مي سمير تكتب: عندما ينتقم الرؤساء
ترامب يطرد من شهدوا ضده فى «العزل».. والعثور على معارضى بوتين «مقتولين».. وأردوغان يفضل السجن والطرد من الوظائف
فى عالم السياسة يفصل خيط رفيع بين المكسب والخسارة، والإنجاز والتراجع، والانتصار والهزيمة، فى هذا العالم أيضاً تكفى خطوة واحدة خاطئة لإنهاء المشوار السياسى لصاحبها، وكلمة عابرة قد تكتب النهاية لحياة مهنية، وإيماءة غير مقصودة قد تنهى حياة صاحبها.
الأيام الأولى من عام 2020 شهدت حلقات متعددة لسلسلة الانتقام السياسى لعب بطولتها رؤساء العالم، وكشفت كواليس عالم السياسة الغربية أن الانتقام السياسى تحول لأداة لا يستغنى عنها الرؤساء ولا يترددون فى الإعلان عنها كما فعل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عندما أعلن أن كل من وقف ضده فى محاولة عزله سيدفع الثمن.
1- العزل السياسي
عقب براءته من التهم الموجهة إليه بهدف عزله، خلال جلسة تصويت تاريخية فى مجلس الشيوخ الأمريكى، الذى يسيطر عليه أغلبية جمهورية، بدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حملة موسعة للانتقام من كل الشخصيات التى تورطت فى «خدعة المساءلة» على حد وصفه.
كان مجلس الشيوخ، صوّت الأسبوع الماضى لصالح ترامب فى تهمة إساءة استخدام السلطة، بواقع 52 رأوا أن ترامب غير مذنب فيما أدانه 48 نائباً، وفى التهمة الثانية المعروفة بعرقلة عمل الكونجرس، صوّت 53 لصالح ترامب، و47 رأوا أنه مذنب، وبذلك تم إغلاق قضية العزل التى بدأتها الديمقراطية نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأمريكى، قبل نحو 6 أسابيع.
ومع إسدال ستار النهاية على جلسات المساءلة بدأ ترامب مسلسل انتقامه فأطاح بمسئولين حكوميين كانوا قد أدلوا بشهاداتهم المدمرة خلال جلسات الاستماع ونفذ العقاب بعد يومين فقط من تبرئته من قبل مجلس الشيوخ.
وأطاح ترامب بالكولونيل ألكسندر فيندمان، الضابط الأمريكى، مساعد الأمن القومى الذى لعب دوراً رئيسياً فى قضية العزل، وقال محامى فيندمان إن موكله تم اصطحابه إلى خارج البيت الأبيض الجمعة الماضى، وطلبوا منه المغادرة رداً على «قوله الحقيقة».
وقال المحامى ديفيد برسمان فى بيان: «الحقيقة كلفت ألكسندر فيندمان وظيفته ومهنته وخصوصيته»، وقال الجيش فى بيان إنه طلب من شقيق فيندمان التوأم المقدم يفجينى فيندمان، أن يترك وظيفته كمحام فى البيت الأبيض فى اليوم نفسه ولكن تم إعادة تعيين الرجلين فى الجيش.
بعد ذلك جاءت كلمة تفيد بأن جوردون سوندلاند، سفير أمريكا فى الاتحاد الأوروبى، تم عزله هو الآخر من وظيفته، إذ كان سوندلاند أحد الشهود الرئيسيين فى المساءلة. ولم يتردد البيت الأبيض فى الإعلان عن أن ترامب سينتقم من الذين يعتبرهم أعداءً فى محاولة إقالته، وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، ستيفانى جريشام، الخميس الماضى، إن ترامب كان سعيداً لأنه انتهى من إجراءات المساءلة قبل أن تختم تصريحها بالقول: «وربما يتعين على الناس دفع ثمن ذلك».
وعلقت رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسى، على إقالة فيندمان فى بيان بقولها إن تصرف ترامب «عمل انتقامى واضح ووقح، كما يظهر خوف الرئيس من الحقيقة». وصفت النائبة جاكى سبيير، طرد الشهود فى قضية «عزل ترامب» بأنها «مذبحة ليلة الجمعة» فى إشارة إلى مذبحة الرئيس ريتشارد نيكسون المعروفة بـ«مذبحة السبت» عندما استقال كبار مسئولى وزارة العدل بعد رفضهم تنفيذ طلبه بإقالة المدعى خاص الذى يتولى عملية التحقيق فى فضيحة ووترجيت.
