"الحياة لا تعرف المستحيل".. قصة كفاح أم فى مدرسة الصم (صور)
فاطمة الزهراء جلال، طفلة فقدت سمعها، وفى رحلة كفاحها فى الحياة، استطاعت أن تجعل المجتمع يتقبلها لتصبح نموذج أم ومعلمة كتبت قصة نجاحها فى إحدى مدارس الصم، لخصت حياتها فى جملة كتبت على باب غرفتها "الحياة لا تعرف المستحيل"، لتلغى قوانين الحياة وتسطر قوانينها الخاصة بها.
لم تعش "فاطمة" أو" زهراء" - كما تطلق عليها أسرتها - طفولة كباقى أقرانها، عندما أتمت العامين وثمانية أشهر، استيقظت الأسرة على آلام شديدة وحرارة مرتفعة وورم أسفل الأذن لتشخص أنها قد أصيبت بالتهاب الغدة النكافية، بمرور عدة أيام صعبة يمر بها البيت، وتصاب الطفلة حمى ويتدهور الأمر لتتأثر الأعصاب وتفقد العصب السمعى.
حاولت الأسرة أن تتكيف مع فقدان سمعها، حالة نادرة تحدث بعد التهاب الغدة النكافية، لكنها كانت كفيلة أن تغير مجرى الحياة، لتضع الأسرة فى اختيارات محدودة، فى أول قائمة الاختيارات المدارس الداخلية والتى لم تكن مشجعة؛ لأن تترك فيها طفلة، أما الاختيار الثانى والتى اتخذته الأسرة كسبيل لتعليم صغيرتها، أن تلتحق بمدرسة المستقبل بالإسكندرية لضعاف السمع ولغة الشفاة.
فانتقلت أسرة كاملة من مدينة السنطة التابعة لمحافظة الغربية إلى مدينة الإسكندرية التى تتوفر بها تلك المدرسة والتى أكسبتها قراءة الشفاة، وخضعت فى تلك الفترة إلى التخاطب، وكان لوالدتها دور فى التخاطب والتى درسته لتكون لها عونا.
وبعد مرورها بالثلاثة أعوام الأولى فى التعليم الأساسى وكانت المدرسة للتعليم الأساسى فقط وبعد ذلك يتم إلحاقها بمدارس عادية، ولظروف طرأت على الأسرة عادت الأسرة من حيث جاءت وقررت بأن تلحقها بأحد المدارس الخاصة فأصبحت مثل باقى أقرانها إلا أن تتميز عنهم فى فقدانها للسمع.
مرت أعوامها الدراسية الأساسية والتحقت بمدرسة حكومية، لتصبح التجربة أكثر كفاحًا، كتعليم عادي جدًا، وفصلُ مزدحم ولا يوجد اهتمام بطلابه، لثبت فيها "زهراء" وأنها أكثر ذكاءً عن باقى زملائها، فاجتازت المرحلة الإعدادية وأصبحت مؤهلة للتعليم الثانوى، لتجد نفسها بين مؤيد ومعارض، أن تكمل فى الثانوى العام، أو أن تسلك التعليم الفنى والمهنى، إلا أنها اختارت أن تخوض تجربة الثانوى العام بصعوبته فى المدرسة الحكومية التابعة للمدينة، وفى تلك الفترة ظهرت موهبتها فى الرسم وقدرتها الإبداعية؛ لتلتحق بكلية الفنون الجميلة، اجتازت الامتحانات وأثبت قدرتها على النجاح للمرة الثالثة فى الرحلة التعليمية، لتجد نفسها تطرق أبواب الجامعة بمجموع 73.5%، والذى اعتبر كل من حولها قمة التفوق أما هى ففرحت به إلا أنها لم تستطع أن تلتحق بحلمها "الفنون الجميلة".
التحقت الشابة بكلية الآداب جامعة طنطا قسم الاجتماع، لتبدأ حياة بعيدة عن مدينتها، وتسلك المواصلات يوميًا ذهابًا وإيابًا من والى الجامعة، فى بداية الأمر أردت فى البداية أن تدخل قسم المكتبات فلم تفلح فى أن تلتحق به، فدخلت قسم الاجتماع، وتخرجت من الجامعة بتقدير عام جيد، لم تنته الرحلة التعليمية لها، فأخذت تطور من نفسها وأخذت الدورات التدريبية فى الحاسب الآلى من ICDL وجرافيك و3D max.
وطرقت أبواب الحياة العملية وأخذت تبحث عن سبل الاستقلال المادى، لم تتهاون يومًا أو تتعامل على أنها شخص فاقد لشيئ بل تعاملت وكأنها شخص لديه أكثر من الشخص العادى، لتجعل من حياتها تحدى، عملت فى أكثر من مهنة بدأت بكاتبة على الكمبيوتر فى المجلس المحلى لمدينة السنطة، ثم عملت بعد ذلك فى شغل خاص بأبيها، لتشاء الأقدار أن تتعين مدرسة فى مدرسة الصم والبكم فى المدينة نفسها عام 2013م، لفئة 5%.
لتبدأ رحلة جديدة على أمل جديد فى عام 2013م، بعملية زراعة القوقعة باختصار شديد جهاز يتم تركيبه فى الأذن الداخلية من خلال إجراء عملية، والتى تكون بها نسبة خطورة، وتبقى نسبة نجاحها ضعيفة، إلا أنها وأسرتها جازفوا، على أمل أن يعود المفقود، أجرت العملية فى أغسطس من العام نفسه، لتظل عام بعد ذلك كل يوم فى سفر من مدينتها إلى مدينة طنطا لجلسات التخاطب، بجانب سفرها شهريًا لمدينة القاهرة للمتابعة، فلم ينجح الأمر بعودة الحاسة المفقودة بشكل المتوقع، لم تيأس ولم تتوقف بها الحياة، وتزوجت "زهراء" وبدأت بمسؤولية جديدة وأضافت على ذلك الجديد تحدى آخر لتعود بعدها مرة أخرى لمقاعد الجامعة فى دبلومات تربوية والدبلومة المهنية.
"فاطمة الزهراء" التى استطاعت أن ثبت للمجتمع مكانتها ونجاحها، فرغم أنها أم لطفلين إلا انها استطاعت أن تثبت نجاحها فى تعليمها وعملها، فكونها المدرسة الوحيدة التى فقدت سمعها فى مدرسة الصم، إلا أنها أصبحت مدرس فصل سمعى، ورئيس قسم مناهل المعرفة بالمدرسة، وكرمها اللواء ممدوح هجرس رئيس مجلس ومدينة السنطة فى العام السابق بجائزة أفضل معلم، كما تم تكرميها فى مؤتمر ذوى الإعاقة لعام 2018 بمدينة طنطا والتى اقترحت فيه أن يكون للذوى الإعاقة السمعية أقسام خاصة لهم فى الكليات التى تعتمد على الأعمال اليدوية كالرسم والخياطة.
وتقول فاطمة إن كونها أم لم يكن عائق بالنسبة لها، بل كان داعمًا لها فى طريق النجاح لتكون فخرًا لأبنائها، فكان زوجها مشجعًا لها، ولم يتهاون فى مساعدتها نحو الأفضل دائمًا، بجانب أسرتها وإدارة مدرستها، وترى زهراء أن أسر ذوى الاحتياجات الخاصة يجب أن تكون الداعمة الأولى لهم، من حيث دمجهم فى المجتمع والعمل على تصحيح مساراتهم التعيلمية وتقديم يد العون، وتنمية مواهبهم التمثيلية والفنية والرياضية.