النائب العام يكشف تفاصيل التحقيقات مع 23 شخصًا رفضوا دفن شهيدة الكورونا
أمر النائب العام المستشار حمادة الصاوي بحبس ثلاثة وعشرين متهمًا خمسة عشر يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم ٦٢٠٤ لسنة ٢٠٢٠ جنح مركز أجا؛ لاتهامهم بالاشتراك في ارتكاب عمل إرهابي وهو منع دفن جثمان سيدة متوفاة - إلى رحمة الله - باستخدام القوة والعنف والتهديد والترويع بغرض الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع ومصالحه وأمنه للخطر وإيذاء الأفراد وإلقاء الرعب بينهم وتعريض أمنهم وحقوقهم العامة والخاصة للخطر والإضرار بالسلام الاجتماعي ومنع وعرقلة السلطات العامة من ممارسة عملها ومقاومتها.
وكما جاء ذلك لاشتراكهم في تجمهر مؤلف من أكثر من خمسة أشخاص الغرض منه ارتكاب الجريمة الإرهابية المذكورة، والتأثير على السلطات العامة في أعمالها باستعمال القوة والعنف وبالتهديد وذلك مع موظفين عموميين لحملهم بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهم، وتعديهم عليهم بالقول أثناء وبسبب تأديتهم وظيفتهم، وتعطيلهم بالعنف والتهديد إقامة إحدى الشعائر الدينية.
وكشفت تحقيقات النيابة العامة تفصيلات حدوث الواقعة من شهادة الضابط رئيس وحدة تنفيذ الأحكام بمركز شرطة أجا الذي تلقى بلاغًا بها من غرفة عمليات النجدة صباح يوم الحادي عشر من شهر أبريل الجاري مفاده تجمهر بعض الأشخاص بقرية شبرا البهو بدائرة المركز لمنع دفن جثمان سيدة متوفاة - بلغت من العمر أربعة وستين عامًا - بمدافن ذويها بالقرية إثر إصابتها بفيروس "كورونا" المُسْتَجَد واعتراضهم سيارة الإسعاف التي تنقل الجثمان وطاقم الطب الوقائي المُصاحِب له وذويها من الوصول للمقابر؛ فانتقل صحبة قوة من الشرطة لمحل التجمهر؛ فتَبَيَّنَه تجمهرًا غفيرًا يردد المشاركون فيه هتافات لمنع دفن الجثمان بمقابر القرية، كما أضرم بعضهم النيران بقش غلال بأراض زراعية محيطة بالتجمهر وبإطارات سيارات بالطريق العام لمنع قوات الأمن وسيارة الإسعاف من المرور.
فوجهت الشرطة إليهم النصح والإرشاد ابتداءً لفض التجمهر؛ فلم يمتثلوا وتمادوا في فعلهم وتزايدت أعدادهم، وألقى بعض منهم الحجارة على قوة الشرطة وسيارة الإسعاف فأحدثت إحداها تلفًا بالسيارة الأخيرة، وسبُّوهم، وحرضوا الأهالي المتواجدين بمحيط التجمهر على المشاركة فيه؛ فأرهبوا بذلك المواطنين وكدَّروا السلم والأمن العام؛ واتخذت الشرطة لذلك إجراءات فض تجمهرهم بالغاز المُسيِّل للدموع؛ وقد أمكن ضبط ثلاثة وعشرين منهم بينما لاذ الباقون فرارًا، كما أمكن اتخاذ إجراءات دفن المتوفاة تحت إشراف طاقم الطب الوقائي بالإجراءات الوقائية اللازمة.
وسألت النيابة العامة نجل المتوفاة؛ فشهد بأن والدته كانت ملازمة لمسكنها لمرضها بالسكري واضطراب ضغط الدم وقصور بإحدى الكليتين وجلطة بأحد أصابع قدميها، وأنها قد ترددت في غضون شهري فبراير ومارس الماضيين على إحدى العيادات الخاصة للكشف الطبي على إصابة قدمها، ثم نُقلت لمستشفى الدلتا بالمنصورة في شهر مارس الماضي إثر تدهور حالتها الصحية وحاجتها لعملية جراحية لبتر إصبعها المصاب، وأنها قد أصيبت بضيق شديد في التنفس إبَّان إعدادها لتلك الجراحة وساءت حالتها؛ فنُقِلَت إلى مستشفى الصدر بالمنصورة حيث تبين إصابتها بفيروس "كورونا" المُسْتَجَد؛ فنُقِلَت لذلك إلى مستشفى أبو خليفة مقر الحجر الصحي بالإسماعيلية، وتُوفِّيَت إلى رحمة الله هناك في مساء اليوم العاشر من شهر إبريل الجاري، وبعد استلامه وبعض ذويه جثمان والدته لدفنه صباح اليوم التالي بعد اتخاذ إجراءات التغسيل والتكفين الوقائية؛ استقلوا سيارة إسعاف صحبة طاقم من إدارة الطب الوقائي التابع لوزارة الصحة وقوة من الشرطة للتأمين متجهين إلى مقابر الأسرة بقرية شبرا البهو لدفن الجثمان.