منذ تبرئته، لم يتراجع ترامب عن مطاردة منتقديه، بمن فيهم السناتور ميت رومنى، الجمهورى الوحيد الذى صوّت ضده، وفى يوم الجمعة، هاجم السيناتور جو مانشين، وهو ديمقراطى معتدل من ولاية فرجينيا الغربية كان ترامب يأمل أن يصوّت مع الجمهوريين لتبرئته ولكن انتهى به الأمر إلى التصويت لصالح الإدانة، ونشر ترامب تغريدة كتب فيها أنه مندهش للغاية ويشعر بخيبة أمل من تصويت مانشين، ووصفه بأنه كان «مجرد دمية» فى أيدى الزعماء الديمقراطيين فى مجلسى النواب والشيوخ.
2- الاغتيال
فى روسيا تختلف الطريقة التى يتعامل بها الرئيس مع معارضيه، إذ تم العثور على أحد منتقدى الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين مقتولاً فى فندق فرنسى فى حادثة وصفتها الشرطة بأنها «اغتيال بدوافع سياسية»، حيث تم العثور على عمران علييف، 44 عاما، ملقى على الأرض مصاباً بجروح متعددة فى صدره وحلقه مع سكين ملطخ بالدماء بجواره.
كان علييف من أشد المنتقدين لـ«بوتين» والزعيم الشيشانى رمضان قديروف من خلال تعليقات على مدونته وحساباته على يوتيوب منذ سنوات، حيث كان يعمل تحت اسم مستعار «منصور ستاري» أو «أولد منصور».
هذه الحادثة الأخيرة، حسب موقع «فوكس نيوز»، تثير مخاوف من قيام فرقة سياسية روسية خاصة بمطاردة أى أصوات مناهضة للنظام الروسى فى الخفاء. واختفى صديق علييف البالغ من العمر 35 عاما بعد فترة وجيزة من عملية القتل المفزعة التى اكتشفها مدير الفندق فى 30 يناير الماضى.
سافر علييف وصديقه من منزل الأول فى بلجيكا حيث كان تحت حماية الشرطة، إلى مدينة ليل الفرنسية، بالقطار فى 29 يناير حيث حجزا فى فندق كوك هاردى، وقبل يوم من وفاته، أبلغ علييف زوجته وأطفاله الأربعة أنه سيغادر ليوم واحد إلى فرنسا من أجل إتمام عمل ما.
وقال مسئول كبير بالشرطة الفرنسية: «علييف غادر بلجيكا فى 29 يناير، حيث كان تحت حماية الشرطة بسبب تهديدات من روسيا والشيشان بسبب مدونته المعارضة وكان يرافقه شيشانى آخر، تعرفنا عليه بشكل مبدئى بناء على وثائق سفره».
وأكد مسئول الشرطة الفرنسية أن التحقيقات الرسمية تتعامل مع فرضية تورط أجهزة مخابرات فى عملية القتل، و«نحن نجمع ونحلل الأدلة من أنماط السفر، والاعتراضات الإلكترونية، وأدوات التحقيق الأخرى الموجودة تحت تصرفنا». فى بيان عن الحادث أشارت السلطات الفرنسية إلى أن البصمات السياسية واضحة ولا لبس فيها، الأمر الذى أكده المدون الشيشانى تومسو عبد الرحمن على موقع إخبارى محلى شيشانى، بقوله إن علييف تعرض فى السابق لمحاولة اغتيال فى بلجيكا بعد تصريحاته السياسية المعارضة للنظام الروسى، لذلك فإن فرضية الاغتيال السياسى تبقى الأكثر ترجيحًا.
ويعد علييف المعارض الشيشانى الثالث الذى يقتل بشكل غامض فى السنوات العشر الأخيرة، والثانى فى الأشهر الستة الأخيرة، وواحد من عشرات المعارضين الأوروبيين الشرقيين الذين لقوا حتفهم فى ساحات خارجية بعد معارضتهم لنظام الرئيس بوتين.
3- اتهام الفساد
فى فرنسا، قد يغفر المواطن الفرنسى كل خطايا السياسة إلا خطيئة الفساد المالى، ولذا كان من الملائم بالنسبة للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أن يستخدم اتهام الفساد المالى من أجل التخلص من سيجولين رويال، سفيرة فرنسا لدى القطبين بعد انتقادات رويال لماكرون.
خلال الأسابيع الماضية، فتحت المحكمة المالية فى فرنسا تحقيقًا أوليًا فى احتمال إساءة استخدام الأموال المخصصة لسجولين رويال كسفيرة لفرنسا لدى القطبين. «رويال» متهمة حالياً بأنها استخدمت 100 ألف يورو لتحقيق مكاسب شخصية، وعلى نحو محدد فى الترويج لأحد كتبها، ونشرت رويال، الشريك السابق للرئيس الاشتراكى السابق فرانسوا هولاند، رسالة على «فيس بوك» كتبت فيها أنه تم إخطارها بشكل شبه رسمى بفصلها الوشيك.
