مي سمير تكتب: أستاذ "هارفارد" يضع 3 معادلات للسعادة
كيف تصل للرضا بما لديك وما تريد؟
الجينات والظروف تحققان الرفاهية الذاتية
الإيمان والأسرة والعمل تحدد العادات
قد يبدو الحديث عن السعادة حاليا غريبا، فى ظل تهديد وباء عالمى لمستقبل البشرية، لكن، لماذا لا تكون تلك فرصة حقيقية لمحاولة العثور على معادلة السعادة. بهذه الكلمات، بدأ آرثر بروكز، أستاذ ممارسة القيادة العامة فى كلية هارفارد كينيدى، مقاله الذى نشرته مجلة أتلانتيك، متناولا خلاله وصفته الخاصة بالسعادة.
وتابع: لقد أصيب إيقاع الحياة، فى ظل إعلانات حظر التجوال والغلق، ببطء شديد على النحو الذى يولد كل المشاعر السلبية، بدءًا من الملل وصولا للغضب الذى قد يقود للعنف، وليس غريبا أن تشير تقارير إلى ارتفاع معدلات الخلافات الزوجية، والعنف المنزلى فى مختلف أنحاء العالم.
لكن هذه اللحظات من الهدوء المفروضة على الجميع، قد تكون فرصة للتفكير بعمق أكثر فى الحياة، ومع التقدم التكنولوجى الهائل فى السنوات الأخيرة، وزيادة متطلبات الحياة التى تحاصر الإنسان، وتجعله أسير دائرة مفرغة من المسئوليات والواجبات، من الجيد استغلال هذه الفرصة للتوقف وإعادة النظر فى الأسباب التى تشعرنا حقا بالسعادة.
هذه اللحظات من الهدوء التى تعيشها البشرية قد تكون مناسبة للعثور على السعادة، كما يقول الكاتب الأمريكى الساخر ناثانيل هوثورن: «السعادة مثل الفراشة، عندما تطاردها تهرب منك، ولكن إذا جلست بهدوء قد تحاصرك».
وأكد أستاذ مادة السعادة فى كلية هارفارد للأعمال، أن الكثير من الناس يندهشون عندما يدركون أن أمرًا مثل السعادة يتم تدريسه جنبا إلى جنب مع المحاسبة والمالية وغيرها من مواد إدارة الأعمال التقليدية، لكن لا تعتقد أن العثور على السعادة أمرا سهلا، فتدريسها يتضمن الكثير من الموضوعات الشائكة، مثل «علم الأعصاب ولغة الجسد»، و«التوازن واستمرار الرفاهية الذاتية»، و«مركزية الاكتساب والتأثير السلبى».
ولقد انفجرت الدراسة العلمية التى تتناول السعادة على مدى العقود الثلاثة الماضية، والفائزان بجائزة نوبل دانيال كانيمان وأنجوس ديتون من جامعة برينستون، ينشران على نطاق واسع حول هذا الموضوع، كما أن جامعة بنسلفانيا لديها برنامج درجة جامعية كاملة فى علم النفس الإيجابى، بقيادة مارتن سيليجمان، أحد أكثر علماء النفس الاجتماعى شهرة فى العالم، كما تصدر مجلة أكاديمية تحت اسم (مجلة دراسات السعادة) منذ عام 2000، وتتمتع بمكانة عالية فى الأوساط العلمية.
ولطالما اعتبر الدين والفلسفة والفن موضوع السعادة مادة مناسبة للدراسة، لكن لم تهتم الدراسات العلمية به إلا فى السنوات الأخيرة، وفى هذا الإطار العلمى يقدم بروكز ثلاث معادلات من أجل السعادة التى يحتاج كل شخص إلى معرفتها، لبدء إدارة سعادته بشكل أكثر استباقية.
المعادلة الأولى تتمثل فى الرفاهية الذاتية، وتحددها الجينات والظروف والعادات، وهى مصطلح يستخدمه عادة علماء الاجتماع فى الإشارة إلى السعادة النابعة من الإنسان.
ويعتبر العديد من العلماء أن السعادة مصطلح غامض وغير موضوعى للغاية، ويحتوى على الكثير من الأفكار المتنافسة، وفى اللغة اليومية، تُستخدم السعادة للدلالة على كل شىء، من مزاج جيد إلى شعور أعمق بمعنى الحياة، لذلك قد يكون مفهوم الرفاهية الذاتية هو المعادلة الأولى لمعرفة حقيقة السعادة.
ووضع بروكز ثلاثة عناصر لتحقيق هذه الرفاهية الذاتية، أولا، ما وصفه بوراثة السعادة، موضحا أن الأبحاث العلمية أثبتت أن الجينات تلعب دورا فى استقبال الإنسان للأحداث وتأثيرها على مزاجه، وفى مقال نشر فى دورية علم النفس، يقدر علماء النفس أن المكون الوراثى لرفاهية الشخص هو بين 44٪ و 52٪، أى حوالى النصف.
أما المكونان الآخران، فهما الظروف والعادات، إذ تلعب الظروف المحيطة بنا دورا فى إحساسنا بالرفاهية الذاتية، لكن حتى لو لعبت الظروف دورًا كبيرًا، يعتقد معظم العلماء أن ذلك لا يهم كثيرا، لأن آثار الظروف لا تدوم طويلا، وفى الواقع، واحدة من سمات بقاء البشر هى التوازن النفسى، أو الميل إلى التأقلم مع الظروف بسرعة، سواء كانت جيدة أو سيئة. لكن ماذا عن العادات وتأثيرها على مشاعر السعادة؟، لمعرفة دور العادات من المهم الإطلاع على المعادلة الثانية للسعادة.
