د. رشا سمير تكتب: أزمة إدارة الأزمة
تُعد اليابان واحدة من أكثر مناطق العالم التى تواجه خطر الزلازل والأعاصير، حيث تشهد نشاطًا زلزاليًا أكثر من معظم دول العالم..على سبيل المثال وليس الحصر، زلزال كانتو عام 1923، وزلزال عام 1995 الذى أودى بحياة 6400 شخص، وسلسلة زلازل عام 2004 والتى كانت عبارة عن سبعة زلازل حدثت خلال ساعتين.. ومن هنا قرر الشعب والحكومة اليابانية أن تكون هناك استعدادات مُسبقة للتعامل مع الزلزال القادم بتحسب أكبر عن طريق ابتكار فكرة قد تبدو غريبة بعض الشىء ولكنها آتت ثمارها، تتمثل الفكرة فى تحضير أكياس هوائية فى المنازل، فإذا ما وقع زلزال يقوم ضاغط هواء كبير بضغط الهواء داخل أكياس الهواء التى كانت قد وضعت فى أساس البناء، هذه الأكياس شبيهة للوسائد الهوائية التى توجد فى السيارات للحفاظ على سائقها، وبعد ملء الاكياس بالهواء يُعلق المنزل فوق كيس من الهواء بمسافة 3 سنتيمترات ويحميه من الانهيار وبمجرد انتهاء الهزة يعود كيس الهواء إلى حالته الأولى عبر الضغط على مفتاح مخصص لهذا الأمر.. أما فى التدرب على مغادرة المبانى وقت الزلزال، والنظام الذى يتبعه الصغار قبل الكبار لمنع الهرج والمرج، فقد ضرب الشعب اليابانى مثلا عظيما فى النظام والتحضر للعالم كله.
تذكرت هذا المثال وأنا أرقب حالة الهلع التى أصابت الشعب المصرى وإحقاقا للحق بعض الشعوب الأخرى فى التعامل مع فيروس
الـCOVID-19 الذى انتشر مؤخرا وأودى بحياة الكثيرين.
الحقيقة أن المشهد أصبح مرتبكا للغاية، والسبب البشر أنفسهم، فعدم الوعى والدراية، وعدم وجود نظام تعليمى محترم منذ أعوام يصنع ثقافة حقيقية، جعل الجهل شعارا لكل مرة تحدث فيها أزمة، مثل ما حدث من هرجلة وقت زلازال 1992.
الواقع يؤكد أن الوضع لم يكن بهذا السوء فى الماضى، فإبان حرب 1967 وقت القصف والغارات وما يتبع ذلك من تجمعات فى الأقبية والبدرومات كان الشعب يتعامل بتحضر أكبر، اعتقادى الشخصى أن هذا الفرق بين جيلين تعاملوا مع الأزمة على اختلاف شكلها، هو فرق بين مشهد تعليمى كان له جدوى وأصبح اليوم بلا جدوى!.
هذا المشهد لم يبتعد كثيرا عن حكايات سمعناها وقت الحرب فى مصر عن الجيران الذين كانوا يتبادلون الطعام ويتكاتفون وقت وقوع أحدهم فى مأزق بالمال والمجهود والحُب، حتى باتت صورة فيلم (فى بيتنا رجُل) للمبدع إحسان عبد القدوس هى صورة الأسرة المصرية المتماسكة التى ضحت بمصيرها ومستقبلها لتأوى شابا مظلوما مُطاردا من العدالة، وهى الصورة التى ربما لو تكررت اليوم لأصبح أول رقم يطلبه رب البيت (عبد المنعم رياض) من موبايله الشخصى، هو رقم قسم الشُرطة لتسليم الزائر الغريب والحصول على المكافأة!..
لن أقول مصر، لأن مصر كما أراها ليست مُتهمة على الإطلاق، المتهم الحقيقى هو أخلاقنا التى تردت وقيمنا التى هوت ومبادئنا التى تنازلنا عنها فى مقابل القرش!.
فى أزمة الكورونا، أصبحت المتاجرة عينى عينك، أسعار الكمامات والقفازات الطبية والمطهرات تضاعفت ثلاث وأربع مرات، وأصبحت مثل المخدرات، لمجرد أن الناس محتاجة.. والحاجة لم تعد فقط أم الاختراع بل أصبحت أم الابتزاز!
بالمثل تكالب الناس على السوبر ماركت وكأنه يوم الحشر وكأن المجاعة قادمة لا محالة.. وبعد مظهر تتارى غير حضارى، وهو بالمناسبة مشهد تكرر فى بعض دول العالم الأخرى، خلت الرفوف من كل شىء، وأخذ من لا يحتاج الشىء كل الأشياء التى ربما احتاجها غيره، دون أن يتأزم أو يفكر لحظة فى غيره.. أنا ومن بعدى الطوفان! (شعار المرحلة).
فى اعتقادى أن الأزمة أحدثت ألف أزمة، والتعامل مع الأزمة بهدوء هو الحل الوحيد حتى ندعها تمر بسلام..أما التعليم فهو دون شك الخلاص لكل الأزمات القادمة، والأكيد أن الثقافة هى الوجه الوحيد المشرق لتحضر الدول..
أما عن مشهد عمال النظافة والبوفيهات والجارسونات وهم يرتدون القفازات الطبية وأقنعة الوجه ثم يتعاملون بها وكأنها محصنة ضد الأمراض (اللى بيهرش فى راسه واللى بيمسح مناخيره، ومكمل معاك عادى خالص وكأنه داخل يعمل عملية قلب مفتوح!) هو حقا مشهد مُضحك ومُبكى فى آن واحد.
أما بعد...الواضح أن أمريكا على وشك صرف العفريت الذى قامت بتحضير روحه قريبا، عقب تصريحات بأنها وجدت المصل!..نعم، انتهت المهمة، فمات من مات وعاش من عاش المهم نجا الدولار!.
أما بعد.. هل تعلمنا الدرس؟ هل ستمُر الأزمة فى المرة القادمة أم سنقف فى نفس الخندق من جديد؟
نصيحة أخيرة أقولها لى ولكم.. وهى جُملة بديعة كتبها أستاذنا العظيم نجيب محفوظ فى إحدى رواياته:
((الخوف لا يمنع الموت ولكنه يمنع الحياة)).