تفاصيل لقاء البابا فرنسيس مع قضاة محكمة دولة الفاتيكان
التقى قداسة البابا فرنسيس الثاني، بابا الفاتيكان، صباح السبت، مع قضاة محكمة دولة الفاتيكان، جاء ذلك بمناسبة افتتاح السنة القضائية الحادية والتسعين للقضاة.
ووجه البابا لضيوفه خطابًا مسهبًا استهله أشار خلالها القيمة الثمينة لنشاطهم، لأنه لا يضمن النظام وحسب إنما أيضا يؤطّر للمسؤوليات في العلاقات المعاشة بين الأشخاص ضمن دولة حاضرة الفاتيكان، كما شجعهم على متابعة التزامهم تحركهم القناعة بأن درب العدالة هي الدرب التي ترتكز إليها الأخوة الأصيلة التي تحمي الجميع لاسيما الأشخاص الأكثر ضعفًا وهشاشة.
وقال بابا الفاتيكان، أن الإنجيل الذي يعلمنا كيف نكتسب نظرة إلى الأمور أعمق من نظرة العالم، ويُظهر لنا أن العدالة التي اقترحها يسوع ليست مجرد مجموعة من القواعد المطّبقة، لكنها عبارة عن جهوزية القلب التي تقود الشخص المسؤول، لافتا الي أن الإنجيل يحثنا على تحقيق العدالة في داخلنا قبل كل شيء، مناضلين ضد النميمة الساكنة فينا، مضيفًا أن هذا الأمر يساعدنا على الحيلولة دون تغلّب الشر على الخير.
وأشار فرنسيس إلى أن العدالة وحدها ليست كافية، إذ لا بد أن ترافقها باقي الفضائل، خصوصا الفضائل الأساسية، ألا وهي الفطنة والقوة والقناعة، موضحًا أن الفطنة تسمح لنا بالتمييز بين ما هو حقيقي وما هو باطل، والقناعة هي عنصر اعتدال وتوازن في تقييم الوقائع والأوضاع وتفسح لنا المجال أمام اتخاذ القرارات استنادا إلى ما يمليه علينا ضميرنا، أما القوة فتتيح لنا تخطي الصعوبات التي نواجهها والتصدي للضغوط، مضيفًا أن هذا الأمر ينطبق بنوع خاص على القضاة المدعوين إلى اتخاذ قرارات حساسة ومعقدة.
وذكّر البابا ضيوفه بأنه غالبًا ما يجدون أنفسهم أمام أشخاص متعطشين إلى العدالة، أشخاص متألمين يعانون من القلق واليأس الوجودي، مضيفًا: من هذا المنطلق لا بد أن يغوص القاضي في المسائل الإنسانية المعقدة، كي يقدم أجوبة مناسبة ويوفّق بين تطبيق القانون وممارسة الرحمة التي علمنا إياها يسوع، لأنه في الرحمة تبلغ العدالة ملأها.
ولفت إلى أن التشريعات في دولة حاضرة الفاتيكان شهدت إصلاحات هامة خلال العقد الماضي لاسيما في مجال قانون العقوبات، وهذه الإصلاحات لم تنبع فقط من الحاجة إلى التحديث إنما أيضا من حرص الكرسي الرسولي على الالتزام في تعهداته الدولية التي اتخذها أيضا نيابة عن دولة حاضرة الفاتيكان، مضيفًا أن هذه التعهدات تتعلق في المقام الأول بحماية الكائن البشري، المهدَّد بكرامته، وبحماية الفرق الاجتماعية التي غالبًا ما تقع ضحية أشكال جديدة ومقيتة من فقدان الشرعية.
وأكد أن الهدف الأساسي لهذه الإصلاحات يندرج في إطار رسالة الكنيسة، وهو جزء لا يتجزّأ من نشاطها وخدمتها، وهذا الأمر يُترجم من خلال مقاسمة الكرسي الرسولي جهود الجماعة الدولية الهادفة إلى تحقيق التعايش العادل والنزيه، مع إيلاء اهتمام خاص بأوضع الأشخاص المهمشين والمقصيين والمحرومين من الخيور الأساسية، وغالبًا ما تُداس كرامتهم البشرية، مضيفًا: لهذا السبب أطلق الكرسي الرسولي عملية ترمي إلى جعل تشريعاته تتلاءم مع القانون الدولي، وهو يسعى أيضا إلى التصدي للاشرعية في المجال المالي على الصعيد الدولي.
وشدد على أن الكرسي الرسولي عازم على متابعة السير في هذا الاتجاه، ليس على صعيد الإصلاحات التشريعية وحسب ولكن أيضا من خلال تطوير أشكال جديدة من التعاون القضائي على صعيد التحقيقات والتحري، ضمن الأطر القانونية وتماشيًا مع القوانين الدولية.
وعاد البابا ليسلط الضوء على أهمية أن يأخذ نشاط القاضي في عين الاعتبار المعايير الإنسانية قبل أن يُصدر الأحكام، لأن العدالة تنبع من نوعية واستقامة الأشخاص، لاسيما القضاة، لذا لا بد أن تُطبق العدالة من قبل أشخاص مستقيمين مذكرا بأن كل إنسان سيمثل يومًا ما أمام العدالة الإلهية، وهذا الأمر ينبغي أن يحفّزنا على القيام بواجبنا بجدية وتواضع.
في ختام كلمته إلى قضاة محكمة دولة حاضرة الفاتيكان شجع البابا ضيوفه على تكثيف التزامهم كي توضع العدالة بتصرف الكرامة البشرية والحرية والسلام.