تفسير الشعراوي لقوله تعالى: {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق} الآية 48 من سورة التوبة
تفسير سورة التوبة للشيخ محمد متولي الشعراوي
تفسير الشعراوي للآية 48 من سورة التوبة
{لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ(48)}
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يُذكِّر المؤمنين بالوقائع السابقة التي ارتكبها المنافقون والكفار تجاه الإسلام والمسلمين من: مؤامرات على الإسلام، ومحاولات للإيقاع بين المسلمين؛ والتآمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {ابتغوا الفتنة مِن قَبْلُ} له صلى الله عليه وسلم دليل على تلك الوقائع السابقة. أما قوله تعالى: {وَقَلَّبُواْ لَكَ الأمور}. فالتقليب: هو جعل أسفل الشيء عاليه، وعاليه أسفله؛ حتى لا يستتر منه شيء. وهذا مظهر الفاكهة مُنْتقىً بعناية، فإذا اشتريتَ منه ملأ لك الكيس من الصنف الرديء الذي أخفاه أسفل القفص. وهكذا يأتي لك بالأسفل أو بالشيء الرديء المكشوف عورته. والذي لا يمكن أن تشتريه لو رأيته ويضعه لك.
وهكذا يفعل المنافقون حين يُقلِّبون الأمر على الوجوه المختلفة حتى يصادفوا ما يعطيهم أكبر الشر للمؤمنين دون أن يصابوا هم بشيء. والمثال الواضح: عندما تآمرت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءوا من كل قبيلة بشاب ليضربوه ضرب رجل واحد ليضيع دمه بين القبائل.
لكن الحق سبحانه يأتي إلى كل هذه الفتن ويجعلها لصالح المؤمنين، ولذلك يقول جل جلاله: {حتى جَآءَ الحق وَظَهَرَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَارِهُونَ} فالتآمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولة قتله جعل الأمور تؤدي إلى هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة وخروجه منها مما جعله الله سبحانه وتعالى سبباً في إظهار الحق وانتشار الإسلام؛ لأن الله لا يرسل رسولاً ثم يخذله، فما دام قد أرسل رسولاً فلابد أن ينصره، فأريحوا أنفسكم، ولا تبغوا الفتنة؛ لأن السابق من الفتن انقلب عليكم وأدَّى إلى خير كثير للمؤمنين.
وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171-173].
وقوله تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} وهو قضية كونية عقدية، فإذا رأيتَ قوماً مؤمنين التحموا بقتال قَوم كافرين وانهزموا، فاعلم أنهم ليسوا من جنود الله حقّا، وأن شرطاً من شروط الجندية لله قد اختل. ولذلك علينا أن نحاسب أنفسنا أولاً.
فمثلاً في غزو أُحد، عندما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرماة ألا يتركوا أماكنهم فخالفوه، هنا اختل شرط من شروط الجندية لله وهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فماذا كان يحدث للإسلام لو أن هؤلاء الرماة خالفوا رسول الله وانتصروا؟ لو حدث ذلك لَهانَتْ أوامر الرسول عليه الصلاة والسلام على المؤمنين.
ويوم حنين، حين اعتقد المؤمنون أنهم سينتصرون بكثرتهم وليس بإيمانهم، وكانت النتيجة أن أصيبوا بهزيمة قاسية أول المعركة؛ لتكون لهم درساً إيمانياً. ولذلك رأيت إيماناً انهزم أمام كفر، فاعلم أن شرطاً من شروط الجندية الإيمانية قد اختل.
واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا استكانوا والله يُحِبُّ الصابرين وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين} [آل عمران: 146-147].
إذن: فأول شيء فعله هؤلاء المقاتلون؛ أنهم عرفوا أن الذنوب يمكن أن تأتي إليهم بالهزيمة، فاستغفروا الله وتابوا إليه وحاربوا فنصرهم الله، وإذا حدث لهم ولم ينتصر المؤمنون؛ فمعنى هذا أن هناك خللاً في إيمانهم؛ لأن الله لا يترك قضية قرآنية لتأتي حادثة كونية فتكذبها.
يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ائذن لِّي}.
تفسير سورة التوبة للشيخ محمد متولي الشعراوي
تفسير الشعراوي للآية 48 من سورة التوبة