد، وهو ما تحتاجه البشرية باستمرارٍ لإحداث ثوراتٍ تغيِّر مجرى سيرها تحقيقاً للتطورِ والتنمية المستدامة . وأكبر شاهدٍ على ذلك أن أضخم الشركات السائدة حالياً - والتي أحدثت تغييراً جذرياً في حياتنا كغوغل، وآبل، ومايكروسوفت، وأمازون، وفيسبوك، وديزني - أسّسها أناسٌ في ريعان شبابهم، وقد تَكلَّلت بالنجاح وساهمت بجعل حياتنا مختلفةً عمّا مضى بشكلٍ أفضل، مما أهّلنا للتقدم خطوات في طريق التطور.
وفي هذا السياق سؤالٌ مهمٌ يطرح نفسه ألا وهو: كيف يمكننا تحديد مرحلة الشباب وكم سنةً تمتد؟ فالبعضُ يقول: إنّها تبدأ في السنة الخامسة عشرة من العمر وحتى الخامسة والعشرين، والبعض يجعلها ممتدةً حتى العقد الرابع من العمر، إلّا أني أظن أنه من الجائر حصر روح الشباب بفترة معينة، فهذه المرحلة ليست مقترنةً بالعمر، وإنما يمكننا إطلاق وصف الشاب على من تحلّى بصفاتٍ معينةٍ كالحيوية والنشاط وذروة العطاء والإنتاج و الإبداع الفكري ، وهذا ما يجعلها المرحلة الأهم بنظري؛ إذ أستطيع أن أراها الشريحة المهيمنة.
ولذلك فإنه يجب علينا بذل الجهود العظيمة والجبارة للاهتمام بالشباب، ومحاولةُ تبنّي طاقاتهم، واستثمار إبداعهم، ودفعُهم ليصبحوا أكثر مساهمةً، وذلك اعتماداً على ما يجيده كل واحد منهم ويبرع فيه.
ثم إن أردنا الكلام عن طرق وأساليب بناء شبابٍ قويٍ ذكيّ سنجد أنفسنا أمام أبواب وتشعباتٍ كثيرةٍ لا يكفيها مقالاتٌ عدةٌ، ولذا سأحصر كلامي بالحديث عن مجالين رئيسين وباختصار شديد:
أولاً: المجال الدراسي:
غالباً ما تبدأ مرحلة الشباب والشاب ما يزال في مسيرته العلمية، وهنا يجب التنويه على شيءٍ ألا وهو: أن اختيار الاختصاص الدراسي أمرٌ بالغ الأهمية يستدعي من المقدمين عليه أن يكونوا في غاية الحذر.
فكم وكم نرى كثيراً من الشباب يقف قبل إتمام مسيرته الدراسية عاجزاً عن المُضي؛ لأنه لم يحسن اختيار ما يناسبه من الاختصاصات؟ أو كم نرى من الشباب ممن أتمّ دراسته ثم أقدم على المضي إلى المرحلة المهنية من حياته يجد نفسه يعمل في مجال مختلف تماماً عن اختصاصه الدراسي؟ إما لأنه لم يستطع توظيف ما تعلَّمه أو لأنه فقد الرغبةَ في العمل بما تعلَّمه.
أسبابٌ عديدةٌ قد تسهم في التسبُّب بمشاكل كهذه، منها ما يتعلق بمحاولة إرضاء الآباء ورغبة المجتمع عند اختيار الاختصاص، ومنها ما يتعلق بالتسرع وعدم التفكير عند اختيار الاختصاص الجامعي، فقرارٌ مهمٌ كهذا يجب أن يُدرَس بتأنٍّ وحذر مع جعل الرغبة الحقيقية للشاب في المقدمة بعيداً عن رغبات الآخرين أو الصورة النمطية لكل اختصاص في المجتمع، مع دراسة جميع الخيارات الممكنة.
وبكلامي هذا لا أشجع الشباب أن يتخذوا خياراً مهماً كهذا بأنفسهم من غير العودة إلى الأهل أو ذوي الخبرة والمشورة، وإنما أدعوهم لأن يكونوا صادقين مع أنفسهم عند الاختيار، غير آبهين للضغوطات التي تُفرض عليهم، لكن بعد الأخذ بالمشورة والاستماع لآراء من حولهم ممن يملكون الخبرة الكافية في هذا الأمر.