وفى خطاب رسمى من وزارة الخارجية تم إخطار رويال بأنه يتم التفكير فى عزلها من منصبها فى ضوء التحقيقات الأخيرة، وقالت رويال إنها فهمت من الرسالة المؤرخة فى 7 يناير أن طردها «حدث بالفعل».
وكتبت رويال على تويتر: «أفهم من هذه الرسالة أن رئيس الجمهورية سيقوم بعزلى من منصبى فى اجتماع وزارى مقبل لأننى لا أنوى التخلى عن حرية التعبير المكفولة بشكل دستورى».
كان تعيين رويال فى منصب سفيرة فرنسا فى القطب الشمالى والقطب الجنوبى فى عام 2017 بمثابة جائزة عزاء للوزيرة السابقة التى عانت من خسارة كثير من المناصب العليا، وفى الأسابيع الأخيرة، بدا أن منصبها فى خطر بعد سلسلة من التغريدات وبيانات تنتقد الحكومة وماكرون.
فى ردها على إعلان ماكرون فى ديسمبر من العام الماضى، فى خضم الإضرابات بشأن إصلاحات المعاشات التقاعدية، أنه سيتخلى عن معاشه الرئاسى، كتبت رويال تغريدة أن «السؤال الحقيقى هو ما إذا كان مصرفى الاستثمار السابق سيعود إلى عالم الأعمال بعد أن يترك منصبه».
وتسببت تصريحات رويال فى غضب ماكرون والحكومة الفرنسية، إذ حذرت وزيرة البيئة إليزابيث بورنى السفيرة الفرنسية، التى هزمها نيكولا ساركوزى فى سباق الرئاسة عام 2007، بأن يتعين عليها أن تختار. وقالت بورنى لقناة بى أف أم الإخبارية: «إما أنها تريد أن تظل سفيرة أو تريد التعبير عن رأيها وفى هذه الحالة يجب ألا تكون سفيرة».
واتهم العديد من كبار حلفاء ماكرون، رويال بأنها عازمة على الانتقام، بعد فشلها فى الحصول على منصب مهم فى مجلس الوزراء أو المفوضية الأوروبية، وفى المقابل اتهمت رويال منتقديها بمحاولة إسكات صوت نقدى.
4- مطاردة الساحرات
يحتل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، مكانة خاصة فى عالم الانتقام الرئاسى، إذ يطبق استراتيجية تعرف باسم «مطاردة الساحرات» إذ لا يكتفى بالقضاء على غريمه ولكنه يسحق جميع المرتبطين بهذا المنافس. بدأت القصة فى عام 2013 عندما تم فتح تحقيقات جنائية فى قضية فساد تورط فيها 52 من الشخصيات البارزة فى الحكومة التركية، والذين اعتقلوا فى 17 ديسمبر، وكانوا على صلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم من بينهم سليمان أصلان، مدير بنك خلق المملوك للدولة، ورجل الأعمال الإيرانى رضا ضراب، كما تم اتهام عدد من أعضاء مجلس الوزراء بتهم الرشوة، الفساد، التزوير، الغش، غسيل الأموال وتهريب الذهب. واعتبر أردوغان أن رجل الدين فتح الله جولن، حليفه السابق والمقيم فى أمريكا، هو المسئول الأول الذى يقف وراء تحريك هذه الفضيحة، لأن أعضاء حركة جولن الدينية كانوا يسيطرون على سلك القضاء والشرطة. ولذا اتهم أردوغان أتباع غريمه بتحريك هذه القضية للقضاء عليه وبدأ أردوغان على الفور فى التحرك ضد فتح الله جولن وأتباعه، قبل أن ينتهز محاولة الانقلاب الفاشلة فى 2016 من أجل اتهام الحركة بأنها المسئولة عن هذه المحاولة وهو الاتهام الذى ينفيه تماما فتح الله جولن.
وفى أعقاب محاولة الانقلاب، شنت الحكومة التركية حملة واسعة النطاق على أتباع الحركة بتهمة تدبير الانقلاب، ما أدى إلى عزل أكثر من 150 ألف شخص من وظائف الدولة، وسجن ما يزيد على 30 ألف شخص والتحقيق مع 600 ألف شخص فى مزاعم الإرهاب. كما طالبت تركيا العديد من دول العالم بتسليم أعضاء الحركة الذين فروا من القمع التركى وطلبوا اللجوء فى الدول الأجنبية، وتصف صحافة العالم الممارسات التركية ضد حركة جولن سواء داخل تركيا أو خارجها بمطاردة الساحرات.