مي سمير تكتب: أردوغان.. "إذا خاصم فَجَر"
الرئيس التركى يفضح عملية اغتيال المخابرات الإيرانية لأحد معارضى الملالى بقلب إسطنبول بعد خلاف مع إيران
قتل "وردنجانى" ليست العملية الوحيدة التى نفذتها طهران فى تركيا.. وأنقرة سربت المعلومات انتقامًا
لا يعرف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الشرف فى الخصومة أو عند وقوع خلافات بينه وبين أى دولة مجاورة وبنفس الحماس الذى يشيد فيه أردوغان بدولة ونظام يأتى الهجوم بدرجة أكبر ولكن بأسلوب لم تعرفه السياسة الدولية من قبل لافتقاده لأدنى مستويات النزاهة وينسى أنه حين يفضح جرائم حلفائه السابقين يكشف عن تورطه فى التستر عليهم.
فى 14 نوفمبر من العام الماضى تم اغتيال مسعود مولوى وردنجانى، وهو أحد المعارضين الإيرانيين بالرصاص فى أحد شوارع إسطنبول، بعد أكثر من عام بقليل من مغادرته إيران، ورغم أن جميع المؤشرات كانت تؤكد أن النظام الإيرانى هو المسئول عن العملية إلا أن الأدلة المادية كانت غائبة.
منذ أيام خرجت تسريبات من اثنين من المسئولين الأتراك أكدوا فيها أن المخابرات الإيرانية هى الجهة المحرضة على قتل وردنجانى، ومن المرجح أن يسفر هذا الأمر عن توتر العلاقات بين تركيا وإيران، رغم تقاربهما طيلة السنوات الماضية.
1- اتهامات غير رسمية
وكالة رويترز نشرت تقريراً استندت فيه إلى اثنين من المسئولين الأتراك أكدا أن ضباط مخابرات فى القنصلية الإيرانية هما المسئولان عن عملية الاغتيال.
وقبل أسبوعين لجأت تركيا إلى أسلوبها المعروف فى فضح الحلفاء السابقين والضغط عليهم إذ تم نشر تقرير الشرطة التركية عن عملية القتل، تضمن أن وردنجانى لديه «ملف شخصى غير عادى»، إذ كان يعمل فى الأمن الإلكترونى فى وزارة الدفاع الإيرانية قبل أن يتحول إلى ناقد صريح لسلطات بلاده.
ورداً على سؤال بشأن احتمال ضلوع الحكومة الإيرانية فى قتل وردنجانى، قالت متحدثة باسم شرطة إسطنبول، إن التحقيق مستمر، وامتنعت عن الإدلاء بمزيد من التعليقات.
لم تتهم أنقرة إيران علناً بالتورط فى قتل وردنجانى، لكن المسئولين التركيين الكبيرين قالا إن الحكومة ستتحدث مع إيران بشأن اغتياله وقال أحدهما إن ممثلى الادعاء الأتراك يتابعون القضية أيضاً، وقال المسئول الأول إن المسلح المشتبه به وعددا آخر من المشتبه بهم، ومن بينهم أتراك وإيرانيون تم اعتقالهم فى الأسابيع التى أعقبت الحادث، وأبلغوا السلطات أنهم تصرفوا بأوامر ضابطين بالمخابرات فى القنصلية الإيرانية.
وذكر المسئول الثانى أن الأدلة التى شملت روايات المشتبه بهم تشير إلى أن مواطنين إيرانيين لعبوا دورا خطيرا فى التحريض والتنسيق فى عملية القتل، وأن أنقرة ستقدم لإيران قريباً رداً رسميا بخصوص مقتل وردنجانى والدور الذى قام به مسئولون يحملون جوازات دبلوماسية.
2- تواطؤ تركى
تسريب مثل هذه الاتهامات المدعومة بالأدلة يضع النظام التركى فى مأزق دبلوماسى، إذ إنه من الواضح أن السلطات التركية تعمدت تجاهل التورط الإيرانى فى اغتيال وردنجانى، فلم تكن هناك أى محاولة لذكر أو مناقشة تفاصيل العملية، وذلك على العكس من قضية الصحفى السعودى جمال خاشقجى، حيث عملت أعلى المستويات فى تركيا على الترويج لاتهام المملكة العربية السعودية، وعقدت مناقشات شبه يومية سواء فى الصحافة التركية أو القطرية.
التجاهل التركى فى البداية لتورط إيران الواضح فى عملية الاغتيال، ثم تسريب أخبار من مصادر تركية تلمح لتورط المخابرات الإيرانية فى القتل يشير إلى علم نظام أردوغان بالتورط الإيرانى منذ البداية ثم محاولة استغلال هذه المعلومة.