ثانياً. المجال العملي:
تكمن أهمية المجال العملي بأن الشاب يبدأ الإنتاج ويضيف بصمته في مجتمعه أو العالم بأسره عند دخوله هذه المرحلة. لا شك أن الشباب حول العالم - وفي العالم العربي خاصةً - يعانون من مشاكل في البطالة وهذا هدرٌ غير مبرَّرٍ لأهم ثروة لدينا، ولا يمكن أن نلقي اللوم على واحدٍ بعينه في هذه المشكلة أو حتى أن نطرح حلاً يقتصر تنفيذه على فئةٍ معينةٍ، فمشكلةٌ كهذه تقع ــــ بعض الشيء ــــ على عاتق الشباب أنفسهم عندما يقررون الجلوس مكتوفي الأيدي ينتظرون فرص العمل أن تأتي إليهم دون الإصرار والبحث الكافيين على ما يطمحون إليه، وتقع أيضاً على عاتق المنظومات المجتمعية والمنظمات الحكومية التي لا تستثمر وتوظف هذه الطاقات بما يناسبها أو كما يجب.
وبهذا نستنتج أن خلق فرصٍ لتوظيف طاقات الشباب وخبراتهم بما يناسب طموحهم مع الرقابة والدعم والعناية هو ما يؤدي إلى ما نحتاجه من إبداعٍ مستمرٍ ونتائج مرضيةٍ وتغييرٍ للأفضل لجميع أطراف المجتمع، وهذا ما سيُسهم بتطور شبابنا الأمرُالذي يعني تطور مجتمعاتنا.
وبناءً على ما سبق عزيزي القارئ يجب أن ألفت انتباهك إلى ضرورة إعطاء الشبابِ الثقة التي يستحقونها، ومعاملتهم كأناسٍ قادرين على الاهتمام بشؤونهم بل وبشؤون المجتمع، فتقييد الشباب بمهامٍ معينةٍ وإرغامهم على البقاء بعيدين عن المسؤولية وإلزامهم بعادات الأجيال السابقة لا يمكن أن يُخرج جيلاً يتصف بالتجديد والإبداع، فما يجب علينا الآن هو تقديم منصةٍ مناسبةٍ يمكن للشباب من خلالها عرض إنجازاتهم وخبراتهم لنقلها للعالم أجمع، لكن وللأسف فإنه لا توجد منصة عربية توحد طاقات الشباب العربي، فترى الكثير من شبابنا يحلمون بالسفر إلى الخارج للدراسة أو العمل؛ لأنهم يجدونها فرصةً أفضل لتحسين حياتهم، وعلى إثرهذا فإننا نخسر الكثير والكثير من الشباب والمواهب والقدرات التي لا غنى لنا عنها.
إن إعطاء الشباب الثقة والدعم هو ما يمكّننا من رؤية نتائج إيجابية وتأثيرٍ أكبر وإبداعٍ يصنعه شبابنا ويدفع بمجتمعاتنا للأمام.
وفي الختام أدعو شبابنا وشباب العالم إلى اغتنام هذه المرحلة من عمرهم، أدعوهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم أولاً، ثم مع من حولهم. أدعوهم أيضاً لأن يجلسوا مع أنفسهم في محاولة التعرف على ما يميزهم فعلاً عن غيرهم، وأن يبدؤوا بتطوير خبراتهم ومهاراتهم وتقديم ما يستطيعون تقديمه لمجتمعاتهم؛ لأنها بحاجة إليهم، وبالأخص في هذه الأوقات، كما أدعو أيضاً المسؤولين عن الشباب إلى الاهتمام بالشباب، والاستماع لآرائهم وأفكارهم، ومحاولة توظيفها بالشكل اللازم.
قد تكون المشاكل والتحدّيات التي تواجه مجتمعاتنا كثيرة والخلاص منها ليس بالسهل، لكن بإمكاننا مع العمل المتواصل والصدق فيه أن نتغلب عليها لننهض بأمتنا وبالعالم بأسره، وكما أن فكرة التغيير والعزم عليه يبدآن من الفرد، فإن إحداث التغيير يحتاج إلى جهود الجموع الغفيرة لجعله حقيقة، ومفتاح هذا التغيير ونجاحُه يتمثل بالشباب؛ الذين يتوجّب عليهم أن لا يَنْسَوْا أن الله قد خلق لكلٍ منا شيئاً مميزاً، فثق بنفسك و لاتدع الأحداث اليومية تؤثر عليك، واختَر أصدقائك بعناية ،لأن الأصدقاء مرآة بعضهم ،وأبتعد عن السلبيين و أبحث دائماً عن الإيجابيين. و أعلم أن كُلُّ ناجحٍ كان قد سعى بجهدٍ وإصرار حتى وصل إلى ما يريد.