فعَلِم في تمام الساعة السادسة صباحًا من أحد ذويه بتجمهر بعض الأشخاص بالطريق الرئيسي المؤدي إلى المقابر مُحتَجِّين على دفن والدته بالقرية خشية من انتشار الفيروس الذي كانت مصابة به؛ فسلك طريقًا فرعيًا؛ ولكن المتجمهرين قطعوه عليه مهددين إياهم ومتعدين عليهم بالسب ولم يتقبلوا محاولات الشرطة لإثنائهم عن قطع الطريق؛ فعادوا إلى طريق المقابر الرئيسي ولبثوا فيه لحين وصول دعم من قوات الشرطة، وآنذاك فوجئ ببعض المتجمهرين يحاصرون سيارة الإسعاف استقلاله وسيارة الشرطة المصاحبة لها، وضربوا على سيارة الإسعاف بأيديهم للتهديد ثم تزايدت أعدادهم، وكان منهم من يحمل فأسًا ألاح به مهددًا إياهم، ومنهم من ألقى بحجارة عليهم أحدثت إحداها تلفًا بسيارة الإسعاف.
وأضرم آخرون النيران بإطارات سيارات وأخشاب لقطع الطريق العام، بينما ردد آخرون من المشاركين بالتجمهر هتافات مطالبة بمغادرتهم خشية الوباء المصابة به المتوفاة، وتعدَّى البعض الآخر على قوات الشرطة بالسب والألفاظ النابية؛ وقد لبثوا محاصَرين لنحو أربع ساعات حتى وصلت القوة الداعمة من الشرطة التي تمكنت من فض التجمهر ومن ثَمَّ اتخاذ إجراءات دفن الجثمان وتعقيم وتطهير القبر ومحيطه، وقد تعرف نجل المتوفاة على بعض من المتهمين حال عرضهم عليه مُحدِّدًا دور كل منهم بالواقعة.
كما سألت النيابة العامة سائق سيارة الإسعاف التي نقلت الجثمان؛ فشهد بمضمون شهادة نجل المتوفاة، مؤكدًا على اتخاذه الإجراءات الوقائية اللازمة لتعقيم السيارة كتكليفٍ من المستشفى التي كانت بها المتوفاة قبل نقلها، وأضاف بعلمه دعوة البعض أثناء أداء صلاة الفجر للتجمهر منعًا لدفن جثمان المتوفاة بالقرية. كما سألت النيابة العامة الموظف المكلف بتعقيم مقابر قرية شبرا البهو؛ فشهد بذات المضمون، مؤكدًا على اتخاذه إجراءات تعقيم مقابر القرية بعد دفن الجثمان ومحيطه والطريق المؤدي إليه. كما سُئل شاهد آخر على التجمهر من معارف زوج المتوفاة؛ فشهد بذات مضمون الشهادات السابقة.
ورصدت النيابة العامة عددًا من المقاطع المصورة المتداولة بمواقع التواصل الاجتماعي للواقعة وشاهدتها؛ فتبينت منها إحاطة بعض المتجمهرين بسيارة الإسعاف – ظهرت وجوههم وأصواتهم بوضوحٍ – وذلك للحيلولة دون تقدمها، وأَمْرِهِم سائقها بالمغادرة خشية الفيروس الذي كانت المتوفاة مصابة به، وضربهم على السيارة لإرهاب مستقليها، وإطلاق الشرطة لاحقًا على المتجمهرين غازًا لفضهم بعد اعتراضهم إياها وهتافهم ضدها وإلقاء أحدهم حجارة عليها، فانْفَضَّ التجمهر وسط محاولات هروب المشاركين فيه ورشقهم الشرطة بالحجارة، بينما ألقت الشرطة القبض على بعض منهم.
وباستجواب النيابة العامة المتهمين؛ أنكروا ما نسب إليهم من اتهامات، وقرر عدد منهم سماعهم مناديًا عبر مكبر صوت صباح يوم الواقعة أذاع بوصول متوفاة بفيروس "كورونا" إلى القرية داعيًا الأهالي للتجمهر للحيلولة دون دفنها بها، بينما تعرف أحد المتهمين على عدد من المتجمهرين الهاربين بالمقاطع المصورة المرصودة حال مواجهته بها، وقرر آخر بمشاهدته ثلاثة من المتهمين المضبوطين يعترضون بالقول سيارة الإسعاف ومن في صحبتها لمنع دفن المتوفاة.
وهذا ما أسفرت عنه التحقيقات حتى تاريخه، وجاري استكمالها، وستعلن النيابة العامة عما يُستَجَد فيها في بيانات لاحقة.