سبب تصرف تركيا واضحا وهو أنها فضلت المصالح المشتركة بين نظام أردوغان وطهران لذا لم يكن أردوغان يريد إحراج الإيرانيين، وعندما مع تراجعت علاقات الدولتين، بدأ نظام أردوغان يلمح للصحفيين بأنهم سيثيرون القضية مع إيران.
يذكر أن عملية اغتيال وردنجانى ليست أول عملية تنفذها المخابرات الإيرانية تحت مسمع ومرأى السلطات التركية، إذ شهدت تركيا فى أبريل 2017، اغتيال سعيد كريميان مالك القناة الفضائية «GEM» فى سيارته على يد مجهولين فى إسطنبول.
وكريميان مواطن بريطانى من أصل إيرانى، كان يدير تليفزيون GEM من دبى، حيث قدم برامج غربية للجمهور الناطق بالفارسية، بما فى ذلك عروض الألعاب الأمريكية والمسلسلات الدرامية.
وبحسب المجلس الوطنى للمقاومة الإيرانية الناشط فى المنفى تم اغتيال كريميان على يد الحرس الثورى بناء على أوامر من آية الله على خامنئى، المرشد الأعلى للبلاد.
3- عملية الاغتيال
ساعد وردنجانى، فى إدارة قناة على تطبيق تيليجرام تسمى «الصندوق الأسود»، والتى نشرت اتهامات بالفساد ضد أعضاء فى الحكومة والقضاء وأجهزة المخابرات الإيرانية، وادعى أن له اتصالات داخل الحرس الثورى الإيرانى.
حسب اثنين من المصادر الإيرانية، لـ»رويترز»، فإن وردنجانى تحدى تحذيراً وصله من الحرس الثورى بعدم التعاون مع شركات تركية فى مشروعات متعلقة بالطائرات بدون طيار. كان المنشق الإيرانى على اتصال أيضاً بالولايات المتحدة ودول أوروبية للعمل معها، وقال أحد المصدرين إن وردنجانى نشر وثائقا على الإنترنت تفيد بأنه نفذ عملية تسلل إلكترونى أو حصل على معلومات من معارف له فى إيران وإنه تجاهل طلبات الاتصال بالسفارة الإيرانية فى أنقرة والتقى أمريكيين ودبلوماسى إسرائيلى، ولم يذكر المصدر تفاصيل حول هذه الوثائق أو الاجتماعات.
وقال المصدر الإيرانى الثانى أيضا إن وردنجانى تم تحذيره من أن اتصالاته مع دبلوماسيين أجانب ستشكل خطورة عليه.
بحسب تقرير الشرطة التركية، نشر وردنجانى رسالة على وسائل التواصل الاجتماعى تهاجم نخبة الحرس الثورى الإيرانى فى أغسطس، قبل 3 أشهر من مقتله، إذ قال فى الرسالة: «سأكشف عن قادة المافيا الفاسدين.. أدعو الله ألا يقتلوننى قبل أن أفعل ذلك».
تم إطلاق النار على وردنجانى فى أحد شوارع حى سيسلى فى إسطنبول، ويبدو أن التخطيط لعملية الاغتيال تم داخل القنصلية الإيرانية، حيث يصف تقرير الشرطة التركية شخصا يدعى على إسفنجانى بأنه الجانى الرئيسى فى العملية والذى كان دائم التردد على القنصلية الإيرانية. وقال المسئولان التركيان إن إسفنجانى أقام علاقة صداقة مع وردنجانى بعد وصوله إلى إسطنبول قادماً من طهران فى يونيو 2018 ونقل معلومات عنه إلى المخابرات الإيرانيةـ وفى صباح اليوم السابق لعملية الاغتيال ذهب إسفنجانى إلى القنصلية الإيرانية، وكان التقى فى وقت لاحق مع عملاء المخابرات الإيرانية لمناقشة تفاصيل العملية، ويصف تقرير الشرطة إسفنجانى بأنه قائد الفريق الذى نفذ عملية اغتيال وردنجانى.
وأظهرت لقطات مصورة بثها التليفزيون التركى بعد مقتل وردنجانى مسلحاً يركض متجاوزاً الأخير وهو يسير بصحبة رجل آخر بأحد أحياء وسط إسطنبول فى الساعة العاشرة مساء ثم أطلق المسلح عدة طلقات على وردنجانى ليسقط على الأرض بينما كان صديقه يختبئ.
وتم نقل إسفنجانى عبر الحدود إلى إيران بعد ذلك بثلاثة أيام، حسبما تظهر نسخة من تذكرة حافلة استخدمها تحت اسم مستعار للوصول إلى منطقة أجرى على الحدود الشرقية لتركيا، وجرت عملية نقله بمساعدة أحد المهربين الإيرانيين.
