أوطَن فهد الطويلي، نفسه على العيش داخل مدينة ووهان الصينية، بعدما قهر من جرائم "الحوثيين" داخل العاصمة اليمنية صنعاء، الذي شبّ فيها وخرج منها في يوليو عام 2016، لتحقيق ذَّاته، وبدأ عهد جديد مليء بالإنجازات استمر أربع سنواتٍ، حتى أسدل فيروس كورونا ستائره على استكمال دراسته للدكتوراة، وعزل بغرفته تحت إشراف الحجر الصحي، ولم يَنل مراد، متشبثًا بعهود الجماعة الإرهابية بإجلاء جاليات اليمن من المدينة المنكوبة "سنقبل النجاة تحت أي ظرف.. اليمنيين هنا على استعداد للمخاطرة بأرواحهم مع أي جهة.. فالأمور مرهونة بأوقاتها".
اختار طالب الماجستير في تخصص هندسة الاتصالات هو وزملائه في الجامعة، الذين يصل عددهم إلى (170 طالب وطالبة) وأيضًا الأسر اليمنية المتواجدة في مدينة ووهان- مركز انتشار فيروس كورونا القاتل-، مسارًا يناسبهم عقب تفشي الفيروس، رغم إدراكهم لخطورة القرار "ومع ذلك لم نبلغ بأي جهة تريد إجلاءنا.. فقط تصريحات ووعود مفبركة.. إضافة أن ما في امكانيات طبية لدى الحوثي لقيامهم بهذة المبادرة". غضَّ صوت "الطويلي"، وإحتدم غيظه لما آلت إليه الأوضاع من حوله "كنت أظن أني سلمت من بطش الحرب"، وبرغم هذه المعاناة، إلا أن الأمل يحدوه طيلة وجوده في الصين "السلطات الصينية مشكورة تعمل المستحيل ميشانا.. لقد عملوا ما لم تعمله دولتنا".
اِشتَكى ظهر صاحب الـ(31 ربيعًا)، من الاستلقاء على تخته طيلة الوقت، والإقامة في غرفته منذ آخر ديسمبر المنصرم، كل نشاطاته اليومية تتلخص في القراءة والألعاب الإلكترونية "بضيع وقتي من كتر القلق والخوف في لعبة ببجي.. نوع من أنواع الانتصار على العدو طالما عاجز عن تحقيقه في الأرض الواقع.. وبنتقابل مع إخوانا العرب بلكي تتحقق هدي الأمنية"، مناشدًا البلدان العربية في مساندتهم في أزمتهم، لاسيما وأن جميع البلدان العربية والأوربية تحركت في إجلاء مواطنيهم إلا السلطات اليمنية "تعذبنا داخل اليمن وخارجها.. وفطرنا قلوب عوائلنا"، توقف عن الحديث فجأة ورفع صوته بالدعاء تيمّنا بوالدته "الله يسخر لك كل قلب، الله يعلي جاهك، الله يشبع جوعتك، الله لايلجيك لااحد من عبادة"، محاولًا تيسير الوقت على نفسه وأيضًا أسرته، الذي تعيش ظلم الحرب "القلق قدرنا باليمن وخارجها.. لا عارف أطمن أمي وعلى طول تحكيني على تطبيق الإيمو.. وتنصحني بالصلاة والنظافة وعيونها باكية.. وضع صعب يعيشه بس اليمني في كل مكان".
تظل الجالية اليمنية بجميع فئاتها تنتظر مصيرًا معلقًا بيد مسؤولي الحكومة اليمنية، ورجال الأعمال، بإجلائهم من المدينة- الذي وصفاها بـ"الأشباح" ووصل عدد ضحايا الفيروس إلى 425 حالة وفاة وإصابة 20438 حالة-، وصرف مساعدة مالية عاجلة لهم، خاصة الطلاب الذين حصلوا على منحة جزئية من الحكومة الصينية، نظرًا لأن أخر ما توصلت إليه السفارة اليمنية توفير مساعدة مالية للطلاب اليمنيين المبتعثين من الحكومة اليمنية فقط "ما في رحمة للغلبان داخل وبرات البلد.. والوضع المالي تبعنا تعبان"، يقولها الشاب اليمني، الذي ضاقت في وجهه كل السبل، لاسيما وأن العديد منهم لا يمتلكون قوت يومهم "المعيشة والأسعار غالية وفلوس المنحة تكفي نص الشهر ونتدين من أصحابنا وأبناء الجالية"، الذين يعيشون حياة الجحيم هم وصغارهم، لذا يطالبون دول الجوار في مساعدتهم في الإجلاء، لاسيما وأنهم لا ينتمون لأي جهة سياسية أحزب "نحن نمثل فقط اليمن" "صغارنا داقوا العذاب في جميع صوره قتل وتشريد.. وهسة الموت بالمرض.. يعني وين نروح ولمين نلجأ؟، فحكومته غضَّت من شأنهم-بحسب قوله- .
تغاضى اليمني، عن حلم السفر لكندا بعد الأزمة الصينية، وتركزت أحلامه صوب العودة لمدينته، بالرغم من ثقته في السلطات الصينية وسرعتها في احتواء الأزمة "بلد العباقرة.. الصيني شجاع بل بالعكس يشتغل ويعمل في هذه الظروف القاسية"، ولن تكسره الأزمة حتى الأن. أثقله النوم وتثاءب؛ لكن الجوع يؤلمه "الحكومة الصينية مشكورة تجلب لنا الخضروات وبعض الأكل واطبخة لحالي"، خاصة وكل فرد في غرفته صعب يتقاسم الطعام مع أبناء بلدته أو السؤال عنهم، وهذه من أصعب المواقف المارة عليهم في تجمع سكني واحد "حتى تخاف تجتمع مع زملائك".
انطمست معالم المدينة التي كانت تعج دومًا بالحركة، من مخيلة الإبن الأوسط لأسرته- التي حلمت طيلة الوقت بحصوله على درجة الدكتوراه والعمل بالصين؛ كي ينعش حالتهم الاقتصادية- وظل الخوف من انتقال فيروس كورونا له شبح يطارده، لذا ارتدى القناع الطبي، طيلة الوقت "صديقي ومتنفسي في الغربة"، في الوقت الراهن، متسائلاً "هل يعقل أن أهرب من طلقات الرصاص واحتمي بكمامة طبية؟.".