الصلاة عند المصري القديم.. كيف كانت وما نصوصها؟
مصر كما كانت مهد الحضارات وعرفت معاني الرقي والتقدم منذ آلاف السنوات، هي أيضًا مهد للديانات، والمصري القديم من وحي الترانيم التي تركها، يبدو أنه وصل إلى شئ ما يتعلق بخالق الكون ووجوده وعبر التقرير التالي يكشف لنا مجدي شاكر كبير أثريين، عن أسرار الصلاة عند الأجداد.
قال شاكر في تصريحات خاصة إلى "الفجر"، إن مصر كانت مسرحًا لأول ديانة بشرية ودعونا قبل أن نؤكد بصحة ذلك الاستنتاج نستمع لتلك الترانيم التي تركها لنا المصري القديم.
وتابع: قال الحكيم آني "لا تسأل عن صوره ربك، فهو ليس شمس في السماء أو طائر أو تمثال"، ومن ترانيم الكهنة "آمون وحده هو الخالق لكل ما هو ثابت ولكـل ما هو متحرك وإن كنت تظن أن هذا غير معقول ففكر في ذاتـك أنت نفسك إنك ترى وتتكلم وتسمع وتتذوق وتمشي وتفكر وتتنفس كل هذا ليس بغريب عنك، وذلك الذي يستمتع بهذه الملكات المتعددة هو كائن واحد يحملها جميعًا"، ومن كتاب الخروج للنهار "إني يا إلهي، لم أجع ولم أبك أحدًا، وما قتلت وما غدرت، بل وما كنت محرضًا على قتـل".
وتابع شاكر: بعد كل ذلك لابد أن نعترف أن مصر كانت بالفعل مسرحًا لأول ديانة بشرية ظهرت على وجه الأرض غير استثناء، كما يؤكد بعض الباحثين تأكيدًا قاطعًا أنه لم تظهر ديانة بشرية في الدنيا إلا ولها في عقائد وادي النيل عنصرًا وكل الـديانات البشرية التي ظهرت في بلاد الشرق القديم كان للمصريين القدماء بصمة فيها، فهم سبقوا العالم في تكوين المجتمعات والتحضر، بل وفي حل ألغاز الكون.
وأضاف أن عالم المصريات جميس هنرى برستد قال بكتابه فجر الضمير "وكل دين لابد أن يرافقه ويلازمه نوع من الصلاة ومكان للصلاة فعرفوا أول ماعرفوا بناء المعبد وأطلقوا عليه باللغة المصرية القديمة "حت نتر" وتعني معبد أو بيت الإله فالمعبد فهو دار لعبادة الله أو الرب وإن اختلفت المسميات على حسب الأديان السماوية أو الوضعية أو اختلاف اللغات والثقافات وعملوا به بحيرات مقدسة للتطهر من مياهها قبل الصلاة وعملوا به غرف لحرق البخور الذي كانوا يحضرونه من بلاد بونت لطرد الأرواح ولأن المعبودات كانت تحب الروائح الذكية ويرتدون الملابس الكتانية البيضاء لأداء الصلوات.
وأوضح: كانت صلاة قدماء المصريون تدور فى فلك العمل المضني والحب البنَّاء، وكانت مناجاتهم لإله الكون لم يكن البـناء فى مصر القديمة عملًا فرديًا يقوم به ملوك مصر لغرض الدعاية السياسية أو الدينية وإنما كان فعلًا مقدسًا يهدف إلى جعل أرض مصر صورة للســـماء.
وتابع شاكر، جاء فى المتون، أن "مصر هي صورة للسماء والكون يســـكن هنا فى معابدها"، هكذا كان المصري القديم يعتقد اعتقادًا راسخًا فقد كان البنـاء يتم حسب خطة وضعت منذ آلاف السنين تحت إشراف تحوت بدليل ما جاء في نصوص إنشاء معبد دنـدرة أن هذا الصرح المعمارى شيد حسب خطة تعود إلى عصر ما قبل الأسرات، وكل ما بناه القدماء من أهرامات ومعابد كان يتم في إطار خطة كبرى هدفها صنع صورة من السماء على الأرض أي بناء صورة مصغرة للكون على الأرض.
وأضاف شاكر: المتأمل فى عصر الملك رمسيس الثانى يجد أن هذا الملك بنى العديد من المعابد في أقصى جنوب مصر "النوبة" وهي معابد أبو سمبل وبيت الوالي وجرف حسين، ولو كان بناء تلك المعابد لهدف سياسي أو ديني لكان أنسب مكان لتشييدها هو العاصمة السياسية لمصر أو المدن الكبرى بالدلتا والصعيد فما الذي جعل الملك العظيم يترك العاصمة والمدن الكبرى ويتكبد مشقة البناء فى أقصى جنوب مصر، حيث عدد السكان قليل ولن يرى إنجازاته العظيمة سوى قلة من أفراد الشعب.
وأكد: أن المعابد التي بناها الملك رمسيس الثانى في أقصى جنوب مصر هي دليل على أن قدماء المصريين كانوا يختارون خطوط عرض معينة لإقامة الصروح المعمارية عليها وأن المعبد فى مصر القديمة كانت وظيفتة "كونية" وليست سياسية أو دينية فالمعبد هو صورة مصغرة للكون يبنى في مواضع معينة باستخدام قوانين البناء الكونية لكى يكون همزة الوصل وحلقة الاتصال بين الانسان "الكون الأصغر" وبين الكون الأكبر المعبود.
وتابع: مثلت الصـلاة عند المصري القديم طقسًا دينيًا تقوم به جميع الطبقات سواء إنسانًا بسيطًا أو كاهن أو ملك، وكانت تؤدى وفق أوضاع معينه كالركوع والسجود والوقوف في خشوع أمام رموز الآلهة من التماثيل، ولم يكن كل تمثال يمثـل الإله كانت هذه التماثيل تمثل "نسخًا" من تمثال أصيل كان يُحتفظ به في قدس الأقداس بالمعبد، ولم تكن رؤية هذا التمثال أمرًا يسيرًا للناس فقد كان المـلك وبعض الكهنة من الرتب العليا هم الذين يُسمح لهم كل صباح مشاهدته والصلاة بين يديه، وكان الملك أو الكاهن يصلي وذراعاه مسدلتان على جانبي جسده أو في وضعية السجود أو الركوع وهو يكرر الصلاة "أربع مرات يوميًا" ويولي وجهه إلى جهات الدنيا الأربع.
وختم شاكر كلماته، قائلا: كان نص الصلاة هو "أقدسك ياسيد الكون بما يليق من كلمات بصلوات تزيد من عظمتك بأسـمائك العظيمة ومظاهرك المقدسة التي ظهرت بها في اليـوم الأول للعالم".