4- توتر دبلوماسى
من المرجح أن تؤدى هذه المزاعم لتقويض العلاقات بين أنقرة وطهران، وقال سيث جيه فرانزتمان، المدير التنفيذى لمركز الشرق الأوسط لموقع آراب نيوز، إنه إذا كانت ادعاءات رويترز صحيحة، فإن اغتيال إيران لمعارض فى إسطنبول يعد عملاً غير قانونى ويستدعى رداً قاسياً من أنقرة، ويبدو أن إيران أظهرت تجاهلا صارخا لسيادة تركيا، وهذا يتطلب أكثر من مجرد شكوى دبلوماسية.
وأضاف فرانزتمان إن الجناة المزعومين وراء عملية القتل كانوا مسئولين يحملون جوازات سفر دبلوماسية، الأمر الذى يوضح كيف تتجاهل إيران الحدود فى المنطقة والعالم.
ورغم تعاون تركيا وإيران فى سوريا، يرى كثيرون أن شراكتهم هى زواج مصلحة فى منطقة الصراع حيث يدعمون الأطراف المتعارضة، إذ تدعم طهران الرئيس السورى بشار الأسد، فى حين تريد تركيا الإطاحة به.
وانخرطت وسائل الإعلام التركية والإيرانية الشهر الماضى فى حرب كلامية بشأن سوريا، حيث اتهمت كل دولة الأخرى بـ»متابعة خطوات عدوانية» فى البلد الذى مزقته الحرب.
وفى أكتوبر 2019، أدانت إيران وجود مواقع عسكرية تركية داخل سوريا، قائلة إنها انتهاك لسيادة أراضى سوريا، كما وصفت طهران عملية تركيا فى شمال سوريا فى أوائل أكتوبر ضد قوات وحدات حماية الشعب الكردية بأنها «غزو».
وسارع أردوغان بالرد، متهما إيران بخيانة الإجماع بين البلدين، كما أشعلت هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على المقاتلين المدعومين من أنقرة فى المناطق التى يسيطر عليها المتمردون فى سوريا غضب تركيا.
5- جهاز الاغتيال الإيرانى
عملية اغتيال وردنجانى مجرد عملية واحدة ضمن قائمة من العمليات التى قامت بها فى السنوات الأخيرة وزارة الاستخبارات والأمن فى إيران، ووفقاً لتقرير صادر عن قسم الأبحاث الاتحادية فى مكتبة الكونجرس، تعد وزارة الاستخبارات والأمن فى إيران واحدة من أقوى الأجهزة فى إيران وتعتمد على الخطف والاغتيال فى تعاملها مع المعارضين. ويصف التقرير جيشا يتكون من 30 ألف عميل استخباراتى مسئول عن اغتيال المعارضين السياسيين، والتجسس، وقبل كل شىء، سحق المنافسين المحتملين للحكم فى طهران. ويلاحظ التقرير أن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية تختلف عن فيلق القدس، الجناح المسئول عن العمليات الخارجية فى الحرس الثورى الإيرانى، إذ أنها وكالة محلية موجهة للتعامل مع معارضى النظام داخل إيران فضلاً عن الجماعات المنشقة التى ينظمها المغتربون الإيرانيون فى جميع أنحاء العالم، ويترأسها حالياً رجل الدين محمد علوى.
تفضل الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية خطف المعارضين فى الخارج وإعادتهم لإيران لاستجوابهم قبل إعدامهم، ولكن فى كثير من الأحيان تلجأ للاغتيال المباشر والمعلن، وبالنسبة للمعارضين الإيرانيين، لم يكن المنفى أبداً ضامنا للسلامة من عمليات الاغتيال العالمية المنهجية للدولة، وإجمالاً، فإن النظام الإيرانى متهم بتنفيذ أكثر من 160 اغتيالا سياسيا فى 19 دولة. أشهر العمليات الإيرانية كانت سلسلة بين عامى 1988 و1998 كانت معروفة فى الصحافة باسم «سلسلة القتل الإيرانية» وتضمنت جرائم قتل واختفاء بعض المفكرين المعارضين الإيرانيين الذين كانوا ينتقدون نظام الجمهورية الإسلامية.
وتم تنفيذ عمليات القتل والخطف من قبل عملاء المخابرات الإيرانية، وكان من بين الضحايا أكثر من 80 من الكتاب والمترجمين والشعراء والنشطاء السياسيين والمواطنين العاديين، وتم اغتيالهم من خلال مجموعة متنوعة من الوسائل مثل حوادث السيارات والطعن وإطلاق النار فى عمليات السطو والحقن بالبوتاسيوم لمحاكاة النوبة القلبية، لم يظهر نمط جرائم القتل حتى أواخر عام 1998 عندما قتل السياسى داريوش فروهر وزوجته بارفانه إسكندرى فروهر، وثلاثة من الكتاب المنشقين على مدى شهرين.