طبيب يروي تفاصيل أصعب لحظات حياته بتكليفه لمجابهة كورونا داخل مستشفى عزل بالأقصر
• المستشفى عالم آخر محفوف بالمخاطر على أطقم العمل
• ودعني أقاربي كأنهم لن يروني مرة أخرى قبل الذهاب للمستشفى
• لم أنم الليلة الأولى وشعرت بفيروس كورونا يتسلل إلى غرفتي
• بالنظر بين حالة المريض والأشعة تجد قيام الفيروس بعمل شيء غريب
الواجب الوطني، لا يقتصر على تلبية النداء بالإنضمام للجيش في أوقات الحروب، ولكنه يعد فرضًا لإنقاذ الوطن في الأوقات العصيبة التي تمر بها البلاد، رغم خطورة ما يواجهه ملبي النداء من مصير مجهول.
"الثلاثاء 24 مارس 2020، الساعة 3:00 مساءً"، دق جرس الهاتف ليرد الطبيب "مينا نبيل"، ويفاجئ بتكليفه ضمن إحدى فرق مواجهة عدوى فيروس كورونا بمستشفى العزل بإسنا، في ظل الظروف التي تحيط به من وفاة خاله قبلها بيومين ومرض والدته المسنة، بالإضافة إلى شعوره بالفزع من هذا الفيروس اللعين الذي يتنشر بسرعة كبيرة بين المخالطين للحالات التي تحمل المرض.
وبعد إفاقته من الفزع الذي حل به، خلال مدة زمنية لا تتعدى الدقيقتين، ورغم المخاوف من الفيروس، إلإ أنه وافق على الإنضمام لفريق مستشفى العزل الصحي بمستشفى اسنا، تلبية لنداء الواجب الوطني، حيث تم اخطاره باستلام العمل بدءً من الجمعة 27 مارس.
ويصف الطبيب صاحب الـ31 عامًا، لـ" الفجر"، مشاعر القلق التي سيطرت عليه خوفًا من مواجهة مصير غير معلوم لخوضه تجربة هي الأولى في حياته، دون أن يقوم بدراستها، نظرًا لكون الفيروس جديدًا على العالم، ويحيطها مخاوف مهولة من الإصابة بالعدوى.
ويتابع الطبيب الأقصري أخصائي القلب، لم أستطع السيطرة على مخاوفي، ما دعاني إلى زيارة العديد من أقاربي لتوديعهم خلال الأيام القليلة قبل ذهابي للمستشفى، ورأيت الحزن على أوجه جميع المحيطين بي من أٍقاربي وخاصة إخوتي ووالدي ووالدتي وخطيبتي اللذين ملأت أعينهم الدموع، مما أثار مخاوفي أكثر فأكثر.
"الخميس 26 مارس الساعة 2.00 ظهرًا"، وإذ بالطبيب في منزل خطيبته التي ذهب إليها لتوديعها، ويدق جرس الهاتف، ويخبره المتحدث بضروة الذهاب إلى مستشفى العزل مساء اليوم، بدلًا من الجمعة الذي كان مقرر له، ليودع زوجته المستقبلية سريعًا، متذكرًا، أن خطيبته قامت بتشجيعه على هذه التجربة رغم بكائها، وتركها ليذهب إلى المنزل لجمع أغراضه والتوجه لأداء الواجب الوطني.
وفي مشهد أسري تسيطر عليه مشاعر الحزن والدموع داخل منزل الطبيب، أوضح أنه تركهم سريعًا لما شهده من تأثر كبير على وجوهمم خاصة والده المريضة، مشيرًا إلى أن توديعهم له كأنهم لن يروه ثانية، مما جعل الأب يصر على إيصاله إلى المستشفى، لافتًا إلى أنه ترك والده أيضًا مسرعًا نحو باب الاستقبال خوفًا من تأثير وداعه.