أما المعادلة الثانية، فتتمثل فى العادات، ويحددها الإيمان والأسرة والأصدقاء والعمل، ولخص بروكز آلاف الدراسات الأكاديمية، وتوصل إلى أن السعادة الدائمة تأتى من العلاقات الإنسانية والعمل الإنتاجى، والإيمان، الذى يوفر للإنسان الإحساس بالسعادة، لأنه ببساطة يساعده فى العثور على نمط، يمكنه من خلاله التفكير فى أسئلة الحياة الأعمق وتجاوز التركيز على الاهتمامات الدنيوية.
ولا توجد صيغة سحرية للشكل الذى يجب أن تتخذه العلاقات العائلية أو الصداقة، لكن المفتاح هو زراعة والحفاظ على علاقات محبة مخلصة مع الآخرين، واتبعت دراسة استثنائية استمرت لمدة 75 عاما خريجى جامعة هارفارد من عام 1939 إلى عام 1944، مع النظر فى جميع جوانب صحتهم الجسدية والنفسية.
والباحث الرئيسى لهذه الدراسة، عالم النفس جورج فايلانت، الذى لخص النتائج فى هذه العبارة «السعادة هى الحب»، موضحا أن الأشخاص الذين لديهم علاقات حب مع العائلة والأصدقاء، ينعمون بالسعادة، على عكس أولئك الذين يفتقرون إلى هذه العلاقات، لا يشعرون بالسعادة أبدا. وأخيرا، هناك العمل، ربما يشعر البعض بالصدمة من أن العمل يشكل جزءًا من معادلة السعادة، لكن واحدة من أقوى النتائج فى أدبيات السعادة هى أهمية المسعى البشرى المنتج فى خلق شعور بالهدف فى الحياة، وبالطبع، هناك وظائف جيدة ووظائف سيئة، لكن معظم الباحثين يؤكدون أن البطالة لا تجلب أى شىء سوى البؤس.
والمعادلة الثالثة تتمثل فى الرضا، ويحددها عاملان هما ما لديك وما تريد، وأوضح بروكز أن «المال لا يشترى السعادة»، لكنه أضاف أن الأمر ليس بهذه البساطة بالطبع، والأصح هو القول أن «المال لا يشترى الشعور بالرضا»، فالناس لا يشعرون أبدا بأن لديهم ما يكفى من المال، لأنهم يعتادون على ظروفهم بسرعة كبيرة ويحتاجون إلى المزيد من المال، لجعلهم سعداء مرة أخرى، فى ظل هذه الحقيقة، وقد يعتقد البعض أن الشعور بالرضا بعيد المنال، لكن هذا ليس صحيح تماما، لذا توفر تلك المعادلة طريقة أفضل للتفكير فى الرضا. وأثار العديد من القادة الروحانيين الكبار قضية الرضا وأهميتها فى الإحساس بالسعادة، وفى كتابه «فن السعادة»، يقول الدالاى لاما: «نحن بحاجة إلى معرفة كيف نحب ما نملك وليس امتلاك ما نحب، من أجل الشعور بالسعادة والاستقرار».
وتابع: هذا ليس مجرد منحنى روحى، بل هى صيغة عملية للحياة فى سلام وهدوء، وكثير منا يعيش حياته فى محاولة يائسة من أجل تحقيق مستويات أعلى من الرضا، عن طريق زيادة ما لدينا، من خلال الدائرة المفرغة من العمل والإنفاق وما إلى ذلك. لكن هذه الدائرة التى لا تنتهى يجب الخروج منها، إذا كنت ترغب دائما فى المزيد، فأنت لن تشعر أبدا بالرضا ولن تتذوق طعم السعادة. سر الرضا هو التركيز على تحقيق المعادلة الثالثة، حيث يكون ما تمتلكه أكثر بكثير مما تريده، ولكى تحقق هذه المعادلة للشعور بالرضا، لا تحسب ممتلكاتك (أو أموالك أو قوتك أو هيبتك أو استقرارك العاطفى أو شهرتك)، ومحاولة معرفة كيفية زيادتها، لكى تحقق ما تريد، وبالتالى يزداد الإحساس بالرضا، بل على العكس قم بعمل جرد لرغباتك الدنيوية وحاول تقليلها.
ولا تضع قائمة بالأمور التى ترغب فى القيام بها ولا تستطيع، بل قائمة بالأمور التى يمكن أن تستغنى عنها أو تتجاهلها، قلل من قائمة الأمور التى تشغل بالك وتجعلك دائم التفكير فى كيفية تحقيقها، وكلما انخفض عدد الأمور التى تسعى وراءها، كلما قل الصخب والصراخ داخل عقلك، وبالتالى زاد الإحساس بالرضا والسلام. فكر فى هذه المعادلات الثلاث على أنها الطبقة الأولى فى ميكانيكا بناء الحياة، وبينما لا تزال عالقًا فى المنزل بسبب فيروس كورونا، اذهب لدراسة معادلاتك واعمل على تحسين نتائجك.