"مستشفى العزل عالم آخر محفوف بالمخاطر التي يواجهها من بداخلها، وتلك المخاطر ربما تكون أصعب من خوض حرب بين جيشين"، هكذا وصف أخصائي القلب شعوره حين دخوله إلى مستشفى اسنا، مواصلًا حديثه: " بعد عقد اجتماع في هذا اليوم، ذهبت إلى غرفتي في العاشرة مساءً للنوم، ولكن مشاعر الخوف لم تتركني، وظللت أقرأ الانجيل وأصلي، ولم استطع النوم خوفًا من مصير مجهول، وسط احساس بأن الفيروس سيتسلل إلى غرفته، رغم اتخاذ جميع الاجراءات الوقائية التي قامت بها وزارة الصحة.
"الجمعة 27 مارس"يخطر الطبيب بالقيام بأولى مهامه بالمرور على حالات الافاقة، حيث يشير إلى أنه قام بارتداء جميع الواقيات المتوافرة من خوذة واقية وقفاز وبدلة عمليات، وكمامة وبدلة عمليات، وفوق كل هذا البلدة الصفراء العازلة، والنظارة الواقية، والأوفر شوز"، رغم ارتفاع درجات الحرارة، قائلًا " حسيت نفسي داخل فرن، ولكن الخوف يعمل أكتر من كدا".
وأوضح أنه حين شاهد ما قام بارتداءه أحد زملائه الأقدم له داخل الفريق الطبي، طمئنوه، وأخبروه بأن المرور لا يحتاج لكل تلك الواقيات، حيث يتطلب المرور فقط بلدة العمليات والكمامة والقفازات، لعدم التعامل مع المريض عن مقربه، وأن ارتداء البلدة الصفراء الواقية وغيرها من المستلزمات الأخرى حين التعامل مع المريض عن مقربه.
وأضاف، " أنه يتم التعامل حين التعامل مع المريض دون الحاجة إلى لمسه خلال المرور، يكون على مسافة تزيد عن مترين على الأقل، مع الحرص الشديد أثناء السير داخل المستشفى، وأثناء خلع الملابس الواقية"، مشيرًا إلى أن هناك طريقة معينة وبحرص شديد تحسبًا لاتصاق فيروس بها، وانتقاله إلى الجسد.
وأكد أن العامل النفسي من أهم طرق علاج المرضى، بالإضافة إلى طواقم الأطباء والتمريض أيضًا الذين يتعاملون معهم، وسط جو مليئ بالمخاوف وأصعب من السجن والحرب، حيث أن الأخيرة لها تدريبات وخطط يمشي الجميع عليها، أما هذا الفيروس اللعين فهو جديد على العالم، ولا يوجد له علاج مؤكد حتى الآن.
أما عن حالات المرضى داخل المستشفى، أوضح أن هناك العديد من الحالات داخلها، فنهم حالات عالية الخطورة، وأخرى متوسطة الخطورة، وحالات مستقرة، لافتًا إلى انه من الغريب في الأمر، أن هناك حالات لا تظهر عليها أعراض المرض، ولكن الأشعة تثبت تدهور حالتها الصحية، بعكس ما تظهر عليه الأعراض، ونرى نتيجة الأشعة التي تظهر استقرار حالته أو عدم سيطرة المرض عليه بشكل كبير.
وأكد أن جميع الحالات المصابة انتقل لها المرض من خلال زويهم كمخالطين لهم، موضحًاأن تأثير الفيروس بيبدأ من الجزء السفلي للرئة، وينتشر وصولًا للجزء العلوي ويدمرها تمامًا.
وكشف الطبيب مفاجأة عن هذا الفيروس وكيفية الشفاء منه من خلال تجارب مع المرضى الذين تم شفائهم، سنسردها لكم قراءنا الأعزاء في تقرير آخر، بالإضافة إلى نصائح الطبيب للأهالي بكيفية التعامل مع حالات الاشتباه داخل المنازل لحين التأكد منها، وكيفية الوقاية.